ارشيف من :آراء وتحليلات

إسرائيل تهوِّل قلقاً.. تلوِّح وتخشى الرد..

إسرائيل تهوِّل قلقاً.. تلوِّح وتخشى الرد..

لم يكشف جيش العدو جديدا عندما نشر خارطة تحتوي على نقاط ملونة يزعم انها تشير إلى الاف الاهداف التابعة لحزب الله(لا يغير من دلالة الخارطة اعتبار جيش العدو انها مزيفة). وانما الجديد - القديم، هو  في الشكل. فما كان يعبر عنه المسؤولون الإسرائيليون، مشافهة،  بالحديث عن الاف الاهداف اختطه جيش العدو الان رسماً.
في المقابل، المؤكد أن حزب الله يستطيع ان ينشر خارطة مماثلة وتضم أعدادا أكبر من الاهداف التي نشرها جيش العدو، خاصة عندما تتعلق بكيان دولة يمكن أن تكون كل منشآتها اهدافا وموزعة على اغلب مساحة فلسطين المحتلة..

بعيدا عن مناقشة دقة هذه الخارطة من عدمها، الامر الاهم هو ما يتصل بتوقيتها الذي لا يمكن فصله عن مفاعيل المجريات الميدانية في الساحة السورية، في الوعي والتقدير الإسرائيليين.
القدر المتيقن أن الإسرائيلي بات يرى بعد انتصار حلب، لجهة كونه تتويجا للانتصارات السابقة، وفي ظل انكفاء اميركي، أن رأس حربة محور المقاومة بات أكثر ثباتا وقوة واندفاعا..
وفق المعايير الإسرائيلية على مستوى الرؤية والتقدير، إن ترجمة المفهوم السابق تعني – بحسب منسوب المخاوف في تل ابيب - أن هامش حزب الله في الرد والردع سيكون أوسع، وقدرته على الدفاع أشد، وبعبارة أخرى إن إسرائيل والمنطقة، تشهد إعادة تمتين المعادلة الاقليمية بشكل مغاير لما تبلورت عليه بدءا من العام 2011.
ومما يعزز المخاوف الإسرائيلية هذه المرة، أن التقدم الميداني مقرون بتبدد الرهانات الجدية على اعادة تغيير موازين القوى السورية. وبالتالي ما يجري في هذه المرحلة، يتمايز عن المرحلة السابقة التي كانت محكومة بمعادلة عدم قدرة اي من الطرفين على الحسم .

وعلى الرغم من عدم تحقق الحسم العسكري على مستوى سوريا حتى الان، لكن الانتصارات المدوية في حلب وما سبقها، كاف كي يبدد الرهانات، ويحسم التقدير الإسرائيلي عن المسار التصاعدي لمحور المقاومة.. وبالنتيجة لسنا أمام حالة طارئة يمكن للعدو أن يراهن على تراجعها لاحقا.. الامر الذي يضع تل ابيب، ومعها الكثير من القوى الاقليمية، أمام تحدي الخيار البديل.

القدر المتيقن، وان كان غير كاف بالنسبة لإسرائيل، هو الاستمرار في الخيار العملاني الذي بدأت بتطبيقه مطلع العام 2013، أي بعبارة أخرى منذ تبدد الرهان في المرة الاولى على اسقاط الرئيس الاسد. وضمن هذا السياق، تأتي الضربات الإسرائيلية خلال الايام القليلة الماضية، والتي تقول إسرائيل إنها تأتي ضمن استراتيجية "المعركة بين الحروب"، وهو ما المح اليه وبشكل استثنائي وزير الامن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان بالقول "نحن نحاول منع تهريب اسلحة ذكية إلى حزب الله".  

لكن الإسرائيلي أدرك محدودية فعالية هذه الاستراتيجية، قبل التطورات الميدانية الاخيرة في سوريا، فكيف بعد تحرير حلب؟
في هذه المحطة بالذات، يمكن القول إن حزب الله بات أقدر على مواجهة جميع السيناريوهات المفترض أن تكون مطروحة على طاولة القرار في تل ابيب، بما فيها تلك المتطرفة. في ضوء ذلك، بات الإسرائيلي أحوج ما يكون إلى ضرورة رفع منسوب ردعه، وتوجيه رسائل تهويل اضافية. وهو ما يفسر نشر هذه الخارطة في هذه المرحلة بالذات. مع محاولة اضافة بعض التفاصيل التي لم تحتوها الخرائط التي نشرها في مراحل سابقة.  

إسرائيل تهوِّل قلقاً.. تلوِّح وتخشى الرد..

اسرائيل تهدد وتهول

ويمكن اعتبار قرار نشر الخارطة بديلا عن اطلاق تهديدات مباشرة على لسان هذا المسؤول أو ذاك، خاصة وانهم يدركون في تل ابيب أن أي موقف تهويلي سيتم الرد عليه، بما يتناسب من قبل حزب الله.. وهو ما حصل قبل اشهر على لسان سماحة الامين العام لحزب الله وهو التصريح الذي يبدو أنه استند في حينه إلى معطيات بحوزة حزب الله.
بعبارة أخرى، اراد الإسرائيلي رفع الصوت، لكن من دون ضجيج. اراد التهويل، لكن من دون استدراج تهديدات مضادة ترعب جمهوره.. اراد توجيه رسائل، لكن من دون استفزاز يستوجب رسائل مضادة أبلغ تأثيرا في الواقع الإسرائيلي. وايضا، اراد التغطية على هشاشة الجبهة الداخلية التي كشفها تقرير مراقب الدولة الذي أقر بأنها غير جاهزة لخوض حرب بمستوى المواجهة مع حزب الله.  وبذلك حاول القول لجمهوره إن الجبهة الداخلية لحزب الله، ايضا، مكشوفة لالة التدمير الإسرائيلية..
في كل الاحوال، ما احتجنا إلى شرحه والاستدلال عليه طوال سنوات المواجهة في سوريا، حول حقيقة وابعاد الحرب في سوريا، لم يعد يحتاج منا إلى الكثير من الجهد.. فمجرد عرض المطالب الإسرائيلية الرسمية العلنية، مما يجري في الساحة السورية، والخيارات التي يلوِّح بها هؤلاء، وتزامن الاعتداءات الإسرائيلية مع هزائم الجماعات المسلحة والارهابية، واضطرار إسرائيل إلى رفع مستوى الردع على خلفية تبدد الرهانات على اسقاط الرئيس الاسد وهزيمة الدولة السورية.. ابلغ من الكثير من الحجج والادلة..
مع ذلك، يبقى السؤال ماذا بعدما تكتشف إسرائيل عقم الرهان على مفاعيل رسالة الخارطة، وما يشبهها؟

2016-12-09