ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: التهديدات الإسرائيلية مستمرة والتجاذب السياسي على حاله

حدث في مقالة: التهديدات الإسرائيلية مستمرة والتجاذب السياسي على حاله
كتب مصطفى الحاج علي
تتنوع عناوين الاهتمام السياسي الداخلي، وكأننا أمام فسيفساء سياسية لا يجمع بين قِطعها إلا الإطار العام الذي يضمها، إلا أن استقراءً وفحصاً معمقاً لدلالات كل منها، يظهر أن ما يربط بينها كثير.
أما أبرز هذه العناوين، فيتمثل بالتالي:
أولاً: التهديدات الإسرائيلية المستمرة
 ـ الملاحظات الرئيسية التي يمكن تسجيلها على هذه التهديدات هي:
أ ـ تحولها الى ما يشبه السياسة الدائمة للعدو الإسرائيلي، حيث لا يمضي يوم من دون أن يسجل تهديد للبنان ولحزب الله والمقاومة يقوم به مسؤول اسرائيلي. ولقد اتخذت هذه التهديدات منذ مدة خطاً بيانياً متصاعداً.
ب ـ ربط الكيان الإسرائيلي تهديداته بثلاثة أسباب رئيسية: امتلاك المقاومة لأسلحة مضادة للطيران من شأنها تغيير توازن الرعب القائم حالياً، استمرار تدفق السلاح النوعي الى المقاومة عبر البوابة السورية؟ وأخيراً، اقتراب حزب الله من القيام بعملية رد على اغتيال القائد الشهيد الحاج عماد مغنية.
ويضاف الى هذه الأسباب، ما يمكن عده سبباً لتوتر هذا الكيان، هو شرعنة البيان الوزاري حق المقاومة مجدداً.
أما بالنسبة لدوافع هذه التهديدات، فيمكن تسجيل التالي:
أ ـ حاجة العدو الثابتة الى جولة مواجهة جديدة يستعيد بها صورته الرادعة اذا تمكن من ذلك.
ب ـ الخلافات الداخلية، ودخول الأحزاب السياسية مرحلة من التنافس داخل كل منها، وفي ما بينها، وذلك على خلفية التحضير للانتخابات داخل كل حزب، لا سيما حزب كاديما، أو التحضير للانتخابات العامة، الأمر الذي يدفع الجميع الى تبني مواقف متطرفة.
ج ـ ثمة محاولة داخل الكيان الإسرائيلي لإظهار نوع من الانقسام في الرأي حول الأولويات في هذه المرحلة، فهل هي ايران، أم حزب الله؟ إلا أن حقيقة الأمر، أن الكيان الإسرائيلي لا يفصل بين الاثنين، فهو يقيم ربطاً موضوعياً، استراتيجياً، وتكتيكياً، بين الاثنين، ويعتبر أن التصدي لإيران لا يمكن القيام به بدون حذف حزب الله من المعادلة.
د ـ لم ينظر الكيان الإسرائيلي بعين الرضا للتطورات الأخيرة في لبنان، وهو أعلن صراحة أن هذه التطورات جاءت لمصلحة حزب الله، وهو يعلم أيضاً، أن القوى السياسية تستعد لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية.
أية أهداف يمكن تصورها ويريد الكيان الصهيوني تحقيقها؟
بالاستناد الى ما تقدم، يمكن تصور الأهداف التالية:
أ ـ استرجاع صورة الكيان القادر، الذي لا يهاب الحرب، وأنه مستعد لها.
ب ـ استقطاب الرأي العام الإسرائيلي، سواء لمصالح انتخابية، أم لتهيئته نفسياً وموضوعياً، لاحتمالات حرب جديدة.
ج ـ الدخول على خط الانقسام الداخلي حول المقاومة لتحقيق مزيد من الاستثارة له، ولحمل الأطراف المناهضة لها داخل الحكومة لبذل ضغوط اضافية بذريعة تهديد الاسرائيلي لكل الواقع اللبناني.
د ـ إيجاد القيود المناسبة التي تحول دون قيام المقاومة بأي رد فعل يتصل باغتيال الشهيد مغنية، أو يتصل بمحاولات الاسرائيلي التصدي المباشر لعملية نقل السلاح الى المقاومة قصفاً.
ه ـ استدراج الضغوط الملائمة دولياً سواء على روسيا، أم على سوريا، لمنعهما من بيع أو إمرار سلاح أساسي الى المقاومة كالسلاح المضاد للطائرات.
و ـ ايجاد الذرائع والضغوط الملائمة على قوات الطوارئ لزيادة فعاليتها، ولتشكيل شبكة أمان لطياريها، ولقطع الطريق على المطالبة الدولية لها بوقف خرقها للسيادة اللبنانية جواً، وبالتالي المحافظة على حرية حركة سلاحها الجوي في الأجواء اللبنانية.
ز ـ القيام بحركة مناورة واسعة هدفها تربيط المقاومة وسوريا، كجزء من الاستعداد لتوجيه ضربة لإيران، لا سيما في ظل تواتر المعلومات عن رفع الأسطول البحري الأميركي عدد قطعه العاملة في الخليج والمنطقة الى 40 قطعة، يضاف اليها حشود أخرى فرنسية وبريطانية، وقد وضع هذا الحشد البحري ـ في أحد احتمالاته ـ في سياق الاستعداد لملاقاة احتمال توجيه الكيان الاسرائيلي ضربة الى ايران.
