ارشيف من :أخبار عالمية
لمن لا يعرفني، فأنا امرأة يهودية أمريكية "إسرائيلية" أحس بالعار وأنا أشاهد اليهود يقتلون العرب الأبرياء
كانت العنصرية "الاسرائيلية" اليهودية تروعني وتؤلمني في الصميم وتهز كياني في بداية الأمر، إلا أنها لم تعد تصدمني إلا نادراً، لكن عربدة هذه العنصرية القاتمة وزعيقها الصارخ هذا بوحشية لا مثيل لها، مازالت تحملني على التوقف لبرهة وحبس الأنفاس في ما أشرع بترجمتها، إلى مشاهد أخرى تسلك دروباً مغايرة لتعيد صياغة فكرنا وتشكيل تصوراتنا .
تخيل لوهلة أنك تقود سيارتك وسط حيّ مزدحم تقطنه أغلبية ساحقة من السود في بلدة أو مدينة أمريكية وتمد بصرك لترى بأم عينيك يافطة هائلة الضخامة تقول الكلمات التي نقشت عليها: "الحرب هي مع السود وهم عدونا" .
وتجول في ذهني خاطرة تدور حول الأمن، هذا المفهوم الذي أفرغته "إسرائيل" من محتواه، وهذا المصطلح الذي ابتذله يهود في هذا البلد وغيره فصيرّوه لفظة خاوية لا معنى لها في هذه المنطقة، وحولوه إلى مسرحية هزلية تثير سخرية العقلاء . إلا أن للأمن أهمية كبرى لا يسع امرؤ أن ينكرها، سواء على المستوى الفردي أو في محيط المجتمع . غير أن معظم ما أشهده واستمع إليه من نقاشات في الإعلام وجدل يدور حول الأمن يتجاهل حق الشعب الفلسطيني بأن ينعم بالأمن . واللافتة التي تقول: "إنما نخوض حربنا مع أعدائنا العرب" هي يافطة جديدة، حسب علمي، إلا أنني شهدت اليهود وعلى مدى سنوات في الضفة الغربية لا يدعون محلاً أو منزلاً أو مكاناً لفلسطيني إلا وخربشوا عليه نجمة داوود السداسية أو كتبوا عليه عبارات من مثل: "الموت للعرب"، "اجتثوا الفلسطينيين"، و"كاهانا كان محقاً" (مائير قاهانا حاخام أمريكي "إسرائيلي" وزعيم سياسي صهيوني متطرف ولد في بروكلين وأسس حركة كاخ، وكان عضواً في الكنيست "الإسرائيلي" ومن أشد الدعاة إلى إقامة "إسرائيل" الكبرى وإلى استئصال شأفة الشعب الفلسطيني، وطرده من فلسطين، ومثل هذه اليافطة هي في جوهرها نظير لأن ترفع لافتة عملاقة جداً في حي يهودي تقول فيها: "كان هتلر على حق") .
محو الهوية وإبادة الفلسطينيين
وثمة معركة أخرى ضارية تدور رحاها منذ دهور، معركة يخوض غمارها اليهود بشراسة جنباً الى جنب مع حرب اللافتات والشعارات وحملات الترهيب التي يشنونها لتصفية فلسطين من أهلها العرب هناك، من جهة، شعارات ترفع ويافطات تنصب، ومن جهة أخرى لافتات تدمر وأسماء تزال وهوية تدمر وشعب يواجه حرب استئصال .
فمنذ عام 1948 والشعب الفلسطيني داخل "إسرائيل" يجابه معركة نيرانها دائبة الاستعار، تروم إبادته وتبغي محو هويته وطمس ثقافته بل واستئصال شأفته .
ولربما كانت الحرب التي يواجهها هنا الفلسطينيون في مناطق 48 أشد وأنكى من أي حرب تواجهها أي جماعة فلسطينية أخرى في الشعب الفلسطيني . لقد حرمت "إسرائيل" هذه الفئة من الشطر الأعظم من حقوقها . وكنت زرت الأسبوع الماضي صديقاً لي في مدينة اللد يقطن في شارع جيبوراي يسرائيل "أبطال إسرائيل" . ومررنا أثناء قيادتنا للسيارة وتجولنا في الأحياء الفلسطينية في اللد بشوارع تحمل أسماء مثل هيرتزل وجابوتنسكي وأحدها عام، وغيرهم من زعماء الصهيونية . . أزالوا الأسماء العربية كلها فلم يبق ثمة اسم عربي واحد لشوارع اللد العتيقة التي كانت تزدهي بأسمائها العربية من دهور . وحتى في المدن الكبيرة التي تسكنها كثافة فلسطينية يرى الفلسطينيون بأعينهم كل يوم الأسماء العربية وهي تزال رسمياً من على اليافطات واللافتات، ويشهدون اندثار ثقافتهم ومحواً منهجياً منظماً لهويتهم وطمساً لمعالم وجودهم وحرباً شعواء تشن على حضارتهم وتهدف إلى وأد مستقبلهم وتدمير حاضرهم . فكلمة يافا مثلاً حرفوها إلى "يافو" والناصرة صارت "نزاريا" والقدس أصبحت "يروشاليم"، وهكذا دواليك في سلسلة عمليات تزييف وتحريف لا تنتهي .
