ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: برحمة الله ...

نقطة حبر: برحمة الله ...
كتب حسن نعيم
إذا كانت الأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام تجمع على اعتبار شهري رجب وشعبان المباركين بما يتضمنان من أعمال ومستحبات وأيام وليالٍ مباركة كليلة النصف من شعبان وليلة الرغائب والأيام البيض، بمثابة الدورة التأهيلية للولوج في الشهر الفضيل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتمكن الصائم من الاستفادة من شهر رمضان المبارك ما لم تكتمل جهوزيته في الشهرين المنصرمين؟
ليس ما يمنع، يقول العقل, لكن القضية للأسف ليست عند العقل، وهي ليست قضية تخطيطية بالكامل, إنها تكمن في أدراج وملفات السلطة التنفيذية التي هي الإرادة, فنحن كنا على الدّوام نخطط لبرامج عبادية عند إطلالة كل شهر من أشهر رمضان السابقة, ونلتزم بها في أوائل الشهر الفضيل، ثم لا تلبث العزيمة أن تفتر مع الأيام لنحصد الندم والحسرة في ختام الشهر بعد أن كنا نتحرق شوقاً لقدومه.
ما دامت القضية عند الإرادة فلِمَ لا نعمل على فولذتها كي ينالها وابل من بركة الأيام القادمة؟ عسى أن يوفقنا ربنا إلى سبيل الرشاد فتعشوشب أمامنا الدروب إلى حدائق النور، فنروي ذلك الظمأ القديم لإيمان لطالما أحببنا أن يسكن نفوسنا, حتى لا نبقى نحب الصالحين من بعيد ولسنا منهم في شيء.
إذا لم تتحقق هذه الأماني في شهر رمضان المبارك فمتى تجد طريقها إلى التحقق؟ وفي أي من الشهور، وكلها يغبط  شهر رمضان المبارك على ما اختصه به الله من حشد هائل من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة, وعلى ما اجتمع لديه من مكرمات وفضائل, فهو شهر الرحمة والمغفرة الذي أنزل فيه الوحي الإلهي، وفيه خاض المسلمون أولى معاركهم المظفرة في بدر, وفيه ليلة القدر التي جعلها خالقها خيراً من ألف شهر, وفيه كانت شهادة الإمام علي (ع)، وكلها مشاهد وأيام مباركة تُغل فيها أيادي الشياطين. ويفسح المجال واسعاً للمائدة الرحمانية التي تنادي الزّوار وطلاب المغفرة.
اننا إزاء أيام عظيمة ندرك ذلك تماماً، ولكن هل نوفّق في موسمنا هذا العام؟ الأيام القادمة تتكفل بالإجابة. لكن خبرة الحكماء مع النفس تدفعهم إلى التشكيك الدائم بها, وإيكال الأمر إلى رحمة الله.
الانتقاد/ العدد 1294 ـ 29 آب/ أغسطس 2008
2008-08-28