ارشيف من :أخبار عالمية
فلسطين .. بين التهويد والاستيطان
قلما يمر يوم دون أن يتحدث فيه مسؤولو الكيان الصهيوني عن الوجود العربي على أرض فلسطين، وكثيراً ما طرحوا ما يعتبرونه حلولا جذرية في إطار ما عرف بمشروع " الترانسفير" ، أي الترحيل العسكري القسري للفلسطينيين ، الذي انطلق منذ إقامة الكيان الغاصب .
هذا المشروع تتعامل معه حكومة نتنياهو الحالية، على أنه أمر واقع ويجب تنفيذه من بوابة الحل الأميركي المطروح لإقامة دويلة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل"، الا ان كيان الاحتلال الصهيوني يعتبر في المقابل ان المشكلة الحقيقية تكمن في الوجود الفلسطيني كله على أرض فلسطين، والحل الوحيد لهذا الوجود يجب أن يكون خارج فلسطين سواء في الأردن أو غيره، وذلك عبر توطين الفلسطينيين في اماكن لجوئهم الحالية أينما وجدوا، لأن ذلك بحسب العقيدة الصهيونية هو الخيار البديل لتوفير الحماية للشعب اليهودي بحسب تعبير الصهيوني "بيني موريس" وهو من أقطاب المؤرخين اليهود الجدد في تعليقه حول التطهير العرقي للفلسطينيين .
هذا الحراك الصهيوني لإحياء هذا المشروع ترافق مع خطوات عملية على أرض الواقع في مقدمتها مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لحساب الجمعيات الاستيطانية اليهودية التي بدأت حملة في القدس لإخلاء العائلات الفلسطينية منها ولاسيما في حي الشيخ جراح التي تقرر مؤخراً إزالته وبناء ما يزيد على المئتي وحدة سكنية بديلاً منه .
وكانت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية كشفت مزيدا من التفاصيل حول المخطط الاستيطاني الجديد في منطقة الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وأوضحت ان جمعية استيطانية يمينية يهودية بدأت بإجراءات لبناء 20 وحدة سكنية جديدة في منطقة مغارة «شمعون الصديق» بحي الشيخ جراح وسط القدس الشرقية، وتنوي الجمعية الاستيطانية هدم منازل عشرات من العائلات الفلسطينية التي تقطن في المكان. وقال عضو الكنيست المتشدد بني آلون (الاتحاد القومي) إن الهدف هو ايجاد امتداد يهودي يحيط بمنطقة البلدة القديمة التي تضم اغلبية فلسطينية كبيرة، وذلك عبر إقامة أحياء يهودية وحدائق عامة في المناطق المفتوحة لمنع الفلسطينيين من اقتحام هذه الاراضي واقامة مبانٍ غير قانونية عليها حسب تعبيره .
ومن المقرر اقامة الحي الاستيطاني الجديد على ارض تبلغ مساحتها 18 دونما، ووفقا للمخطط الصهيوني فان اقامة20 وحدة سكنية يتطلب هدم المباني الفلسطينية القائمة الآن.
وكشف " يهوشاع بولك " نائب رئيس بلدية القدس، انه وعلى عكس ما اشيع عن إصدار رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت تعليمات بوقف البناء في القدس الشرقية، لم تتلق بلدية القدس اي تعليمات حول فرض قيود على البناء في المدينة.
وتقطن الآن في هذه المنطقة حوالي سبع عائلات يهودية مقابل 40 عائلة فلسطينية، وهي منطقة قريبة من فندق الاميركان كولوني، احد مراكز النشاطات الفلسطينية والدولية في القدس الشرقية. وكان المليونير اليهودي آرفين موسكوفيتش، وهو أحد أقوى الممولين للنشاط الاستيطاني في القدس، قد اشترى فندق "شيبرد" وينوي اقامة عشرات من الوحدات السكنية لليهود في محيطه .
وكان فندق شيبرد مقرا للزعيم الفلسطيني أمين الحسيني، فيما يسيطر عليه الآن وحدة من حرس الحدود الإسرائيلي، وبالقرب منه يقع كرم المفتي، الذي إذا تمكنت " إسرائيل" ايضا من تحويله إلى حي استيطاني، فإنها ستضمن تواصلا يهوديا من الشيخ جراح إلى حي وادي الجوز الذي يشهد هو الآخر هجمة استيطانية.، كما ان هذا الامتداد اليهودي الكبير يفصل البلدة القديمة والشيخ جراح عن شمال المدينة .
كذلك ترافقت مع هذه الحملة ضد فلسطين القدس حملة ينظمها جموع المستوطنين في المدارس الإسرائيلية والتي أصبحت مكتظة بشعارات مناهضة لكل ما هو عربي أو فلسطيني داخل إسرائيل، وتقول هذه الشعارات/ لاعرب- لا اعتداءات، فلسطين هي الأردن/ ورافق ذلك أيضاً حملة تثقيفية تحريضية في مدارس حيفا واللد وعكا ويقودها مفكرون إسرائيليون في طليعتهم البروفسور الصهيوني "أرنون سوفير" الذي أصدر مؤخراً كتاباً له بعنوان: (ديمغرافيا إسرائيل) يقول فيه إن فلسطينيي 1948 بالإضافة إلى فلسطينيي الضفة وغزة سوف يدركون مع مرور الوقت أنهم غرباء عنا وموطنهم ليس عندنا بل هو شرقي الأردن وعليهم أن يؤسسوا هناك دولتهم الفلسطينية.
