ارشيف من :آراء وتحليلات

الاستحقاق الرئاسي وتطورات المنطقة

الاستحقاق الرئاسي وتطورات المنطقة

ثمة تغيير كبير في الأوضاع والأجواء الإقليمية مقارنة بما كانت عليه قبل أشھر وأسابيع، عندما بدأ الحريري يفكر بالانتقال من ضفة فرنجية الى ضفة عون ويقيم اتصالات مع الرابية عبر قناة نادر الحريري - جبران باسيل. ھذا الحوار الثنائي البعيد عن الأضواء والھادف الى ترتيب صفقة رئاسية  حكومية، كان يجري في ظل انفراجات واسعة في المنطقة:   
 1- من جھة اتفاق أميركي  - روسي يُلجم الحرب، ويرسي ھدنة وأرضية الحل السياسي المؤجل الى الإدارة الأميركية الجديدة .
  2- ومن جھة ثانية ملامح وإمكانية تسوية في اليمن بدأت تظھر عبر مفاوضات الكويت الرسمية، وعبر اتصالات سرية موازية جرت في سلطنة عمان .

ولكن، ھذا المشھد الإقليمي تبدل فجأة وانقلب رأسا على عقب: في سوريا سقطت الھدنة ومعھا الاتفاق الأميركي -  الروسي، وأنهى بوتين كل تفاوض مع أوباما الذي انتھى، ويتحسب لوصول ھيلاري كلينتون الى البيت الأبيض، وھي المؤيدة لوجھة نظر البنتاغون- المخابرات في الملف السوري لجھة عدم التعاون العسكري مع روسيا، لذا يريد بوتين قبل تسلم كلينتون فرض أمر واقع على الأرض لفرض شروطه السياسية في المفاوضات والحل لاحقا، ولذلك فإن قرار الحسم في حلب لا رجعة فيه الى الوراء وھو قرار للتنفيذ أياً تكن التكاليف والمخاطر .

أما في اليمن، فإن الوضع لا يقل سوءاً، فقد تحول الى ساحة صراع ومواجھة بين إيران والسعودية والحرب فيه أصبحت "حربا إقليمية"، خصوصا بعدما انتقل جزء منھا الى داخل السعودية، وعلى إثر "الغارة المجزرة" التي استھدفت مؤخراً مجلس عزاء في صنعاء اشتدت حملة التحريض ضد السعودية والدعوات الى الانتقام والثأر على أراضيھا .

الاستحقاق الرئاسي وتطورات المنطقة

الرئاسة في مهب التطورات الاقليمية.

السؤال الآن: كيف سينعكس ھذا الوضع المتفجر في المنطقة على لبنان؟ وتحديدا على الاستحقاق الرئاسي ؟؟
ينقسم المحللون للوضع اللبناني إلى رأيين :
•رأي أول: يعتبر أن الوضع اللبناني، بما فيه الملف الرئاسي، محيّد عن أزمات المنطقة وما زال، وأن ھناك قرارا دوليا إقليميا بالحفاظ على استقرار لبنان وعدم فتح جبھة جديدة في المنطقة، ولذلك فإن الانھيارات الحاصلة في المنطقة من شأنھا أن تسرّع في التسوية التي تحاك خيوطھا حاليا وأن تعجّل في انتخاب عون رئيسا. فإذا لم ينتخب وبقي الوضع على حاله، فإنه سيكون وضعا ھشا ضعيفا قابلا للانھيار في أي وقت مع وجود شرارات عدة تشعله، أمنية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي يجب التقاط الفرصة السانحة وعدم إضاعتھا قبل أن تدخل المنطقة برمتھا في المرحلة الأميركية الجديدة .

•رأي ثان: يعتبر أن مبادرة الحريري جاءت في وقت وظرف إقليمي غير مناسب وأن الاتفاق بين عون والحريري معرض للضياع، وأن تريث الحريري سيطول ويمتد الى ما بعد 31 تشرين الأول، خصوصا وأن الفترة الزمنية المتبقية ليست كافية لتفكيك كل العقد والمشاكل وسط لعبة الشروط والشروط المضادة، وتقاذف وتضييع المسؤوليات .

وأما ما يخص التفاھمات التي يُحكى عنھا بين عون وكل من الحريري وجعجع، فإنھا تختصر بالنقاط التالية :
 ما تم الاتفاق عليه بين باسيل والحريري ھو "مبادئ سياسات عامة وخطوط عريضة تتعلق بالأمن والاقتصاد وقانون الانتخابات واتفاق الطائف، ولم ترتقِ ھذه التفاھمات الى مرتبة ومستوى وثيقة التفاھم التي وقعھا عون مع حزب الله أو ورقة التفاھم التي أبرمت بين عون وجعجع وأعلنت من معراب .
 أي بحث في الحقائب الوزارية لم يحصل بين عون وجعجع، وتحديدا في موضوع وزارتي الداخلية والدفاع، خصوصا بعدما بات شبه مؤكد أن الوزير نھاد المشنوق باقٍ وزيرا للداخلية، وأن الحريري يريد وزارتي الداخلية والعدل، وأن العميد شامل روكز سيكون على الأرجح وزيرا للدفاع. ثم من قال إن القوات اللبنانية تريد وزارة أمنية أو عسكرية تضعھا على خط تماس وتصادم أو على خط تكيّف ومسايرة مع حزب الله .
 الوزارات السيادية والأساسية ستقر وفق "سلة واحدة"، فإذا كانت وزارة المال باقية في يد الشيعة والرئيس بري، ووزارة الصحة في يد جنبلاط والوزير أبو فاعور، ووزارة التربية باقية للتيار والوزير بو صعب، فإن الأنظار تتجه الى وزارة النفط التي ربما تكون جائزة ترضية لفرنجية الذي سيعھد بھا الى الوزير السابق بسام يمين، وأما القوات فإنھا لم تعد تقبل بوزارة ثانوية أو ھامشية (سياحة أو بيئة) وتريد وزارات أساسية .

