ارشيف من :آراء وتحليلات

لبنان عرضة لضغوط أمنية قوية: القلق هو الدافع الوحيد للاهتمام به؟

لبنان عرضة لضغوط أمنية قوية: القلق هو الدافع الوحيد للاهتمام به؟

كتب مصطفى الحاج علي
تقاطعت الاهتمامات العربية والدولية على القلق من "الوضع الهش" الذي يعيشه لبنان، سواء بفعل التهديدات الاسرائيلية التي لا تتوقف، والتي وصلت حد تسريب السيناريوهات حول الحرب المقبلة والوشيكة، أم بفعل استمرار الأمور على حالها في مدينة طرابلس تحديداً، والشمال عموماً، وذلك على وقع تنامي المخاوف مما يحضر هناك بفعل ارتفاع منسوب السلاح والتسلح، يضاف اليها النزف الأمني  المتواصل الذي يعبر عن نفسه بالاشتباكات المتنقلة في بيروت والبقاع، كل ذلك يحدث في الوقت الذي تجاوزت فيه الحكومة الحالية استحقاق تعيين قائدٍ جديدٍ للجيش اللبناني على وقع اعتراضات ليست بالقليلة.
أولاً: الزيارة المصرية
حملت زيارة وزير الخارجية المصرية إلى لبنان، في توقيتها وفي مضمونها، دلالات بارزة، أهمها:
ـ إن دافع الزيارة بحسب ما سرّب عن لقاءات أبو الغيط، وبحسب ما صدر عنه من مواقف، يتمثل بشكل رئيسي في القلق المصري من الوجهة التي يمكن أن تؤول اليها الأمور انطلاقاً من الاحتقان المذهبي والأمني المشحونة به اليوم مدينة طرابلس، والذي يتغذى على الاستحقاق الانتخابي. فالقاهرة قلقة من تنامي ظاهرة الأصولية في الشمال، وتخشى انفلات الفتنة المذهبية من عقالها لأن نارها حينئذٍ ستصيب كل المنطقة.
ـ بناءً على هذا القلق يبدو أن القاهرة وضعت لنفسها استراتيجية تحرك إزاء لبنان تقوم على التالي:
أ ـ مقاربة الوضع اللبناني على نحوٍ مختلف ينهض على الانفتاح على مجمل قوى وأطراف الشارع السني أولاً، وعلى مجمل أطراف وقيادات المعارضة ثانياً.
ب ـ التأكيد على الحوار كممر وحيد لحل الخلافات.
ج ـ إقناع من يجب إقناعه بعدم المغامرة بالرهان على ورقة السلفية التي سبق لمصر أن جربتها.
د ـ تقديم ما يمكن من دعم للجيش اللبناني، ولأجهزة مخابراته.
هـ ـ الدخول على خط المساعدات الاقتصادية.
الخلاصة التي يمكن تسجيلها من زيارة أبو الغيط إلى لبنان يمكن إيجازها بالتالي:
ـ محاولة مصرية للعب دورٍ في لبنان يعزز من  لعبها لأدوار خارجية، حيث تبدو مصر محبوسة في دورٍ جد صغير بالقياس إلى موقعها ووزنها الاقليميين. تستفيد القاهرة من هامش غياب الدور السعودي الذي بات دوره مفضوحاً في لبنان، وغير مقبول من كثيرين، من دون أن يعني ذلك أن الدور المصري هو على حساب الدور السعودي، بل هو مكمل له وبالتنسيق معه، ولذا، يبدو في أحد وجوهه، نوعاً من التصحيح للسياسات السعودية الخاطئة في لبنان.
ـ ان الدور المصري يبقى ناقصاً إذا لم يتكامل مع الدور السوري، ولذا، فإن هذا الدور إذا أريد له أن يأتي بنتائج، عليه أن يمر حكماً بعملية مصالحة فعلية عربية ـ عربية عموماً، وسعودية ـ مصرية ـ سورية تحديداً.
ـ ان القلق المصري له مبرراته الواقعية اللبنانية، لكن هل هي وحدها الدافع، أم أن مساحة القلق المصري تتجاوز لبنان إلى المنطقة؟

