ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: خطاب الفتنة والاستحقاق الانتخابي

كتب مصطفى الحاج علي
من ينظر إلى وثيقة التفاهم المعلقة بين حزب الله وبعض القوى السلفية في منطقة الشمال، وما أعقبها من ردود فعلٍ مستغربة ومستهجنة من أطراف سلفية ودينية رسمية وسياسية سنية، تدور كلها في فلك تيار المستقبل السعودي التمويل والسياسة، يستطيع أن يلحظ بسهولة أنها شكلت مناسبة لكشف حقيقة ما يخطط التحالف السعودي ـ المصري للسنة في لبنان، ومن خلالهم للبنان كلّه.
لقد بات واضحاً ومعروفاً للجميع أن الرياض التي تضبط سياستها على التوقيت الأميركي في المنطقة عموماً، ولبنان تحديداً، من خلال تيار المستقبل، تعمل على وضع يدها على الطائفة السنية الكريمة في سياق إعادة تكييف دورها الوطني والتاريخي بما ينسجم ومستلزمات المشروع الأميركي في لبنان وفي المنطقة أيضاً.
إلا أن هذه التوجهات السعودية اصطدمت بوقائع قاسية أبرزها:
أولاً: ان تيار المستقبل الذي عاملته كقاعدة مركزية وحيدة لمشروعها وطموحاتها السياسية في لبنان، لم يظهر الكفاءة المطلوبة. وأكثر من ذلك بدا هذا التيار في أكثر من مفصل منقسماً على نفسه وعاجزاً عن الإيفاء بالمطلوب، برغم القدرات المالية الهائلة التي وضعت بين يديه واستثمار السلطة لمصلحته، وفتح أبواب التدريب الأمني والعسكري له في أكثر من بلد عربي معروف، وتزويده بما أمكن من سلاح، لدرجة صح القول معها عن وجود ميليشيا خاصة تتخفى تارة تحت عناوين شركات أمنية خاصة وتارة أخرى بلباس أمني رسمي توفره لها أجهزة أمنية معروفة.
ثانياً: إن احتكار تيار المستقبل وسعيه المستمر للاستئثار بالقرار السياسي للطائفة السنية الكريمة، ولّد ردود فعل مضادة وسلبية لدى الكثير من الزعامات السنية التاريخية، السياسية منها والوطنية، إضافة إلى العائلية.
ثالثاً: ظهور حالات وطنية سنية ممثلة ولها حضورها ودورها المؤثر ووزنها داخل حركة المعارضة، باعتبارها الممثلة للخط الوطني المناهض للمشروع الأميركي ـ السعودي في لبنان.
رابعاً: وجود تمايزات داخل الحالة السلفية في لبنان، لا سيما بين الحالة السلفية التي تنهض على دور تربوي ـ تعليمي وتلك الدعوتية، والأخرى التكفيرية. والتمايز بين هذه الأطراف يعود بالدرجة الأولى إلى رؤيتها للأخطار والأولويات. خلاصة القول هنا ان الرياض وجدت نفسها أمام نتائج مخيفة لسياستها وإدارتها للقوى السنية المتحالفة معها، أقل ما يقال فيها انها أمام أزمة قيادة وبنية وعلاقات، فاقم منها أن باقي المركب السياسي الذي تشرف عليه مع واشنطن والموسوم باسم "14 آذار"، هو بدوره في حالة أزمة، حيث يبدو مسيحيوه في واد والزعيم الدرزي في وادٍ آخر، حيث يؤسس لنفسه موقعاً توفيقياً لا يخرجه من "14 آذار" ولا يضعه في المعارضة.
والرياض وهي تنظر إلى هذا الواقع تتطلع في الوقت نفسه إلى استحقاق الانتخابات النيابية في العام المقبل، حيث ترى نفسها بأمر عمليات واحدٍ ووحيد: المحافظة على الطابع الأكثري للأكثرية الحالية.. وهذا يفرض سؤالاً إلزامياً: كيف يمكن إنجاز هذا الهدف في ظل كل الوقائع الآنفة؟ وبناءً عليه جرى إحداث تعديل في الاستراتيجية وفق التالي:
أولاً: إبقاء الأوضاع المتوترة والانقسامات المذهبية على حالها، بل واللعب على جرها حتى الحدود القصوى، باعتبارها الوسيلة الفضلى للم الصف السني بكل قواه تحت عنوان: الدفاع عن السنة ومصالح السنة في إزاء أعداء وهميين، تماماً كما عمل في المنطقة على تحويل العداء من الكيان الإسرائيلي باتجاه ايران، فليعمل على تحويل العداء من الكيان الإسرائيلي باتجاه حزب الله، وبذلك يصيب أكثر من عصفور معاً: خطف شريحة كبيرة وأساسية من السنة من موقعها الوطني والنضالي، واستحضار العصبية المذهبية بديلا للعصبية القومية والنضالية في وجه الكيان الإسرائيلي باعتباره أداة تفعيل أقوى لدفع السنة للتوحد من حول الرياض، وإحراج الآخرين وتصويرهم كأنهم خارجون على المذهب، والحكم عليهم بالحرم المذهبي والسياسي.