إن مثل هذه التصريحات والخطوات العملية المرافقة لها، هي بالأساس خطوات مسؤولة لعنصريين ومتطرفين في الكيان الصهيوني.
وفي وقت سابق دعت وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني إلى تطبيق الخطة الحاسمة لترحيل الفلسطينيين وإنهاء الوجود العربي السكاني داخل "إسرائيل" حلاً نهائياً يريح الإسرائيليين ويجعلهم يعيشون في أمن وأمان على حد زعمها.
اما بالنسبة للاستيطان، فقد حذر تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في وقت سابق من العواقب الوخيمة التي تترتب على مقايضة حكومة اسرائيل تجميد الاستيطان مقابل البناء في 2500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، باعتبار أن الدخول في هذه المقايضة يخدم سياسة الاحتلال في انتزاع الاعتراف من الأطراف الدولية وخاصة الادارة الأميريكية بشرعية الاستيطان وفي التحايل على الالتزامات المنصوص عليها في خريطة الطريق الداعية إلى وقف الاستيطان وتفكيك البؤر الاستيطانية. كما أن هذا النوع من المقايضة ينطوي على شطب لدور الجانب الفلسطيني في مفاوضات التسوية حول الاستيطان تحديداً واستبداله بدور لجهات أجنبية لا تملك حق التفاوض مع "اسرائيل".
وكانت وسائل الاعلام الاسرائيلية روجت لاتفاق قالت انه تم التوصل إليه مع الإدارة الأمريكية خلال لقاء باراك مع ميتشل يقضي باستمرار البناء في 2500 وحدة استيطانية تبنيها "اسرائيل" حالياً مقابل تفكيك بؤر استيطانية تسميها "اسرائيل" بغير الشرعية كونها أقيمت دون الحصول على ترخيص من الحكومة الاسرائيلية.
من جانبه، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اللعب على وتر الهاجس النازي في خطابه مع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير عندما اعتبر أن وقف الاستيطان في الضفة الغربية سيجعل منها منطقة «مطهرة من اليهود»، فيما اكتفى وزير الخارجية الألماني بهز رأسه بحسب مصدر في رئاسة الحكومة الاسرائيلية. وهي أول مرة يستخدم فيها رئيس وزراء إسرائيلي هذا التعبير الذي يشبه به المطالبة بتفكيك المستوطنات بالجملة النازية ضد اليهود. وكان شتاينماير قد اعتبر بعد لقاء مع نتنياهو في القدس المحتلة أن رفض إسرائيل وقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة سيسيء إلى آمال إحياء عملية السلام .
وبموازاة العمل على الشروع بيهودية الدولة، اتجهت سلطات الاحتلال إلى هدم عدد كبير من المنازل الفلسطينية يتراوح عددها بين 4500-6000 منزل أقيمت في المناطق الخضراء في القدس المحتلة، وقد طالت اعتداءات "اسرائيل" مقبرة مأمن الله ومقبرة الرحمة كما أوضح أحمد أبو حلبية عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وهذا السلوك العنصري يمثل خطوة خطيرة جداً على طريق تهويد مدينة القدس، وطمس المعالم الإسلامية فيها، ومن ثم طمس قدسيتها كذلك.
وكانت وحدة البحوث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية قد أكدت أن الفترة السابقة شهدت المزيد من المشروعات الاستيطانية، أهمها في منطقة سلوان حيث ستهدم "اسرائيل " مساحة كبيرة لتبني ما أطلق عليه اسم (الحديقة الأثرية) للجمعية الاستيطانية المتطرفة (إلعاد) .
ولم تكتف "اسرائيل" بترحيل عرب 48 من اراضيهم انما تطالب الان وعلى لسان وزير خارجية الكيان الغاصب أفيغدور ليبرمان بترحيل النائب العربي أحمد الطيبي من الكنيست باعتباره، وبحسب زعمه، بانه أخطر على "اسرائيل" من حركتي "حماس" و" الجهاد" معاّ . كان ذلك عقب كلمة ألقاها النائب الطيبي في مؤتمر حركة فتح في بيت لحم، داعيا فيها إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة نظيفة من المستوطنين .
و اعتبر ليبرمان خلال زيارة له الى بلدة الغجر المحتلة،أن المشكلة الأساسية التي تتهدد تل أبيب ليس "الفلسطينييين بل أشخاص مثل الطيبي وأمثاله في الكنيست". وكان ليبرمان قد تحدث الى الصحفيين محاولا التخفيف من المطالب الملحة بشأن عدم قيام جدار فاصل بين شطري البلدة .
وفي هذا السياق، كان النائب في حزب الليكود عوفير أوكنيس، قد شن هجوما مماثلا على الطيبي داعيا رئيس الكنيست في حكومة العدو إلى طرده من منصبه الحالي كوكيل لرئاسة البرلمان .
وكان الطيبي قد قال خلال مشاركته في المؤتمر السادس لحركة فتح متوجها للمحتلين الصهاينة:"أخرجوا من أرض الفلسطينيين، أخرجوا من أرواحنا، أخرجوا " .
تقرير : محمد حسين سبيتي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018