ارشيف من :أخبار لبنانية

هل ترسم توافقات لبنان خريطة لدول المنطقة؟ - روزانا بومنصف

هل ترسم توافقات لبنان خريطة لدول المنطقة؟ - روزانا بومنصف

روزانا بومنصف - صحيفة "النهار"

يهتم بعض المراقبين السياسيين بمتابعة الخلاف حول التوصل الى قانون انتخاب جديد والاقتراحات التي تثار، ولا سيما ذلك الذي ينطلق من القانون الارثوذكسي وتطوره ليتم تغليفه بالتأهيلي على المستوى الطائفي، لمعرفة ما اذا كان لبنان يمهد عبر تجربته تلك واحتمالات نجاحها لخريطة طريق لدول الجوار، وخصوصا في سوريا والعراق. والواقع أن اتفاق الطائف أثير في عز الحرب العراقية من زاوية انه يمكن ان يكون حلا للنظام السياسي في العراق ما بعد الحرب، كما اعيد الى واجهة الاهتمام من زاوية احتمال انه يصح ايضا بالنسبة الى سوريا بعد الحرب. لكن مصادر ديبلوماسية كشفت رفض النظام السوري اعتماد استنساخ صيغة اتفاق الطائف بالنسبة الى سوريا، علما ان الاخيرة كانت جزءا او طرفا فيه، حيث نصبت نفسها المرجعية الوحيدة لتنفيذه، في الوقت الذي تجري تغييرات ديموغرافية كبيرة معلنة على الارض في سوريا تترك التساؤلات عما إذا كان اعتماد فيديرالية طائفية ما سيكون هو الحل.

فمن خلال الذهاب الى انتخاب كل طائفة نوابها وفق ما يطرح في لبنان، قد يحفظ مكان لكل الطوائف الصغيرة او الاقليات، خصوصا في سوريا، فلا تساهم الاكثريات في تعديل الموازين أو تقلبها من جهة، بالاضافة الى ما يروج من ضمان للطوائف لكي تشعر بأنها تتمثل على نحو صحيح وليس عبر من يتم انتخابهم كنواب في مناطق سيطرة غالبية طائفية ما، خصوصا متى كان التوزيع وفق نسب تصل الى المناصفة وفق الدستور اللبناني. ويعتقد بعض هؤلاء المراقبين أن هذا الطرح من جانب المسيحيين في لبنان ربما يكون بمثابة كاسحة ألغام للآخرين، على أساس أن هناك مشاعر محتدمة خارجية في شكل خاص، وإقليمية خصوصا، خوفا على المسيحيين في المنطقة، ومواقف داعمة لحمايتهم وتثبيت وجودهم في أرضهم وعدم مغادرتها، ان لم يكن عن اقتناع فعلى أساس الا يوظف هذا الدعم في خانة مذهب على حساب موقف مذهب آخر، مما يجعل تلبية مطالبهم أسهل في المرحلة الراهنة أكثر من أي مرحلة أخرى. فقياسا على الاعتبار من الحرب اللبنانية وما يمكن ان تذهب اليه الامور في هذه المرحلة، خصوصا ان لبنان مر بعامين ونصف عام من الفراغ في سدة الرئاسة الاولى تحت عنوان اضطر الآخرون الى السير به قسرا اكثر منه اقتناعا، فإن الاستفادة من التجربة او من النموذج اللبناني على هذا الصعيد، خصوصا اذا تمت تجربته، ربما يساعد في أن يكون عنصرا او جانبا من الحل للمحافظة على الاقليات وفق العنوان الذي يرفع في هذا الاطار.

الحكم على مسار الامور في هذا الاتجاه يستند الى رصد امكان نجاح التيار العوني ومعه "القوات اللبنانية" في فرض مشروعه التأهيلي أو الارثوذكسي المقنع، وفق ما اعتبره عدد من السياسيين، وقبوله من المكون الشيعي بعدما نجح في الحصول على موافقة غالبية الفريق السني الممثل بالرئيس سعد الحريري. هناك جانب كبير للحسابات المحلية في الموافقات السياسية في لبنان، مبني على ضمان عدد المقاعد النيابية التي ينالها كل فريق، رغم استمرار الحزب الاشتراكي وحده تقريبا في رفض التأهيلي المطروح، خشية أن يأخذ هذا القانون البلد الى مكان آخر وتحديدا الى غياب الاعتدال لمصلحة المزيد من التطرف والانقسام بين اللبنانيين، وليس المزيد من وحدتهم. فقد فهم من كلام رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد عن رفض الحزب القانون المختلط، عدم رفضه التأهيلي، في حين أن الاعتراض الذي رفعه رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى الآن على هذا القانون قد لا يصمد ما دام هو أول من طرح التأهيل، إنما على غير الاساس الحالي. لذلك في اللعبة الداخلية، وبين ما نقل عن رئيس الحكومة سعد الحريري عن عدم استعداده للمشاركة في جلسة التمديد التي اكد رئيس مجلس النواب حصولها في التاريخ الذي حدده، وإعلان رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل على اثر اجتماع "تكتل التغيير والاصلاح" الذهاب الى التصويت في حال عدم الاتفاق على قانون الانتخاب، قرأت مصادر سياسية أن الجانبين يسعيان الى الضغط عبر كماشة مكتملة تطبق على الآخرين. فالردود على هذه المواقف باتت كما جرت العادة في الآونة الاخيرة تأتي مرمزة، بحيث لا تصب الجهود التي تبذل للتوصل الى قانون انتخابي جديد في المكان الصحيح.

وثمة تساؤل يبرز على التصويت، في الوقت الذي تم منع اللجوء اليه في حكومة الرئيس تمام سلام في شكل خاص تحت عنوان الميثاقية، فيما كان خاض الثنائي الشيعي سابقا المعركة ضد حكم الأكثرية عبر إعلاء شأن الديموقراطية التوافقية التي غدت النظام الضمني غير المعلن في جلسات مجلس الوزراء. لا موقف الحريري يشكل عامل إراحة في ظل استمراره في خلط الاوراق الداخلية، ولا كذلك موقف باسيل. وهو أمر يترك الواقع السياسي في حال إرباك مستمر يخشى أن ينعكس سلبا على كل المستويات، انطلاقا من أن لبنان قد يكون متجها الى نظام جديد ليس بالضرورة لمصلحته، لكنه يخوض غمار مخاطرة قد يدفع ثمنها او لا. وهذا لا يمنع التساؤل عما اذا كان الباب مفتوحا امام ترسيخ واقع الفيديراليات الطوائفية من ضمن هيكلية دولة موحدة شكلا ومفككة واقعا قد يترجم في اتجاه الدول المجاورة على قاعدة حقل التجارب الذي شكله لبنان.

2017-04-27