ثانياً: منع أي محاولات يقوم بها أطراف، انسجاماً مع المبادئ الدينية الحقة والوطنية الحقة، لوأد الفتن وإطفاء نارها، بذريعة الحفاظ على وحدة الطائفة ومنع انشقاقها. والأخطر هنا هو المحاولات الجارية لتقييد الواقع السني برمته وشد وثاقه إلى مرجعيات مفروضة من مختلف الأصناف، بما يقضي على أي حرية في التعبير أو الاختيار.
ثالثاً: محاولة إرضاء القوى السنية المحسوبة على المعارضة أو التي هي في موقف وسطي، لتحييدها على الأقل، واستمالتها إذا أمكن، وذلك لإقفال محكم لدائرة الصراع المذهبي.
رابعاً: بذل الضغوط والإغراءات الممكنة للأطراف الأخرى في فريق "14 آذار"، للحيلولة دون افتراقها.
خامساً: أخذ الجيش في الطريق من خلال التصويب المستمر عليه لإخراجه من موقعه الوطني والحيادي.
سادساً: بذل ما يمكن من جهد لإدخال تعديلات على قانون الانتخابات، وتركيب تحالفات يمكن أن تيسر أكثر الفوز بالأكثرية المطلوبة.
سابعاً: توفير كل ما يلزم وفوق ما يلزم من المال السياسي والمواد اللوجستية المساعدة في الانتخابات.
كل ما تقدم يعود ويؤكد أن الصراع في لبنان بين المشروع الأميركي والمشروع الوطني والمقاوم لهذا المشروع الصهيوني لم ينتهِ، حيث تنتظره الانتخابات النيابية كمحطة فاصلة أساسية، وبالتالي فالطريق من هنا حتى الوصول إلى الانتخابات لن تكون مريحة وسهلة، بل محفوفة بالكثير من التحديات والتوترات المفتعلة، التي قد يدوزن بعضها على وقع بعض ما يُحضر في المنطقة.
الانتقاد/ العدد 1294 ـ 29 آب/ أغسطس 2008
من ينظر إلى وثيقة التفاهم المعلقة بين حزب الله وبعض القوى السلفية في منطقة الشمال، وما أعقبها من ردود فعلٍ مستغربة ومستهجنة من أطراف سلفية ودينية رسمية وسياسية سنية، تدور كلها في فلك تيار المستقبل السعودي التمويل والسياسة، يستطيع أن يلحظ بسهولة أنها شكلت مناسبة لكشف حقيقة ما يخطط التحالف السعودي ـ المصري للسنة في لبنان، ومن خلالهم للبنان كلّه.
لقد بات واضحاً ومعروفاً للجميع أن الرياض التي تضبط سياستها على التوقيت الأميركي في المنطقة عموماً، ولبنان تحديداً، من خلال تيار المستقبل، تعمل على وضع يدها على الطائفة السنية الكريمة في سياق إعادة تكييف دورها الوطني والتاريخي بما ينسجم ومستلزمات المشروع الأميركي في لبنان وفي المنطقة أيضاً.
إلا أن هذه التوجهات السعودية اصطدمت بوقائع قاسية أبرزها:
أولاً: ان تيار المستقبل الذي عاملته كقاعدة مركزية وحيدة لمشروعها وطموحاتها السياسية في لبنان، لم يظهر الكفاءة المطلوبة. وأكثر من ذلك بدا هذا التيار في أكثر من مفصل منقسماً على نفسه وعاجزاً عن الإيفاء بالمطلوب، برغم القدرات المالية الهائلة التي وضعت بين يديه واستثمار السلطة لمصلحته، وفتح أبواب التدريب الأمني والعسكري له في أكثر من بلد عربي معروف، وتزويده بما أمكن من سلاح، لدرجة صح القول معها عن وجود ميليشيا خاصة تتخفى تارة تحت عناوين شركات أمنية خاصة وتارة أخرى بلباس أمني رسمي توفره لها أجهزة أمنية معروفة.
ثانياً: إن احتكار تيار المستقبل وسعيه المستمر للاستئثار بالقرار السياسي للطائفة السنية الكريمة، ولّد ردود فعل مضادة وسلبية لدى الكثير من الزعامات السنية التاريخية، السياسية منها والوطنية، إضافة إلى العائلية.