ثانياً: الزيارات الأميركية
كانت العاصمة اللبنانية على موعد خلال الأسبوع الفائت، مع وفدين بارزين لوزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين، حملت هذه الزيارات أكثر من دلالة ورسالة أبرزها:
أ ـ  إعادة تأكيد الاهتمام الاميركي بلبنان خصوصاً  لفريق 14 آذار، بعدما بدا مؤخراً  لهذا الفريق، ان الأولويات الاميركية باتت في مكانٍ آخر، ولذا، يحاول الاميركي تقديم جرعة معنوية لهذا الفريق الذي يعاني منذ مدة من تصدعات وشقوق كبيرة في صفوفه، ويمر بأزمة بنيوية عميقة.
ب ـ اظهار الاهتمام بالجيش اللبناني من ضمن سياسة ثابتة تعبر عن نفسها بزيارات منتظمة لمؤسسة الجيش، فتارة عبر قائد المنطقة الوسطى، وتارة من خلال خبراء متخصصين في الشؤون الدفاعية والاستراتيجية، وتارة عبر مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة، أو للسياسات الدفاعية، وأخرى عبر مدير الاستراتيجية والخطط والسياسات العامة للقيادة المركزية الاميركية.
كل هذا الاهتمام، وهذه الغيرة الاميركية، المتعددة الاختصاصات والأبعاد، بالجيش اللبناني، تظهر المحل الذي بات يمثله الجيش في الحسابات الاميركية، وبالتأكيد ليس للتصدي للكيان الاسرائيلي، وانما لكل ما من شأنه أن يهدد هذا الكيان. فواشنطن تشترط كل مساعدة للجيش بالوظيفة التي ستناط به، وهي حتماً داخلية.
إلا أن الجيش الذي نجح في تجاوز أكثر من استحقاق وطني؟ ما زال عصياً حتى الآن على هذه السياسات الاميركية.
ج ـ إظهار الاهتمام بالوضع الأمني في طرابلس على خلفية استكشاف وجهة الأمور، وكيفية التعامل معها لاحقاً.

ثالثاً: خلاصة واستنتاجات
من الواضح، أن الوضع الأمني في لبنان ما زال عرضة لضغوط داخلية وخارجية: داخلياً، حيث ما يزال البعض يصرّ على النفث في نيران الفتنة المذهبية، وعلى ابقاء حالة التوتر قائمة عبر افتعال اشتباكات متنقلة طابعها المباشر فردي، وطابعها غير المباشر أبعد من ذلك بكثير، حيث يريد هذا البعض اصطناع أوراق ضاغطة تمكنه من فرض تفاهمات تناسبه سياسياً وانتخابياً في الحد الأدنى، وفي الحد الأقصى الاحتفاظ بعوامل تفجير واسعة ربما تلاقي عوامل تفجير خارجية.
وأما الضغوط الخارجية فتتمثل بالتهديدات الاسرائيلية المتنامية ضد لبنان عموماً والمقاومة تحديداً؟ كما تتمثل بالتهديدات الاميركية والاسرائيلية ضد ايران.
خلاصة القول هنا، ان لبنان ما زال يعيش تحت وطأة تهديدات أمنية مثلثة الأبعاد ومفتوحة على كل الاحتمالات، ما يجعل الأوضاع فيه مقلقة وهشة إلى أقصى الحدود.
ـ ما يزيد الأمور تعقيداً أن هناك من يحاول اصطناع مشاكل وقضايا ذات طابع فتنوي وأمني، ومن ثم يعمل على ربطها مع مجمل خطابات وتعقيدات الوضع اللبناني، وصولاً إلى استدراج حلٍ شاملٍ لها من المدخل الأمني تحديداً. وفي هذا الإطار، ثمة من يرى أنه بعد فشل عدوان تموز، وخروج المقاومة منتصرة، وإثباتها جدوائية دورها وتالياً سلاحها، ولأن الهدف الاستراتيجي ما زال هو هو، أي العمل بشتى الطرق لضرب هذا السلاح، فإن الخطة تقتضي ضربه من الداخل بدلاً من الخارج، أي عبر تهرئة الوضع الأمني انطلاقاً من طرابلس، وعبر إضعاف الجيش والتشكيك بدوره، وصولاً إلى تدويل الأمن الداخلي أو تعريبه، كما يجري طرح الفكرة نفسها اليوم في ما يتعلق بغزة.
وأكثر من ذلك، ثمة من يرى أن هناك حاجة اضافية لمزيد من النيران في لبنان ليس للتغطية على ما يعد من نيران في المنطقة، وانما للتغطية على التسوية التي يجري طبخها وإنضاجها في الكواليس بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي، والتي بدأت  تلوح معالمها خصوصاً في ما يتعلق بتوطين الفلسطينيين، والكلام الصريح لرئيس السلطة الفلسطينية حول عدم القدرة على إعادة خمسة ملايين فلسطيني إلى أراضي 1948، والحاجة إلى دفع تعويضات للآخرين.
قد يكون كل ما تقدم مجرد افتراضات تفتقد حتى الآن إلى كل مقومات الوجود، إلا أنها تبقى افتراضات معقولة، واحتمالات، يجب الاحتياط لها، لأنها ليست بعيدة، على الأقل، في أهدافها، عن المحور الاميركي العربي واللبناني.
الانتقاد/ العدد1295 ـ 2 أيلول/ سبتمبر 2008

2008-09-02