ارشيف من :أخبار عالمية
تورط أميركي جديد في أميركا اللاتينية
يبدو ان الازمة الجديدة التي نشبت في أميركا الجنوبية بين كولومبيا وفنزويلا قد تكون أكثر تعقيدا هذه المرة من سابقاتها بسبب التورط المباشر للولايات المتحدة التي تثير رغبتها بزيادة وجودها العسكري في كولومبيا مخاوف في المنطقة.
فقد أثار الاتفاق العسكري الذي أبرمته الولايات المتحدة مع كولومبيا، والذي يسمح لواشنطن باستخدام ثلاث قواعد كولومبية في عمليات مكافحة تجارة المخدرات في أميركا الجنوبية، أزمة دبلوماسية إقليمية وكشف الصعوبات التي تعترض الدبلوماسية الأميركية .
وبلغ الأمر بالرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز حد القول إن الجيش الأميركي يسعى من خلال هذا الاتفاق إلى اجتياح بلاده .
وبعيد ساعات من تصريح تشافيز، أعلن وزير الداخلية الأكوادوري ميغيل كرفاخال في العاصمة الاكوادورية كويتو أنه من غير المستبعد حصول "تصعيد من نوع عسكري" بين كولومبيا والأكوادور جراء الاتفاق .
وفي تفاصيل الاتفاق الذي اعلنته بوغوتا فانه سيتيح لواشنطن استخدام ثلاث قواعد جوية وبحرية كولومبية على الأقل لتعويض إغلاق قاعدة مانتا العسكرية الأميركية في الأكوادور.
وبعد إغلاق هذه القاعدة الإستراتيجية على المحيط الهادئ لمكافحة القوارب التي تهرب مئات أطنان الكوكايين من كولومبيا إلى الولايات المتحدة، يبدو هذا الاتفاق، بحسب المراقبين، مسوغاً تماماً لمكافحة تهريب المخدرات.
غير أن تقريراً لمعهد الدراسات الإستراتيجية في غرينادا الجديدة في العاصمة الكولومبية بوغوتا، يؤكد أن الإبقاء على وجود عسكري (أميركي) حقيقي في أميركا اللاتينية يشكل هو أيضاً هدفاً إستراتيجياً لواشنطن .
أما على صعيد ردود فعل كل من الاكوادور وفنزويلا الرافضة لهذا الاتفاق، فبالنسبة إلى الإكوادور فإن هذه الردود تبدو مسوّغة، نظراً إلى الهجوم الذي شنه الجيش الكولومبي في آذار 2008 على معسكر لميليشيا القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك ، ماركسيون ) داخل الأراضي الأكوادورية حيث كادت ان تندلع حرب بين فنزويلا وكولومبيا بسبب هذا الهجوم.
وبخلاف المرات السابقة لم تكن العلاقات المفترضة بين حركة التمرد الماركسية "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز العامل الوحيد المتسبب في تصاعد التوتر بين البلدين الجارين في اميركا الجنوبية .
فـ "كراكاس" ترى، ان اعلان بوغوتا عثورها في معسكر حركة التمرد على اسلحة سويدية بيعت الى فنزويلا، ليس سوى طريقة لصرف الانتباه عن الاتفاق المبدئي الذي كشف عنه في 15 تموز (يوليو) ويسمح للجيش الاميركي باستخدام ثلاث قواعد في كولومبيا للقيام بعمليات خاصة بمكافحة المخدرات .
في غضون ذلك ، دان بقية اعضاء اليسار الراديكالي في اميركا اللاتينية (بوليفيا والاكوادور ونيكاراغوا) هذا المشروع، قبل ان تعرب كل من البرازيل وتشيلي في ساو باولو، وهما مصنفتان اكثر اعتدالا، عن القلق ازاء المشروع حيث اعلنت البرازيل على لسان رئيسها لويز ايناسيو لولا دا سيلفا ان "فتح قاعدة اميركية جديدة في كولومبيا لا يعجبني" .
ودعا الرئيس البرازيلي مع نظيرته التشيلية ميتشيلي باتشيليت مجلس الدفاع الاميركي الجنوبي الى عقد اجتماع حول هذا الموضوع خلال قمة اتحاد الدول الاميركية الجنوبية في العاشر من آب/ اغسطس في كيتو .
لكن مصدرا رسميا اعلن الجمعة في بوغوتا ان الرئيس الكولومبي الفارو اوريبي ووزير خارجيته خايمي برمودس لن يحضرا هذا الاجتماع، وستمثل كولومبيا فيه بموظف من رتبة متدنية.
ويرى بعض المحللين ان هناك عنصرا جديدا في الخوف من تحول كولومبيا الى حاملة طائرات تراقب المنطقة كما انه انه لا يمكن اعتبار القواعد "مجرد عنصر من سياسة مكافحة المخدرات" كما تقول كولومبيا والولايات المتحدة بل ان الامر "يتعلق بمشكلة امن قاري" .
وفي وقت سابق ، قرر الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز "تجميد" العلاقات مع الجارة كولومبيا واستدعى سفيره في بوغوتا اثر تصريحات من كولومبيا حول علاقات مفترضة بين كراكاس ومتمردي "القوات المسلحة الثورية في كولومبيا" (فارك - ماركسيون) ، علما ان هذا القرار يهدد بتعليق مليارات الدولارات من التجارة بين البلدين، وهدد تشافيز بوضع اليد على عمليات مملوكة من كولومبيين في فنزويلا.
وفي نفس السياق ، هدد تشافيز بوقف الصادرات الكولومبية الى فنزويلا، والتي تقول الارقام الرسمية انها وصلت الى 2,62 مليار دولار في النصف الاول من 2009.
كما هدد تشافيز ب"مصادرة" مشاريع مملوكة من كولومبيين في فنزويلا اذا ما استمرت "اعتداءات" بوغوتا. وقال تشافيز "مع الاعتداء القادم على فنزويلا، سنقوم بقطع العلاقات مع الحكومة الكولومبية على كافة الاصعدة".
بموازاة ذلك ، اعلن وزير الخارجية الفنزويلي نيكولاس مادورو ان كراكاس سترد "في الوقت المناسب" على "الاكاذيب الجديدة" التي تطال حكومة تشافيز.
ويخشى وزير الخارجية الكولومبي سابقا رودريغو باردو ايضا من عزلة بلاده التي باتت لا تقيم علاقات مع كيتو منذ الغارة على معسكر قوات الفارك في اذار (مارس) 2008.
وقال: "نحن في فترة لا تحظى فيها كولومبيا بالانسجام مع اي طرف لا سيما ان انتصار باراك اوباما ادى الى اعادة تحديد العلاقات مع الولايات المتحدة" (بعد ان كانت وثيقة جدا في عهد جورج بوش الابن).
في السياق نفسه فاذا اصبح الاتفاق حول القواعد رسميا فمن المتوقع ان تسرّع الحكومات المجاورة فكرة قيام استراتيجية امنية تستبعد كولومبيا مما "سيزيد في تعقيد السياسة الاقليمية".
تقرير : محمد حسين سبيتي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018