الحرمان من الأمن
حرمت "إسرائيل" الفلسطينيين من أمنهم، ولم يقتصر هذا على حرمانهم من هويتهم وإلغاء تاريخهم وطمس معالم ثقافتهم وتدمير مقومات وجودهم الحضاري كما يتجلى في الشاخصات واللافتات بل تعداه إلى كل الجوانب وتسلل إلى كل الميادين فيما يشبه حرب استلاب للأمن يشنها يهود على كل الجهات . وقد أخبرني صديق فلسطيني يحمل الجنسية "الإسرائيلية" أنه ترامت إلى مسامعه إشاعات تذهب إلى أنه تم تخصيص مساحة ضخمة من الأرض الصحراوية في الأردن وتهيئتها وبناؤها تأهباً لما هو مخطط له في نهاية المطاف من وصول السكان الفلسطينيين في "إسرائيل" إلى الأردن بعد طردهم من موطنهم وتهجيرهم من مساكنهم وبلداتهم وقراهم .
وقال هذا الصديق: "ربما كانت هذه ضمن نظرية المؤامرة" . وأضاف: "لا أدري على وجه الحقيقة" . وأجبته: "لكم أود أن أعتقد أن "إسرائيل" لن تنجو بفعلتها تلك، وأنها لن تمضي في مثل هذا المخطط ولن تتمكن من هذا" . فرد عليّ صديق آخر من اللد فقال: "بالطبع هم يستطيعون، وإذا تهيأت لهم الظروف فلن يتوانوا عن تنفيذ هذا المخطط" .
معاناة أهل فلسطين
تخيّل أن تعيش يوماً بيوم وتقضي ساعات عمرك وقد استبد بك هاجس طردك من وطنك في المستقبل القريب . أو توهم نفسك في غزة وقد استولت عليك الحيرة فلا تدري اتقتل اليوم أم غداً، أتأتي لفلذات كبدك بما يسدّ رمقهم أم تعجز كما يعجز معظم الغزيين عن ذلك؟ أتسنح لك فرصة، أي فرصة لتخرج من بلدك وتدخل كما تشاء؟ تخيل نفسك في الضفة الغربية وأنت لا تعرف ما إذا كان ولدك الذي خرج إلى المدرسة سيعتقل أم لا، وما إذا كانت ابنتك ستعود حية إلى المنزل أم تغتالها رصاصة "طائشة" يطلقها عليها مستوطن أو جندي "إسرائيلي"، أو ما إذا كنت ستفلح في اجتياز الحاجز "الإسرائيلي" في الصباح لتتمكن من الوصول إلى مكان عملك أم لا . أو إذا كنت في القدس ما إذا كان سينتزع منك تصريح إقامتك اليوم أم سيجردونك من حقك في الإقامة في مدينتك غداً، أو ما إذا كانوا سيهدمون بيتك لتصبح في العراء لا مأوى لك .
تخيل أن تحاصرك هذه الهموم كلها، بل وتطوقك هواجس كثيرة أخرى أدهى وأمر .تخيل صلة واهية جداً بين الاختيار والعواقب . توهم علاقة عشوائية بين السبب والأثر، بين العلة والمعلول، فإذا كانت الاحتمالات أمامك متساوية في أن يطلق عليك النار فيردوك قتيلاً، أو أن تقتل وأنت ترتشف كأساً من الشاي في عقر دارك، أو وأنت تجلس في غرفة صفك الابتدائي في المدرسة، أو أن تصرعك رصاصة وأنت تشارك في مظاهرة، أو تقضي نحبك بعد انضمامك للمقاومة المسلحة، فهل ثمة من عجب في أن يختار البعض كل واحد من هذه الميتات؟ فالموت يتربص بالفلسطينيين في كل أرجاء فلسطين .
