ارشيف من :آراء وتحليلات
على العهد: بازار نيابي

كتب إبراهيم الموسوي
ثمة خلل منهجي في أداء نوّاب الموالاة، وهذا الخلل يتصل مباشرة بالمناقبية الأخلاقية، وبالضمير المهني إذا صح التعبير، هل النيابة مهمة أم رسالة؟ وكيف يفهم هؤلاء أدوارهم في مجال التشريع؟
اليوم يقف نواب ما يسمى بالأكثرية ليمتنعوا عن إمرار التقسيمات الإدارية بناءً على اتفاق الدوحة، وقد هدد البعض منهم بالتصويت ضد مشروع التقسيمات الإدارية في إطار مسلسل الانقلابات المتنقلة ضد بنود اتفاق الدوحة.
بعض النواب إضافة إلى مسؤولين رسميين أبدوا خشيتهم في أن تكون مماطلة نواب الأكثرية تستهدف نسف الانتخابات النيابية المقبلة من الأساس، والتذرع بحجج مثل ضرورة إقرار الإصلاحات مجتمعة من أجل الاحتفاظ بالأكثرية النيابية في البرلمان.
فريق الموالاة بحسب ما تراه زعامات وطنية عديدة خائف من أن يخسر الأكثرية في الانتخابات المقبلة، لذا فإنه يجد أن من مصلحته الأكيدة عرقلة الانتخابات أو حتى إلغاءها والتمديد للمجلس الحالي حيث يملك الأكثرية.
وبعيداً عن المناكفات السياسية بين أكثرية وأقلية، أو موالاة ومعارضة، فالسؤال يتعلق بمدى التزام فريق الأكثرية باتفاق الدوحة. لقد جاء هذا الاتفاق ليشكل مخرجاً للأزمة المستعصية التي كان يتخبّط بها البلد على مدى عامين، وجاء أيضاً ليُرسي حلاً ارتضاه جميع الأفرقاء كمدخل للإنقاذ الوطني العام، لكن المفارقة أن ما قبلته الموالاة بالجملة، بدأت بالتسويف والمناكفة ضده بالتقسيط وبالتفصيل أيضاً.
إن التأكيد الذي ما فتئ رئيس الحكومة يردده من أن الكل ملتزم باتفاق الدوحة، لا يلغي حقيقة أن نواب الأكثرية يعرقلون، ولا يعفي أيضاً فريق 14 شباط من مسؤوليته الأخلاقية والتشريعية أمام الشعب اللبناني بأكمله، فالمسألة لا تتصل أبداً بحسابات فريق المعارضة فقط، ولكنها تمتد لتشمل كل الناخبين اللبنانيين الذين يطمحون إلى تجديد الحياة السياسية واستحضار تمثيل شعبي حقيقي يعكس بشكل صحيح الأوزان الفعلية على الأرض.
كيف يمكن مثلاً أن يماطلوا في موضوع إعطاء الحق لمن أتمّ الثمانية عشر من العمر في أن ينتخب، وكيف يوفّق هؤلاء بين رفضهم إعطاء هذا الحق، فيما يقرون في الوقت عينه بواجبه في خدمة الوطن والدفاع عنه، كيف يمكن لهؤلاء النواب أن يوافقوا على هذه العبارة التي تختصر موقفهم، يتوجب عليك الدفاع والموت في سبيل وطنك، ولكن لا يحق لك أن تنتخب من يمثلك في المؤسسة التشريعية الأولى في هذا الوطن!؟
إنه منطق مقلوب وغريب لا يبدو أنه يلحظ سوى مصالح هؤلاء، وهي ضيقة وهامشية إلى أبعد الحدود.
لماذا لا يقبل هؤلاء بإقرار قانون النسبية وهم يعلمون أنه الأكثر عدلاً وصدقاً في تمثيل الشرائح والتيارات والقوى اللبنانية المختلفة، ولماذا يستمرون في التعاطي مع هذا الموضوع بمنطق الصفقات والمصالح الضيقة.
لن نقول إننا أصبحنا نخشى من عقلية التجّار أن تتسلل إلى المجلس النيابي، فالواقع أمرّ وأكثر سوءاً من ذلك، إذ يبدو أن هذه العقلية قد استوطنت فعلاً هذا المجلس لتحوّله من مجلس نيابي يتولى التشريع وسنّ القوانين، إلى بازار وسوق للعرض والطلب.
إنه بازار نيابي حقيقي، رحمتك يا رب!
