ارشيف من :أخبار عالمية

اتفاق التهدئة: انتصار المنطق الفلسطيني المقاوم

اتفاق التهدئة: انتصار المنطق الفلسطيني المقاوم

كتب غسان دبوق

يعتبر اتفاق التهدئة، بين الكيان الاسرائيلي وحركة حماس، كما جرى الاعلان عنه في الايام القليلة الماضية ودخل حيز التنفيذ الفعلي صباح الخميس (19\6\2008)، انتصارا لا لبس فيه لحماس، وللفلسطينيين عامة، بالتبعية. انه اقرار بصوابية خيار المقاومة والتصبر الفلسطيني على منطق القتل والحصار والتكالب العربي وحتى الداخلي على الفلسطينيين، كما انه يشير الى مدى النضج والوعي لدى الطرف الفلسطيني، الغزاوي، الذي ادرك المنطق الاسرائيلي واستهدافاته ومناوراته، في الوقت الذي ادرك فيه قدراته الفعلية المحدودة، برغم حجم القدرة المادية الهائلة لديه، وتعامل معه على هذا الاساس.

ما الذي يعنيه اتفاق التهدئة؟
يمكن المسارعة والقول، ان اسرائيل تحديدا، التي تدعو الى سحب شرعية حركة حماس وتطالب المجتمع الدولي بمقاطعتها، اعترفت اخيرا ومن ناحية عملية، بأن حماس لاعب شرعي في السياسة الداخلية الفلسطينية والاقليمية ايضا. تبعات ذلك هو انهيار كل الجهد السياسي المبذول اسرائيليا واميركيا، وبمساعدة من دول "الاعتدال العربي"، في محاصرة قطاع غزة تمهيدا للاستسلام الغزاوي.. وبالتالي، من المتوقع ان تسارع، وإن بشكل تدريجي ابتداء، دول ومؤسسات دولية، للعودة الى القطاع وإعادة "اصلاح" العلاقات البينية المقطوعة، والتي قطعت في تناغم دولي وعربي مع اعلان اسرائيل عن قطاع غزة كـ"كيان معاد" بتاريخ 19/9/2007.
اثبتث اسرائيل انها اضعف مما يمكن تقديره، وفي هذه المرحلة بالذات، ويعود ذلك الى جملة من العوامل والاسباب الموجبة، يبدو البعض منها اكثر تأثيرا على الكيان مما يمكن تصوره. وللانصاف، ليس اقلها، اكتشاف اسرائيل لنفسها في حرب تموز 2006، ومدى هشاشة وضعها العسكري وتركيبها الاجتماعي، وهو ما جرى التعبير عنه بشكل واضح في تقرير لجنة فينوغراد الناظرة في "اخفاقات" الحرب مع حزب الله وفشل الجيش الاسرائيلي في تحقيق اهدافه فيها، والذي خلص الى ان الفشل يعود الى اخفاق بنيوي يعاني منه الكيان، ولا يتعلق بأشخاص بعينهم.. بمعنى ان اسرائيل كيان يظهر بشكل اكبر بكثير من مكوناته الحقيقية..
في العوامل الدافعة لاسرائيل لاقرار التهدئة، وتخليها عن شروطها التي املت ان تحقق من خلالها نصرا على الفلسطينيين باسلوب سياسي، بعدما تعذر عليها الاسلوب العسكري، ان الوضع السياسي في الساحة الداخلية الاسرائيلية في اسوأ حالاته، في ظل غياب قائد اسرائيلي جامع، وتراجع "جودة" القادة الاسرائيليين من الدرجة الثانية، على شاكلة ايهود اولمرت وايهود باراك وغيرهما، الذين يقاتلون للتمسك بكراسيهم على حساب المصلحة الإسرائيلية. إذ كان من المقدر ان تعمد اسرائيل، في ظل حكومة اخرى اكثر قوة، من المرجح انها لن تبصر النور مستقبلا في ظل غياب قيادييها الكبار، الى التصبر على واقعها الميداني مع قطاع غزة، واعتماد التهدئة الساخنة بدلا من الاستسلام للشروط الفلسطينية في تهدئة باردة، تنذر كما هو التقدير الاستخباري الاسرائيلي، بانها تهدئة هشة ومؤقتة ولن تعمر طويلا، وتحمل في طياتها خطر تراكم قوة حركة حماس العسكرية، ما يجعل ثمن التعامل معها مستقبلا اكثر تكلفة.
من المؤسف، ان السلطة الفلسطينية، التي تلهث وراء لقاءات تسمى بالتفاوضية مع اسرائيل، ومن دون نتائج ترجى لمصلحة القضية الفلسطينية، رفضت طويلا ترميم الوضع الفلسطيني ولقاء حركة حماس واعادة تموضعها في الجانب الوطني الفلسطيني. الاكثر اسفا في ذلك، ان يبدأ التحرك الترميمي في البيت الفلسطيني بعد ان وصلت التهدئة مع اسرائيل الى اعلانها الرسمي. من هنا، من غير المنطقي ان لا يفهم حراك السلطة الفلسطينية العدائي تجاه قطاع غزة، بعيدا عن اسرائيل نفسها، وليس بريئا أن تعمد السلطة الى الانزياح نحو تهدئة بينية في الساحة الداخلية الفلسطينية، التي طالما رفضتها رفضا مطلقا، بالتزامن مع التهدئة الاسرائيلية!. برغم ذلك، قد تشهد الفترة المقبلة تقدم الاتصالات بشأن الحوار بين حركتي فتح وحماس، وان تكون هذه الاتصالات مرشحة للتسارع، في ظل مناخ التهدئة الاسرائيلية، لعل المرحلة المقبلة تكون مرحلة تحقق آمال الشعب الفلسطيني في استئناف اللحمة وعودة حكومة الوحدة الوطنية الى سابق عهدها.
يبقى على الفلسطينيين، وتحديدا الفصائل الفلسطينية المطالَبة بمؤازرة حركة حماس في التهدئة القائمة، ان تدرك ان المصلحة الفلسطينية في هذه المرحلة، بعد "انتصار التهدئة"، ان تلتف على نفسها وتعيد دراسة الفترة الماضية واستخلاص عبرها، الجيدة منها والسيئة، وتمد اليد للمصالحة الوطنية الفلسطينية، في ظل الادراك ان منطق المقاومة هو الذي انتصر في النهاية، ومنطق المفاوضات والاستسلام لم يعد سوى مطلب اسرائيلي يجري استدعاؤه، فقط، لاخذ الصور المساعدة لرئيس حكومة اسرائيل الموجود في مأزق، من دون افق، ومن دون امل.
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-19