وكانت إحدى صديقاتي في الضفة الغربية قد اخبرتني ذات يوم بأنها لم تشعر قط بأنها آمنة في بلدها، لذا فإن الأمن والسلامة لا يشكلان عاملاً أساسياً بالنسبة لها وهي تهم باتخاذ قراراتها، ومهما حاولت التوهم وبذلت قصارى جهدي في التخيل فلن استطيع تصور هذا الافتقار إلى السيطرة، وهذا الخلل المريع في القدرة على التحكم بحياتك وأنت حبيس هذه السجون كلها التي يحاصرك بها المحتل "الإسرائيلي" .
صمود أسطوري
التقيت في القدس بامرأة مقدسية فلسطينية هجرها المستوطنون اليهود من بيتها بصورة وحشية نعم داهمها في جنح الظلام في دارها وقد انتصف الليل عشرات الجنود "الإسرائيليين" وطردوها من منزلها لتصبح لاجئة من جديد، فاليهود هجروها من موطنها عام 1948 وهاهم يعيدون الكرة بعد أكثر من ستين عاماً . وها هي أم كامل تعيش اليوم في خيمة بالقرب من بيتها الذي هدم فأعادت ترميمه ثم دمر فأعادت إصلاح بعض منه ست مرات خلال الشهور الستة الماضية . وربما كانت هذه حالة صارخة من حالات انعدام الأمن والافتقار إلى الأمان، ومع ذلك تظل أم كامل قوية الشكيمة صلبة العزيمة لا تلين لها قناة بل وتزداد تصميماً على البقاء في وطنها وتشبثاً بأرضها، وكثير من أهل فلسطين يسمون هذا صموداً وثباتاً .
وقوة العزيمة المذهلة هذه وهذا الصمود الاسطوري يرى المرء تجلياته المدهشة في ربوع فلسطين كافة وهو إنما ينم عن أمن أكثر عمقاً وأشد رسوخاً، أمن يستمده الفلسطينيون من إيمانهم، إيمانهم بالله، ومن ثم إيمانهم بعدالة قضيتهم وثقتهم المطلقة بعبر التاريخ الذي تنبئنا أسفاره بأن احتلال فلسطين لن يستمر إلى الأبد . وهذا بالطبع كذلك هو الهاجس الأكبر لدى "إسرائيل" . وهنا في هذه البؤرة في نفسية "الإسرائيليين" تقبع مخاوفهم فهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم مهما بنوا من جدار وأقاموا من حواجز ومتاريس، ومهما سجنوا من ناس، ومهما قتلوا من أبرياء ومهما هدموا من بيوت الفلسطينيين، ومهما محوا من اسماء وأزالوا من لافتات، ومهما اقتلعوا من اشجار وجرفوا في أراض ومهما طردوا من سكان ومهما ازدادوا قمعاً وبطشاً فإن الأمن سيظل بالنسبة لهم على وجه الحقيقة مجرد سراب بقيعة يحسبونه ماء، حتى إذا وردوه لم يجدوه شيئاً وهم يدركون كذلك أن الصهيونية آيلة إلى السقوط والاندثار في نهاية المطاف، وكما قال لي كثير من عجائز فلسطين والطمأنينة تشع من أعينهم وأمنهم الداخلي يتجلى في كلماتهم بعد أن سكن الأمن أرواحهم "لقد خبرنا وعانينا من احتلالات كثيرة، وهذا الاحتلال أيضاً مصيره إلى زوال" .
مجازر اليهود في فلسطين
"بصفتي يهودياً أحس بالخجل وأشعر بالعار يجللني وأنا أرى مشاهد اليهود وهم يطلقون النار فيقتلون العرب الأبرياء في الخليل . وليس ثمة من تسمية أخرى غير كلمة مجازر أصف بها ما رأيت بأم عيني" .
كان هذا اقتباس من كلام قاله رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق ايهود اولمرت قبل عودتي إلى فلسطين . وكنت قبل عام رأيت على شاشات التلفزيون في سوريا ولبنان كيف كان المستوطنون في الخليل يحرقون منازل الفلسطينيين والجنود "الإسرائيليون" يقفون متفرجين دون أن يحركوا ساكناً .