ج ـ القيام بحركة مناورة أيضاً هدفها توجيه ضربات أمنية للمقاومة، وبالشكل الذي يحول دون انحدار الأمور الى تصعيد.
من الواضح، أن هذه الأهداف تتدرج من أمور تكتيكية الى أمور ذات بعد استراتيجي، إلا أن القاسم المشترك بينها هو تجنب المواجهة مع المقاومة، أكثر منه نيته القيام بها، فهذا الكيان يريد تعقيد وتكبيل حركة المقاومة أكثر بما يريد المواجهة المباشرة، ليتمكن من التحرك بحرية على أكثر من جبهة أمنية وربما عسكرية.
ثانياً: الحراك السياسي الداخلي
يمكن ايجاز هذا الحراك بالعناوين الرئيسية التالية:
أ ـ الاهتزاز المبكر الذي أصاب الحكومة الحالية على خلفية أداء رئيس الحكومة الذي يصر على  قضم صلاحيات الوزراء المختصين، وعلى المس بدور رئيس الجمهورية، الأمر الذي أدى الى اعتراض سريع من قبل هؤلاء الوزراء تحوّل الى ما يشبه الاشتباك السياسي داخل الحكومة، وإن لم يبقَ مضبوطاً تحت سقفٍ لا يتجاوزه.
ب ـ طرح التيار الوطني مسألة دور صلاحيات نائب رئيس الحكومة الأرثوذكسي، ورفضه أن يكون دوره دوراً شكلياً، والإصرار أن يكون له مكتبه الخاص داخل القصر الحكومي، وأن يكون مطلعاً على ما يقوم به رئيس الحكومة، الأمر الذي أثار ردود فعل متنوعة في الوسط السني.
وفي هذا الإطار، فإن هذا الطرح من قبل التيار لا يمكن عزله عن الأهداف التالية:
ـ محاولة محاصرة صلاحيات رئيس الحكومة السني، الأمر الذي من شأنه استثارة العصبية السنية، وتكتلها في وجه عون.
ـ إحراج مسيحيي 14 آذار، وافتعال اشكال سني ـ مسيحي داخل صفوف هذا الفريق.
ـ استمالة الارثوذكس الى صفوف التيار في سياق التحضير للمعركة الانتخابية، من خلال تقديم التيار نفسه كمدافع عن حقوق المسيحيين الارثوذكس، وذلك على حساب المر.
ج ـ الخلاف حول اسم قائد الجيش المقبل
 هذا الخلاف له دوافعه السياسية والموضوعية المتصلة بالخلاف حول المشاريع والارتباطات السياسية لكل طرف.
ولتعيين قائد الجيش في هذه المرحلة اهميته الخاصة لجملة اعتبارات، أبرزها: أولاً: أنه أول قائد جيش بعد الخروج السوري من لبنان، ثانياً: تحول الجيش الى مركز اهتمام أساسي من قبل واشنطن التي تعمل جاهدة من أجل إحداث تحويل في عقيدته القتالية، وتالياً في وظيفته الأمنية. ثالثاً: تنوع التحديات التي تواجه لبنان أمنياً وعسكرياً اليوم.
ونظراً لطبيعة المرحلة، ولطبيعة التوازنات التي تحكم الوضع الداخلي، فإن اختيار قائد للجيش لا يمكن أن يتم خارج المواصفات التالية: أولاً: أن يكون محل ثقة لدى المقاومة، ثانياً: أن لا يكون على حالة عداء مع سوريا، ثالثاً: أن يكون لديه الاستعداد للانخراط في معارك ضد الارهاب الأصولي، رابعاً: أن يكون عصيّاً على الشراء، خامساً وأخيراً أن يكون قادراً على المحافظة على وحدة وتماسك المؤسسة العسكرية.
ثالثاً: جولة عون الجنوبية
حملت جولة عون الجنوبية جملة دلالات بارزة، أهمها:
أ ـ التوقيت، حيث جاءت في مناخات ذكرى الانتصار، ما يؤكد تموضع عون وتياره داخل خيار المقاومة واستمرار امتلاكها لسلاحها.
ب ـ تثبيت تمسكه بتحالفاته الداخلية لا سيما مع حزب الله.
ج ـ تثبيت صورته كزعيم مسيحي أول.
د ـ اختيار الجنوب كمنطلق لحملته الانتخابية، لا سيما على صعيد استنهاض الرأي العام المسيحي.
ان خلاصة ما تقدم تشير أن المشهد اللبناني ما زال يخضع لضغوط خارجية، في الوقت الذي ما زال الانقسام سمته الرئيسية داخلياً، وأن سعي فريق 14 آذار للإبقاء على الانقسام والتوتر الداخلي بدلاً من السعي الى التهدئة الفعلية لترميم الجبهة الداخلية استعداداً لمواجهة التهديدات الاسرائيلية، نرى عكس ذلك، بما يذكرنا بما كان يجري قبل عدوان تموز، وهذا ما يستدعي الحذر الكبير.
والمفارقة هنا، أن استحقاق الانتخابات ما زال يتحكم بسلوك الجميع، ما يؤكد أنها حادثة في وقتها؟ بالرغم من استمرار التجاذب حول قانون الانتخابات.
الانتقاد/ العدد 1293 ـ 26 آب/ أغسطس 2008
2008-08-26