ارشيف من :أخبار عالمية

خاص الانتقاد.نت: حملة النظام العراقي على "مجاهدي خلق"

خاص الانتقاد.نت: حملة النظام العراقي على "مجاهدي خلق"
بغداد ـ عادل الجبوري
فتحت احداث الخميس الماضي في معسكر اشرف الخاص بمنظمة ما يسمى بمجاهدي خلق الايرانية المعارضة في محافظة ديالى، الباب واسعا مرة اخرى لموجة عارمة من الرفض الشعبي والرسمي لوجودها على الاراضي العراقية، واتسعت مساحة الرفض وارتفعت مدياته هذه المرة لان عناصر المنظمة انتهكوا سيادة وحرمة الدولة التي يقيمون على اراضيها، حينما اعتدوا على عناصر الشرطة العراقية التي فتحت لها مقرات في داخل المعسكر بعد ان تولت مهام حمايته والاشراف عليه من القوات الاميركية بصورة فعلية بعد الثلاثين من شهر حزيران/ يونيو الماضي.
خلاصة ما قام به افراد منظمة "مجاهدي خلق" هو الحاق اصابات بعدد من عناصر الشرطة العراقية بينهم ضباط، بعض تلك الاصابات خطيرة، وبحسب مصادر مختلفة، فان الاعتداءات ادت الى استشهاد عدد من افراد الشرطة العراقية، اضافة الى ذلك اقدموا على تمزيق العلم العراقي، في اشارة الى تحديهم لسلطة الدولة العراقية، واستفزازهم لمشاعر ابناء البلد.
ويبدو ان الامور قد اخذت هذه المرة ابعادا اخرى اكثر حساسية وخطورة من المرات السابقة، ووضعت الحكومة العراقية امام خيار واحد لا بديل له، ألا وهو حتمية اخراج المنظمة من العراق، استنادا الى قرار اتخذه مجلس الحكم العراقي المنحل في اواخر عام 2003 يقضي بكل وضوح وصراحة بانهاء أي وجود لتلك المنظمة البالغ تعداد افرادها اكثر من 3500 شخص، بينهم نحو ستين عنصرا مدرجة اسماؤهم ضمن قوائم المطلوبين قضائيا من قبل الشرطة الدولية (الانتربول).
ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اكد بوضوح في تصريحات ادلى بها لبعض وسائل الاعلام العراقية والاجنبية ان بقاء منظمة خلق في العراق امر غير ممكن حتى لو تصالحت مع ايران، لان ما ارتكبته من جرائم بحق العراقيين لا يسمح بتاتا بالتعامل معها والقبول بها، وهذا هو ذات الموقف الذي شدد عليه عدد كبير من خطباء الجمعة والشخصيات والقوى السياسية العراقية.
وقد لا يخفى على الكثيرين خلفيات وظروف وجود منظمة خلق في العراق منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت الحرب بين النظام العراقي السابق وايران مستعرة ومتواصلة، وكان نظام صدام يسعى جهد امكانه الى ان يستثمر كل العناصر والادوات لتحسين وضعه القتالي بعدما مني بهزائم عسكرية كبيرة على يد القوات الايرانية، وكان من بين تلك العناصر والادوات، منظمة ما يسمى بمجاهدي خلق ذات الخلفية الفكرية الماركسية، اذ راح يغدق عليها العطايا ويوفر لها افضل الامكانيات، وجعل منها واحدة من مفاصله القمعية الضاربة، التي لم تختلف مهامها كثيرا عن مهام اجهزة الامن والمخابرات والاستخبارات ومنظومات الحزب وغيرها، بحيث ان تلك المهام تمحورت اساسا حول ملاحقة المعارضين لنظام صدام، والتجسس عليهم، والتصدي لاي حركة شعبية ضده، ولعل الوثائق التي اميط اللثام عنها كشفت عن الكثير من خفايا ادوار ومهام منظمة خلق في العراق، لا سيما في قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ربيع عام 1991 في اعقاب حرب الخليج الثانية، وقبلها في المشاركة بعمليات الانفال ضد الاكراد العراقيين اواخر عقد الثمانينات، ناهيك عن جرائم وممارسات اجرامية كبيرة وكثيرة للمنظمة ضد العراقيين، جانب منها اعترف به عدد من الذين خرجوا عنها، واخرهم القيادية بتول سلطاني التي اعترفت قبل شهور قلائل بحقائق خطيرة تثبت بما لا يقبل الجدل والنقاش حقيقة ما قامت به المنظمة.
