ارشيف من :أخبار لبنانية

اعترافات العميل محمود رافع

اعترافات العميل محمود رافع
كتب محمد الحسيني

القرار الذي أصدره القضاء العسكري اللبناني بتاريخ 17/6/2008 بحق محمود رافع (الرتيب المتقاعد في قوى الأمن الداخلي) بجرم التعامل مع "إسرائيل"، تعلّق بالملف المتعلق باغتيال نجل الأمين العام للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة جهاد أحمد جبريل في بيروت بتاريخ 20/5/2002. وينضم هذا القرار الخامس إلى سلسلة قرارات قضائية سابقة وجهت كلها التهمة إلى رافع نفسه بإدارة شبكة إرهابيّة تعمل للاستخبارات الإسرائيليّة، اكتشفتها مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، وطلبت القرارات الخمسة محاكمة رافع بتهم تصل عقوبتها الى الإعدام.
ومنذ أن تم القبض على محمود رافع بتاريخ 7/6/2006، كرّت سبحة الاعترافات بتنفيذ سلسلة من الجرائم والاغتيالات وزرع وتفجير عبوات في أكثر من منطقة في لبنان، ومن أبرزها اغتيال الأخوين محمود ونضال المجذوب القياديين في حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين في صيدا بتاريخ 26/5/2006، والمسؤول في حزب الله الشهيد علي حسين صالح في محلة الكفاءات بتاريخ 2/8/2003. ولا يزال أمام القضاء قضية اعترف رافع بالضلوع فيها، وهي جريمة اغتيال القيادي في حزب الله علي حسن ديب (أبو حسن سلامة) في صيدا عام 1998.
اختراق بدون رقابة
ولعل من أخطر المؤشرات التي أظهرتها اعترافات محمود رافع، في مجمل التحقيقات التي جرت معه في القضايا الخمس، هي الحديث عن أساليب التنقل والاتصال وحركة اللقاءات وعمليات التسلم والتسليم، حيث لم يجد عملاء العدو صعوبة في التجوّل على الأراضي اللبنانية، ومن ثم العودة إلى فلسطين المحتلة بعد تنفيذ جرائمهم، وذلك بمساعدة قوات كوماندوس إسرائيلية وعبر الشواطئ البحرية اللبنانية امتداداً من صور والجية مروراً بمنتجعات جونيه والمعاملتين، وقرى في أقضية كسروان وجبيل والشمال، ومنها إلى بوارج حربية في عرض البحر وتالياً إلى أحد المرافئ الإسرائيلية أو إحدى المستوطنات شمال فلسطين المحتلة، فضلاً عن استخدام المنافذ البرية أو الجوية عبر عدد من العواصم الأوروبية وبجوازات سفر إسرائيلية وأجنبية، وهو ما يشير إلى معرفة العدو بالثغرات الأمنية التي تمنحه القدرة على النفاذ من خلالها إلى العمق اللبناني، ولا سيما في المناطق التي تخلو من وجود ورقابة الأجهزة الأمنية الرسمية.
إنجازات تفرض التحصين
هذه الوقائع الدامغة تكشف حقيقة ميدانية مختلّة يعيشها الشارع اللبناني على المستوى الأمني، وتشير الى معطى خطير جداً يفرض حركة عملانية على الأرض، واستنفاراً شاملاً على المستويات البشرية والفنية والتقنية، باتجاه تشكيل توجه عام تتبناه الدولة اللبنانية بأجهزتها العسكرية والأمنية، من أجل إرساء توازن مع حركة الاختراقات الواسعة التي تنفذها أجهزة استخبارات العدو في شتى المجالات، فضلاً عن فرض نظام رقابة صارمة لضبط آليات الخروج والدخول من وإلى الأراضي اللبنانية، ومتابعة أنشطة الشخصيات التي تأتي إلى لبنان بانتماءات وهويات مختلفة، وتحركاتها ولقاءاتها واتصالاتها بشكل عام.
المقاومة والعدو وحرب العقول
الحرب الاستخبارية في مواجهة العدو الإسرائيلي جاءت متوازية مع العمل العسكري، وقد حققت المقاومة الغلبة في العديد من الجولات كجزء من ضمن ما صار يعرف بـ"حرب العقول"، وقد برزت نتائج هذه الجولات بشكل أساسي في مرحلة ما قبل وخلال حرب تموز 2006، ما أدى إلى حرمان "إسرائيل" من معلومات استراتيجية تتيح لها التحكم بمجريات الحرب. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك تحدثت عن بعضها دراسة أصدرتها البحرية الأميركية اعتبرت فيها أن حزب الله استخدم بجدارة أسلوب "استعمال الجواسيس"، واستطاع تنفيذ حركة اعتقالات بارزة في السنوات العشر السابقة ضمن إطار مكافحة التجسس الإسرائيلي، ووضع يده على مصادر استخبارية بشرية هامّة لإسرائيل في لبنان، ما أسفر عن كشف دائرة واسعة من الأهداف الإسرائيلية وأبرزها شبكة محمود رافع.
استراتيجية دفاعية ـ استخبارية
إن ما تم تحقيقه يوضع في خانة الانجاز الكبير الذي يقطع يد العمل الاستخباري للعدو، والذي يستهدف في مقدمة أولوياته كوادر المقاومة، وتخريب الأمن الداخلي والسلم الأهلي، فضلاً عما يمكن أن تسفر عنه هذه الجرائم والتفجيرات من بلبلة وزعزعة للاستقرار اللبناني في أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أثبتت التجربة، ولا سيما خلال مجريات حرب تموز 2006، بأن يد العدو التخريبية لا تزال تتربص الشر بلبنان واللبنانيين، وترسم خطط التفجير بالاستفادة من حالة انعدام الاستقرار السياسي وتحوّل بعض أجهزة الدولة عن التصدي للتهديدات التي تحيق بالأمن القومي، للانشغال بأعمال بوليسية ليست بعيدة عن أنشطة المافيات، وهو ما يؤكد الحاجة إلى إرساء استراتيجية استخبارية محكمة، تندرج في إطار الاستراتيجية الدفاعية التي نادى بها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لضمان حماية لبنان من الاختراقات المعادية.

الانتقاد/ العدد1274 ـ 19 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-19