وحدثتني صديقة لي في منطقة سلفيت في الشمال بعيداً عن الخليل حيث أحاط الجدار الذي أقامته "إسرائيل" بمنزلها فأخبرتني عن معاناتها هي وأسرتها إذ يهاجمهم المستوطنون ليلاً ونهاراً ويرمون بيوتهم بالحجارة ويحطمون النوافذ ويهشمون الزجاج ويمارسون ضدهم كل ألوان الإرهاب لذا فحين اسمع شخصاً مثل اولمرت يقول ما قال، وهو في موقع المسؤولية أدرك بأنه شيخ من كبار شيوخ الدجل وأدرك أنه أفاق كذاب، فها هم جنود "إسرائيل" تحت امرته يستمتعون بعذابات الفلسطينيين ويبتهجون بما يرونه من معاناتهم .
وأختم هنا بشهادة تنضم إلى تلال من الوثائق التي لا يتطرق إليها الشك والتي تؤكد أن الحركة الصهيونية ما كان لها أن تنجح في مشروعها من دون ممارسة سياسة القتل والترويع والتطهير العرقي لإحلال شعب مكان شعب ولنستمع إلى شهادة الجنرال غلوب باشا البريطاني، قائد الجيش الأردني خلال حرب 1948 وهو يقول:
"القصة التي روج لها اليهود وسخروا لها كل أبواب دعايتهم وآلتهم الإعلامية لاقناع العالم بقبولها، وهي أن اللاجئين الفلسطينيين تركوا فلسطين طواعية عارية عن الصحة جملة وتفصيلاً، فمن يهاجر بمحض إرادته لا يخرج بحزمة ملابس ويترك داره ومتاعه وأملاكه وراءه . ومن يغادر وطنه طواعية لا يترك فلذات كبده وراءه، ولا يفعل هذا سوى من كان قد استولى عليه الذعر بعد أن رأى هولاً أرغمه على الفرار من وجه الإرهاب الذي لم يدع أحداً إلا وحاول البطش به . الحقيقة هي ان الفلسطينيين هربوا من المذابح التي كانت ترتكب بحقهم" . (الحصاد المر) .
تطهير عرقي ومذابح
ثمة أسئلة كثيرة أدمن الفلسطينيون طرحها في مناسبات عدة، وها أنذا أطرحها على أصحاب الضمائر الحية الذين يروعهم الظلم وتغص مضاجعهم مشاهد ضحايا الارهاب الصهيوني .
فلنفرض جدلاً ان أهل فلسطين رحلوا عن أرضهم طواعية وهاجروا بملء ارادتهم خارج وطنهم عام ،1948 فهل هناك أي مسوغ شرعي يبيح مصادرة منازلهم ومزارعهم ومحلاتهم ومقومات ارتزاقهم؟ وهل ثمة مبرر يقبله العقلاء يمنع عودتهم إلى ديارهم؟ وهل هناك سبب وجيه، أيا كان، لجحد حقهم في أن يكونوا مواطنين في البلد الذي ولدوا فيه وترعرعوا؟
ودعونا نسأل ونطرح استفساراتنا من زاوية أخرى . ولنتذكر مثلاً ان الحركة الصهيونية دأبت، ومن عهد بعيد على تشجيع اليهود في كافة أرجاء الأرض، في أوروبا والشرق الأوسط وروسيا وأمريكا واستراليا على الهجرة إلى "إسرائيل"، فهل ثمة حجة شرعية تبيح مصادرة ممتلكاتهم وبيوتهم ومصانعهم في تلك الدول التي كانوا مواطنين فيها؟
وهل هناك مسوغات منطقية أو شرعية تمنع عودتهم إلى ديارهم؟ وهل من مبرر لحرمانهم من جنسيات الدول التي كانوا فيها؟
هناك في "إسرائيل" محرمات، وعلى رأس قائمة هذه الممنوعات منعاً باتاً وأشدها تحريماً كشف الحقائق الأساسية التي تتعلق بالصراع العربي "الإسرائيلي" . وتتصدر هذه الحقائق تلك التي يحرص الجيش "الإسرائيلي" والمجتمع والمدارس كل الحرص على حجبها عن رعايا الدولة "الإسرائيلية" اليهود، ألا وهي أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني جرى ترهيبهم بأبشع الصور وأفظع وسائل العنف، وجرى طردهم وترحيلهم من وطنهم ليصبحوا مشردين لاجئين في الدول العربية المجاورة، وما نبأ المذابح التي ارتكبها اليهود بحق الفلسطينيين عنا ببعيد .
وهكذا بذل الصهاينة أقصى جهدهم لتسهيل هجرة اليهود في شتى أصقاع الدنيا، إلى الدولة التي أرادوها يهودية صرفة، وبذلوا من الناحية الأخرى جهوداً جبارة لطرد عرب فلسطين، وشنوا من أجل هذه الغاية حرب تطهير عرقي كشف الكثير من فصولها ووثائقها وما خفي من تلك الفصول أعظم، إذ قد دمر الصهاينة في حربهم تلك أكثر من 450 بلدة وقرية عربية في فلسطين .
