ارشيف من :أخبار لبنانية

عون في الجنوب: أنا ذاهب وفاءً لشهادة الأبطال والأطفال/ كتب جان عزيز

عون في الجنوب: أنا ذاهب وفاءً لشهادة الأبطال والأطفال/ كتب جان عزيز
اثنان وثلاثون عاماً وثلثا العام، هو الفارق الزمني بين عناقَين لميشال عون وأرض الجنوب. العناق الأخير كان في 28 كانون الثاني 1976، وكان أليماً وحزيناً، لأنه كان عناق فراق. في ذلك النهار، وتحت وطأة "الحرب الفلسطينية" المتأجّجة في صيدا، غادر عون عاصمة الجنوب، تنفيذاً لأوامر قيادته. هناك كان قد "تمرّد" قبل أسابيع. فوصلت أخباره إلى قصر بعبدا. وسأل الرئيس سليمان فرنجية: "مَن هو هذا الضابط؟". بعدها صار "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" سيّد الموقف، فأعطيت الأوامر بالانسحاب.
من صيدا، انتقل عون إلى منطقة جزين. قرب بركة أنان الهادئة حتى الركود، أطلّت مروحية الجيش من بعيد، فأثارت موجات صغيرة على سطح الماء، فيما موجات العنف الكبيرة تهمّ بالهبوب على الوطن. استقلّ عون الطوافة، ودّع أرض الجنوب، وعاد إلى اليرزة. في طريقه جوّاً، شاهد ببصره الدامور تحترق، ورأى ببصيرته وطناً برمّته تحت النار.
لماذا تعود اليوم إلى الجنوب؟ يجيب الجنرال "الأخبار" سريعاً، إجابة فورية عفوية أولى: "أعود إلى أرض افتقدتها ثلاثة وثلاثين عاماً".
بعد الجواب الأوّلي، تغوص الفكرة في أعماق الرجل: "أعود طبعاً إلى أرضي الأمّ، هناك أصل عائلتي. في قرية أزيلت عن وجه الأرض، اسمها خرخيا، في قضاء جزين. ضربها الزلزال عام 1956، فتهدّمت بيوتها ولم تعمّر من بعده. أعود اليوم بدافع الانتماء وحسّه".
لكن لماذا العودة اليوم؟ لماذا في هذا التوقيت؟ يجيب الجنرال: "بكل بساطة، لأن الوقت متاح. أنا أشعر أصلاً أنني معنيّ بكل حبة تراب في هذا الوطن، وأشعر أنني معنيّ بها في كل لحظة. الباقي يصبح رهن الظرف وتوافر المقتضيات لا غير".
لكن البداية من الجنوب، هل هو دافع الانتماء فحسب؟ "طبعاً، هناك أيضاً الالتزام، فأنا ذاهب إلى أرض المعركة، إلى الأرض التي شهدت انتصار لبنان بمقاومته وجيشه وشعبه على "إسرائيل" قبل عامين". يسكت الجنرال ثواني، قبل أن يضيف بنبرة مختلفة: "ثم أنا ذاهب وفاءً وتكريماً للشهداء. إنها زيارة الوقوف هناك تحيةً لاستشهاد البطولة، كما تحية لاستشهاد الطفولة. على أرض الجنوب سقط لنا أبطال، وسقط لنا أطفال، وأنا ذاهب لتحيتهم، من قانا إلى رميش، من شهداء المقاومة والشعب، إلى الشهداء رفاق السلاح في الجيش".
وعند ذكر المؤسسة العسكرية، تكرج الكلمات النوستالجية من عيني الجنرال: "لا تنسَ أنني أمضيت اثني عشر عاماً كاملة على الحدود. أعرف تلك الأرض أكثر من أي منطقة أخرى. قد تكون معالمها تغيّرت، لكنني متأكد أنني سأعرفها وستعرفني. تماماً كما كنت أقوم بدوريات التفتيش على الشريط الحدودي، بعد منتصف الليل. لم أضلّ مرّة. كأنني كنت أمشي في نور العقل والقلب معاً".
وماذا عن السياسة؟ هل للحجّ الجنوبي هذا بُعد سياسي، كما سيحاول البعض تحميله؟ يضحك الجنرال كثيراً وهو يردّ: "الأكيد أنني لست ذاهباً للبحث عن أصوات انتخابية في الجنوب. فواقع الأمور معروف هناك، كما هو معروف في كل منطقة من لبنان. لذلك لم نقصد تحويل المناسبة من إنسانيّتها إلى السياسة. حتى الرئيس نبيه بري قال لي أمس: لماذا لم تعلمنا مسبقاً بالموعد لنقوم ببعض الترتيبات؟".
في النهاية، كيف يتوقع عون استقبال الجنوب له، وماذا سيقول لأهله؟ "بفرح وحماسة، سنلتقي"، يجيب الجنرال فوراً، "سنلتقي لقاء الذين تشاركوا الأيام الصعبة والصمود. وسأقول لهم بكل بساطة: جئت لتكريس وحدتنا الوطنية وعيشنا معاً، في الحرب كما في السلام، في الآلام كما في الآمال، في الحصار كما في الانتصار".
غداً، سيتلوَّن الجنوب بلون جديد. ترهص مياه الأوّلي والزهراني والليطاني والبحر، إنه سيكون مزيجاً من لون التبغ والدم وخمر العرس في قانا.
2008-08-23