ولم تتوقف الاجندات التخريبية والتدميرية لمنظمة خلق في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، بل انها اتخذت طابعا اخر، وسياقات اختلفت بعض الشيء عن السياقات السابقة، وهنا فانها استفادت كثيرا من الحماية التي وفرتها لها الولايات المتحدة الاميركية بحكم وجودها الفعلي وهيمنتها على كل زمام الامور في العراق، وبقيت بمنأى عن اية مسائلة او محاسبة من اية جهة كانت برغم انها ادرجت في وقت سابق في لائحة المنظمات الارهابية التي تصدر سنويا عن وزارة الخارجية الاميركية،  وبرغم قرار مجلس الحكم الصادر في التاسع من كانون الاول/ ديسمبر 2003 الذي نص على ما يلي:
"1- طرد عناصر منظمة مجاهدي خلق الارهابية من الاراضي العراقية وخلال فترة اقصاها نهاية العام الحالي (أي عام 2003).
2- غلق مقرات منظمة مجاهدي خلق الارهابية ومنعهم من ممارسة اي نشاط لحين مغادرتهم.
3- مصادرة اموال المنظمة واسلحتها وضمها الى صندوق التعويضات.
4- للافراد والمؤسسات العراقية مقاضاة هذه المنظمة لجرائمها بحق الشعب العراقي ومطالبتها بالتعويض عن ذلك من اموالها داخل وخارج العراق".
وهذا يعني ان المنظمة وظفت غطاء الحماية الذي وفرته لها واشنطن للاستمرار في نفس النهج، والتعامل مع بقايا حزب البعث المنحل، ومع التنظيمات المسلحة التي تتبنى فكرا تكفيريا ومدعومة من جهات خارجية ـ اقليمية بالدرجة الاساس ـ لها اتصالات مع المنظمة، مثل المملكة العربية السعودية، اذ نقل موقع مركز الحرمين للإعلام الإسلامي في السابع من شهر تموز/ يوليو الماضي خبرا عن مصادر وصفها بالوثيقة الاطلاع "أن رئيس جهاز المخابرات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز التقى مؤخراً في العاصمة الأردنية عمّان، بمسعود رجوي، رئيس منظمة مجاهدي خلق، واضاف الموقع نقلا عن المصادر أن رجوي وعددا من قيادات المنظمة الذين غادروا العراق إلى الأردن مؤخرا كي ينتقلوا إلى عواصم أوروبية منحتهم اللجوء السياسي، التقوا بعدد من مسؤولي أجهزة مخابرات عربية وأجنبية، بينهم رجال من الموساد، ومن المخابرات المصرية والسعودية، فضلاً عن الأردنية والأميركية والفرنسية".
وربما تعمدت الولايات المتحدة الاميركية عدم حسم واغلاق ملف منظمة خلق في العراق، وتركه مثل لغم قابل للانفجار في اية لحظة، بعد انسحابها الاولي من العراق، كما هو الحال بالنسبة لملفات اخرى، اضف الى ذلك، هي ومعها دول اخرى عديدة ليست على استعداد لاحتضان عناصر المنظمة على اراضيها، برغم الدفاع عنها ودعمها ومساندتها بطرق واشكال ووسائل مختلفة، لان تلك الدول لا تريد ان تقحم نفسها في مشاكل وازمات، يمكن ان تؤثر سلبا على علاقاتها ومصالحها السياسية والاقتصادية والامنية.
وبسبب ردود الافعال الشعبية والرسمية الحادة في العراق، ولاجل خلط الاوراق بدرجة اكبر وصرف الانظار عما قام به عناصر المنظمة من اعتداءات ضد قوات الشرطة العراقية، لا يستبعد ان تكون الجهات التي تقف وراء المنظمة قد دفعت جماعاتها الارهابية المسلحة الى تنفيذ سلسلة من العمليات الارهابية يوم الجمعة الماضي طالت مجموعة مساجد وحسينيات في في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد، وادت الى استشهاد واصابة عشرات الاشخاص.
فسلسلة العمليات الارهابية تلك لا تخرج من حيث التوقيت عن تداعيات احداث معسكر اشرف الذي قررت السلطات العراقية تغيير اسمه الى "معسكر العراق الجديد"، وهي تذكر بسلسلة الاعمال الارهابية التي ارتكبت في بغداد قبل يوم واحد من الذكرى السنوية لتأسيس حزب البعث المنحل في السابع من شهر نيسان/ابريل من عام 1947.
ولا شك ان الظروف والارضيات والمبررات باتت مهيأة اكثر من اي وقت مضى لاغلاق ملف وجود المنظمة بأية طريقة كانت، وقد طرح مسؤولون عراقيون في وقت سابق جملة خيارات لذلك.
واذا لم يكن المؤتمر الذي عقدته المنظمة في الرابع عشر من شهر حزيران/ يونيو الماضي في داخل معسكر اشرف وتهجمت فيه على الدولة العراقية بصراحة واساءت للعراقيين، القشة التي كان يمكن ان تقصم ظهر البعير، فان تجاوزها الاخير على اثنين من رموز ومعالم السيادة الوطنية، وهما الجيش والعلم، ينبغي ان يكون تلك القشة، والا ماذا تنتظر الحكومة العراقية اكثر من ذلك من منظمة خلق حتى تضع حدا لها.
الانتقاد/ العدد1358 ـ 7 آب/أغسطس 2009
2009-08-04