من الواضح الآن أن الموضوع الرئاسي صار أكثر غموضا وتعقيدا، وأن عون والحريري ھما الأكثر إحراجا وشعورا بالضيق، ضيق ھامش المناورة وضيق ھامش الوقت مع بدء العد العكسي لمھلة 31 تشرين الأول. وكلاھما يخوضان معركة وخيارات مصيرية: الحريري يتحدد مستقبله السياسي في ضوء خياره الرئاسي، وعون يخوض آخر معاركه التي لا رجعة فيھا الى الوراء ولا تنازلات ولا حلول وسط: إما القصر... وإما ...

ووسط هذا المشهد الإقليمي الدراماتيكي والداخلي اللبناني الدقيق، جاءت إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مناسبة "عاشوراء"، و ھذا النزول "الى الأرض" يعني أن السيد نصرالله أسقط الحواجز والمحظورات الأمنية، وهومطمئن أكثر من قبل الى "وضعه الأمني" في مواجھة التھديد الإسرائيلي الدائم، ومدرك من جھة أخرى أن جمھوره بحاجة الى شد عصب، والى أن يكون على تماس معھم وھو "القائد التاريخي الاستثنائي الذي يمنحونه الثقة المطلقة ."

السيد نصرالله  كان واضحا ومباشرا في توصيف الوضع في المنطقة، فهو يرى أن المشھد العام في المنطقة تغيّر وبات مشھد تصعيد وتوتير خلافا لما كان عليه قبل أشھر: في سوريا فرصة وقف القتال وإطلاق المسار السياسي انھارت، والاتفاق الأميركي - الروسي فشل بعدما انسحب الأميركيون منه نتيجة خلافات داخلية أميركية . في العراق الحسم العسكري يقترب من الموصل، ولكن المشروع الأميركي يريد "تھريب داعش" من الموصل الى سوريا وتكديسھا في المنطقة الشرقية، أي الرقة ودير الزور وصولا الى امتداد الحدود الأردنية - العراقية مع سوريا، ويريد الأميركيون الذين جمدوا معركة الرقة أن تسقط كل دير الزور بيد "داعش". أما شمال حلب وشمال سوريا فلا تھم الأميركيين وتركوه للأتراك والجماعات المتعاونة معھم .
أما في لبنان، يعلن السيد حسن نصرالله أن التزام اللبنانيين والمقيمين في لبنان بالأمن والاستقرار يجب أن يكون التزاما قاطعا، وأن السلم الأھلي في لبنان ھو خط أحمر، والاستقرار يتأمن عبر خارطة الطريق ھذه :
•تقديم كل الدعم والمساندة للجيش اللبناني والأجھزة الأمنية
 تفعيل العمل الحكومي ،عودة كل الحلفاء الى الحكومة مقابل التزام الميثاقية والشراكة .
•فتح أبواب المجلس النيابي للتشريع
السيد حسن نصرالله يقر بوجود مسار سياسي إيجابي في موضوع الانتخابات الرئاسية، ويبدي ارتياحه وتشجيعه لھذا المسار . كما يؤكدعلى موقف حزب الله الثابت في تأييد العماد ميشال عون للرئاسة ، مقابل الحديث بعاطفة عن "عزيزنا وصديقنا وحليفنا سليمان فرنجية".  وضمّن كلامه إشارات تحذيرية من وجود جھات تعمل على الإيقاع بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لذلك دعى الى إعلان الحريري موقفه رسميا، ومن دونه ليس ھناك من واقع سياسي جديد يبنى عليه .من جهة اخرى شجع مبادرة عون باتجاه الرئيس نبيه بري والوزيرفرنجية  للتفاھم معهما.
إزاء  التطورات الميدانية والعسكرية التي تسير الى جولة جديدة وشرسة وطويلة من القتال، نستطيع أن نفهم  أن المطلوب أمران في لبنان: الأول ھو الصمود والبقاء في الميادين والجبھات بانتظار أن يحين أوان الحل السياسي، والثاني ھو ترسيخ الاستقرار في لبنان بما يتيح التفرغ لحروب المنطقة .وهذه الحالة تقرر مصير انتخابات الرئاسة وقدرة الرئيس المنتخب على الحكم .

2016-10-18