ومنذ البداية أدرك جهابذة الصهاينة المؤسسون من أمثال ديفيد بن غوريون وموشي شاريت، وزئيف جابوتنسكي وحاييم وايزمان وأحدها عام أن "تهجير السكان" أي "طرد شعب فلسطين" هو الحل الوحيد للمعضلة التي أشاروا إليها وأطلقوا عليها اسم "المشكلة العربية" . وسنة بعد سنة أصبحت الخطة التي تقتضي، حسب عتاة الصهاينة، تطهير فلسطين من سكان العرب تعرف باسم "حل الترحيل" . وسلط ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء "إسرائيلي" الضوء على "حل الترحيل" هذا ووضح أبعاده وموقفه منه بجلاء بقوله: "بالترحيل القسري سوف نظفر بمساحة شاسعة من الأرض للاستيطان، وأنا أدعم بكل ما أوتيت من قوة التسفير والترحيل والطرد القسري ولست أرى فيه أي غضاضة من الناحية الأخلافية" . وهكذا وضعت الخطة موضع التنفيذ عن طريق ارتكاب أكبر عدد من المذابح الشنيعة واشاعة أجواء الرعب في أوساط السكان لحملهم على الفرار من وطنهم .
الكاتبة
لمن لا يعرفني، فأنا امرأة يهودية أمريكية "إسرائيلية" نشأت وترعرت في فيلادلفيا ورسخت في أعماق أعماقي هويتي اليهودية بفضل انخراطي الكامل في مجتمعي اليهودي وترددي المنتظم على معبد طائفتنا اليهودية (طائفة احياء اليهودية) التي أسسها الحاخام موردخاني مناحيم كابلان، وكذلك بفضل انتظامي مع حركة شباب العمل الصهيوني "هابونيم درور".
إلا ان معاركة الحياة ومعايشة الواقع على الأرض سرعان ما بدأت بإعادة صياغة هويتي هذه وشخصيتي حيث تزايدت الشكوك لدي وازداد التشوش وتعاظم الألم الذي أخذ يعتصر في قرارة نفسي وأنا أكبر وأنمو وأتعلم وألاحظ وأحس. رويداً رويداً حدثت لدي النقلة الشعورية والفكرية واتسعت دائرة الانعتاق فتحولت من حب الديانة إلى كره الدين، ومن ثم ولجت إلى المرحلة التالية فصرت أقدر الدين وأجله من على بعد إلى أن بلغت الطور الذي صرت أحاول فيه تلمس السبل التي أوائم فيها بين الدين وحياتي علني أحدث تناغما ما بين المتنافرات عسى ان يصبح الدين جزءاً من نسيج حياتي.
تخرجت عام 2002 في كلية غوشر في بالتيمور بولاية ماريلاند وحصلت على شهادتي الجامعية في الدراسات الدولية والثقافية، وفي الدراسات النسائية ودراسات السلام. وقضيت السنة التي تلت تخرجي في اعداد دراسة في بوسطن وكان عنوان أبحاثي "المبادرة اليهودية التنظيمية"، كي أرسخ أقدامي في مناهج التعلم المتعلق بتنظيم المجتمع من جهة وذلك في غمرة انهماكي بتنظيم المجتمع ولكي أزداد علماً وتفقهاً بديانتي اليهودية.
وهكذا، وبمرور الوقت لم يعد يسعني تجاهل مظالم الفلسطينيين ولم أعد أملك أن أغض الطرف عن ظلم الحكومة "الإسرائيلية" الفادح لهم في فلسطين. وكنت في موقع أستطيع أن أقول فيه: "إنما أقوم بهذا العمل تحديداً وبوجه خاص بصفتي يهودية".
وسرعان ما انطلقت بعدها لأعمل مع المنظمة النسائية الدولية لخدمة السلام في ضيعة صغيرة في الضفة الغربية تدعى قرية حارس في منطقة سلفيت. وفي فلسطين شهدت بأم عيني بعضاً من المظاهر الشنيعة للمعاناة المروعة التي يكتوي الفلسطينيون بنارها هناك، فعن معاناة أهل فلسطين حدث ولا حرج.
* ناشطة أمريكية أسست منظمة "بيرث رايت ان يلغد" تضامناً مع أهل فلسطين، والمقال منشور على موقع "كاونتر بنش"
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018