ارشيف من :أخبار عالمية

الخارطة السياسية الكردية بعد الانتخابات.. واستحقاقات التغيير

الخارطة السياسية الكردية بعد الانتخابات.. واستحقاقات التغيير
اربيل ـ عادل الجبوري
من سألتهم في اقليم كردستان وكانوا من الاعلاميين والاكاديميين والمعنيين بالشأن العراقي عن افاق المشهد السياسي الكردي كانوا متفقين تقريبا على ان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الكردية الاخيرة اطلقت من خلال نتائجها الاولية جملة اشارات مهمة على ان هناك مطالب واستحقاقات للتغيير في الواقع السياسي الكردي، وان كان ذلك التغيير ليس جذريا، ولا انقلابيا، الا انه في كل الاحوال يعني اشياء وامورا كثيرة، لايمكن للمتابع والمراقب الا ان يقف عندها حتى تكتمل الصورة وتتوضح وتتجلى كل معالمها وخطوطها والوانها وملامحها.
صحيح، ان توازنات القوى السياسية، والمعادلات القائمة، لن تختل ولن تنقلب رأسا على عقب، الا ان مجرد دخول اطراف جديدة فيها، ينطوي على ابعاد ومضامين ومعطيات قد لاتنعكس بكل جوانبها خلال المستقبل المنظور، بيد انها من دون شك يمكن ان تكون واحدة من ابرز عوامل الحراك السياسي الجديد في اقليم كردستان.
ولعل الارقام التي اعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات كافية لوحدها لان تكون مؤشرا ذي دلالة، فالقائمة الكردستانية التي تضم الحزبين الكرديين الرئيسيين، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني، حصلت على 57% من اصوات الناخبين او اكثر من ذلك بقليل، وحصلت قائمة التغيير بزعامة السياسي الكردي المخضرم، المنشق عن حزب الاتحاد الوطني، نوشيروان مصطفى على اكثر من 23% من الاصوات، بينما احرزت قائمة الخدمات والاصلاح المتشكلة من اربعة احزاب، اثنين منها اسلامية واثنين يسارية على حوالي نسبة 10% من الاصوات.
وهذه الارقام تشير بوضوح الى ان قائمة التغيير باتت تعد منافسا حقيقيا لحزبي الطالباني والبارزاني، وانها ستشكل رقما لايستهان به في المعادلات السياسية، سواء تحت قبة البرلمان الكردستاني او خارجه، وان الهيمنة التقليدية للحزبين على الحياة السياسية في اقليم كردستان اصبحت موضع نقاش ومراجعة، ومثلما يقول احد مرشحي قائمة التغيير"لم تكتسح قائمة التغيير الشارع الكردي، لكنها اثبتت ان كثير من الناس يتطلعون الى كسر القوالب القائمة، والخروج عن السياقات المفروضة".
ومع ان ارقام الانتخابات الرئاسية ليست بنفس مستوى ارقام الانتخابات البرلمانية، الا ان عدم حصول المرشح الاقوى، وهو الرئيس الحالي مسعود البارزاني على نسبة 90% فما فوق ـ إذ انه حصل على  70% ـ يعزز الرؤية القائلة بأن عهد الهيمنة التقليدية قد انتهى او انه في طريقه للانتهاء.
والسؤال هنا، ما هي البدائل والخيارات المطروحة، او التي يمكن ان تفرض نفسها؟.
البديل الاول، توسيع عملية المشاركة في صنع القرار وتوجيه وادارة شؤون الاقليم، وفق الاستحقاقات الانتخابية الاخيرة، بعبارة اخرى قبول قائمة التغيير وقائمة الخدمات والاصلاح وقائم صغيرة اخرى في الدخول بالحكومة الجديدة كأطراف فاعلة ومؤثرة، لاسيما بالنسبة لقائمة التغيير، وهذا الامر يفرض اعادة النظر بقدر غير قليل من القضايا، ويحتم الى جانب ذلك اعادة النظر في سياقات تقاسم السلطة في الاقليم.
اما البديل الثاني، فيتمثل في عدم مشاركة قائمة التغيير في الحكومة المقبلة التي من المتوقع ان يكلف القيادي في الاتحادي الوطني الكردستاني، ونائب رئيس الوزارء الحالي في الحكومة الاتحادية برهم صالح بتشكيلها استنادا الى اتفاقية واشنطن المبرمة بين الحزبين الرئيسيين في عام 1998. وعدم المشاركة يعني انبثاق كتلة برلمانية معارضة يمكن لها ان ترسم افقا جديدا في فضاء المشهد السياسي الكردي، وستزداد فاعليتها بأنضمام قوى وقوائم اخرى اليها. وهذا الخيار هو الاخر يحتم على الطرف الذي سيؤلف الحكومة ان يعيد النظر في الكثير من السياسيات والمنهجيات التي كانت متبعة في المرحلة ـ او المراحل ـ السابقة، من اجل ان يمتص زخم المعارضة من جانب، ويفي بالوعود التي قطعها على نفسه من جانب اخر، فضلا عن ذلك يتجنب فقدان المزيد من دعم وتأييد الشارع الكردي له.
وبوجود أي من الخيارين ـ او البديلين ـ فأن مبدأ التغيير والمراجعة واعادة النظر لامناص منه بالنسبة للقائمة الكردستانية، او بعبارة اوضح ، بالنسبة للاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وان بدرجات ومستويات متفاوتة.
ويبدو ان المنشقين عن الاتحاد الوطني الكردستاني كانوا موفقين في توظيف مفردة التغيير بشكل جيد الى حد كبير، بحيث انها باتت ـ وستكون ـ ملازمة لكل التفاعلات والحراك السياسي في الاقليم، ان لم تكن هي المحركة والموجهة لها، والنتائج الجيدة التي حققوها،وخصوصا في محافظة السليمانية، المعقل الرئيسي للاتحاد الوطني، اشرت بوضوح الى ذلك الامر.
وفي الاطار العام فأن طبيعة الحراك في اقليم كردستان، قد لايخرج عن طبيعة مجمل الحراك في عموم المشهد السياسي العراقي، في ذات الوقت فأنه يمثل جزءا من استحقاقات التجربة الديمقراطية في العراق، التي في كل مفصلها من مفاصلها، او منعطف من منعطات مسيرتها، تشهد نوعا من المتغيرات والتحولات، وهي متغيرات وتحولات لابد منها، بأعتبار انها تمثل ابرز معالم وسمات النظام السياسي العراقي في ظل الدولة العراقية المعاصرة، واهم مقومات وعناصر الديمقراطية في بلد لم يعرف منها سوى القليل جدا على امتداد ثمانية عقود من الزمن.   
2009-08-09