الانتقاد/ العدد 1293 ـ 26 آب/ أغسطس 2008
ثمة خلل منهجي في أداء نوّاب الموالاة، وهذا الخلل يتصل مباشرة بالمناقبية الأخلاقية، وبالضمير المهني إذا صح التعبير، هل النيابة مهمة أم رسالة؟ وكيف يفهم هؤلاء أدوارهم في مجال التشريع؟
اليوم يقف نواب ما يسمى بالأكثرية ليمتنعوا عن إمرار التقسيمات الإدارية بناءً على اتفاق الدوحة، وقد هدد البعض منهم بالتصويت ضد مشروع التقسيمات الإدارية في إطار مسلسل الانقلابات المتنقلة ضد بنود اتفاق الدوحة.
بعض النواب إضافة إلى مسؤولين رسميين أبدوا خشيتهم في أن تكون مماطلة نواب الأكثرية تستهدف نسف الانتخابات النيابية المقبلة من الأساس، والتذرع بحجج مثل ضرورة إقرار الإصلاحات مجتمعة من أجل الاحتفاظ بالأكثرية النيابية في البرلمان.
فريق الموالاة بحسب ما تراه زعامات وطنية عديدة خائف من أن يخسر الأكثرية في الانتخابات المقبلة، لذا فإنه يجد أن من مصلحته الأكيدة عرقلة الانتخابات أو حتى إلغاءها والتمديد للمجلس الحالي حيث يملك الأكثرية.
وبعيداً عن المناكفات السياسية بين أكثرية وأقلية، أو موالاة ومعارضة، فالسؤال يتعلق بمدى التزام فريق الأكثرية باتفاق الدوحة. لقد جاء هذا الاتفاق ليشكل مخرجاً للأزمة المستعصية التي كان يتخبّط بها البلد على مدى عامين، وجاء أيضاً ليُرسي حلاً ارتضاه جميع الأفرقاء كمدخل للإنقاذ الوطني العام، لكن المفارقة أن ما قبلته الموالاة بالجملة، بدأت بالتسويف والمناكفة ضده بالتقسيط وبالتفصيل أيضاً.
إن التأكيد الذي ما فتئ رئيس الحكومة يردده من أن الكل ملتزم باتفاق الدوحة، لا يلغي حقيقة أن نواب الأكثرية يعرقلون، ولا يعفي أيضاً فريق 14 شباط من مسؤوليته الأخلاقية والتشريعية أمام الشعب اللبناني بأكمله، فالمسألة لا تتصل أبداً بحسابات فريق المعارضة فقط، ولكنها تمتد لتشمل كل الناخبين اللبنانيين الذين يطمحون إلى تجديد الحياة السياسية واستحضار تمثيل شعبي حقيقي يعكس بشكل صحيح الأوزان الفعلية على الأرض.
كيف يمكن مثلاً أن يماطلوا في موضوع إعطاء الحق لمن أتمّ الثمانية عشر من العمر في أن ينتخب، وكيف يوفّق هؤلاء بين رفضهم إعطاء هذا الحق، فيما يقرون في الوقت عينه بواجبه في خدمة الوطن والدفاع عنه، كيف يمكن لهؤلاء النواب أن يوافقوا على هذه العبارة التي تختصر موقفهم، يتوجب عليك الدفاع والموت في سبيل وطنك، ولكن لا يحق لك أن تنتخب من يمثلك في المؤسسة التشريعية الأولى في هذا الوطن!؟
إنه منطق مقلوب وغريب لا يبدو أنه يلحظ سوى مصالح هؤلاء، وهي ضيقة وهامشية إلى أبعد الحدود.
لماذا لا يقبل هؤلاء بإقرار قانون النسبية وهم يعلمون أنه الأكثر عدلاً وصدقاً في تمثيل الشرائح والتيارات والقوى اللبنانية المختلفة، ولماذا يستمرون في التعاطي مع هذا الموضوع بمنطق الصفقات والمصالح الضيقة.
لن نقول إننا أصبحنا نخشى من عقلية التجّار أن تتسلل إلى المجلس النيابي، فالواقع أمرّ وأكثر سوءاً من ذلك، إذ يبدو أن هذه العقلية قد استوطنت فعلاً هذا المجلس لتحوّله من مجلس نيابي يتولى التشريع وسنّ القوانين، إلى بازار وسوق للعرض والطلب.
إنه بازار نيابي حقيقي، رحمتك يا رب!
الانتقاد/ العدد 1293 ـ 26 آب/ أغسطس 2008