ثالثاً: ظهور حالات وطنية سنية ممثلة ولها حضورها ودورها المؤثر ووزنها داخل حركة المعارضة، باعتبارها الممثلة للخط الوطني المناهض للمشروع الأميركي ـ السعودي في لبنان.
رابعاً: وجود تمايزات داخل الحالة السلفية في لبنان، لا سيما بين الحالة السلفية التي تنهض على دور تربوي ـ تعليمي وتلك الدعوتية، والأخرى التكفيرية. والتمايز بين هذه الأطراف يعود بالدرجة الأولى إلى رؤيتها للأخطار والأولويات. خلاصة القول هنا ان الرياض وجدت نفسها أمام نتائج مخيفة لسياستها وإدارتها للقوى السنية المتحالفة معها، أقل ما يقال فيها انها أمام أزمة قيادة وبنية وعلاقات، فاقم منها أن باقي المركب السياسي الذي تشرف عليه مع واشنطن والموسوم باسم "14 آذار"، هو بدوره في حالة أزمة، حيث يبدو مسيحيوه في واد والزعيم الدرزي في وادٍ آخر، حيث يؤسس لنفسه موقعاً توفيقياً لا يخرجه من "14 آذار" ولا يضعه في المعارضة.
والرياض وهي تنظر إلى هذا الواقع تتطلع في الوقت نفسه إلى استحقاق الانتخابات النيابية في العام المقبل، حيث ترى نفسها بأمر عمليات واحدٍ ووحيد: المحافظة على الطابع الأكثري للأكثرية الحالية.. وهذا يفرض سؤالاً إلزامياً: كيف يمكن إنجاز هذا الهدف في ظل كل الوقائع الآنفة؟ وبناءً عليه جرى إحداث تعديل في الاستراتيجية وفق التالي:
أولاً: إبقاء الأوضاع المتوترة والانقسامات المذهبية على حالها، بل واللعب على جرها حتى الحدود القصوى، باعتبارها الوسيلة الفضلى للم الصف السني بكل قواه تحت عنوان: الدفاع عن السنة ومصالح السنة في إزاء أعداء وهميين، تماماً كما عمل في المنطقة على تحويل العداء من الكيان الإسرائيلي باتجاه ايران، فليعمل على تحويل العداء من الكيان الإسرائيلي باتجاه حزب الله، وبذلك يصيب أكثر من عصفور معاً: خطف شريحة كبيرة وأساسية من السنة من موقعها الوطني والنضالي، واستحضار العصبية المذهبية بديلا للعصبية القومية والنضالية في وجه الكيان الإسرائيلي باعتباره أداة تفعيل أقوى لدفع السنة للتوحد من حول الرياض، وإحراج الآخرين وتصويرهم كأنهم خارجون على المذهب، والحكم عليهم بالحرم المذهبي والسياسي.
ثانياً: منع أي محاولات يقوم بها أطراف، انسجاماً مع المبادئ الدينية الحقة والوطنية الحقة، لوأد الفتن وإطفاء نارها، بذريعة الحفاظ على وحدة الطائفة ومنع انشقاقها. والأخطر هنا هو المحاولات الجارية لتقييد الواقع السني برمته وشد وثاقه إلى مرجعيات مفروضة من مختلف الأصناف، بما يقضي على أي حرية في التعبير أو الاختيار.
ثالثاً: محاولة إرضاء القوى السنية المحسوبة على المعارضة أو التي هي في موقف وسطي، لتحييدها على الأقل، واستمالتها إذا أمكن، وذلك لإقفال محكم لدائرة الصراع المذهبي.
رابعاً: بذل الضغوط والإغراءات الممكنة للأطراف الأخرى في فريق "14 آذار"، للحيلولة دون افتراقها.
خامساً: أخذ الجيش في الطريق من خلال التصويب المستمر عليه لإخراجه من موقعه الوطني والحيادي.
سادساً: بذل ما يمكن من جهد لإدخال تعديلات على قانون الانتخابات، وتركيب تحالفات يمكن أن تيسر أكثر الفوز بالأكثرية المطلوبة.
سابعاً: توفير كل ما يلزم وفوق ما يلزم من المال السياسي والمواد اللوجستية المساعدة في الانتخابات.
كل ما تقدم يعود ويؤكد أن الصراع في لبنان بين المشروع الأميركي والمشروع الوطني والمقاوم لهذا المشروع الصهيوني لم ينتهِ، حيث تنتظره الانتخابات النيابية كمحطة فاصلة أساسية، وبالتالي فالطريق من هنا حتى الوصول إلى الانتخابات لن تكون مريحة وسهلة، بل محفوفة بالكثير من التحديات والتوترات المفتعلة، التي قد يدوزن بعضها على وقع بعض ما يُحضر في المنطقة.
الانتقاد/ العدد 1294 ـ 29 آب/ أغسطس 2008