ارشيف من :أخبار عالمية
لديهم بصمة تميزهم برغم الإمكانيات المتواضعة

غزة – فادي عبيد
"ربنا يحميك، ويرجعك بالسلامة" عبارة اعتادت النساء الفلسطينيات على ترديدها عند وداع أزواجهن، وأبنائهن من المقاومين قبل انطلاقهم إلى مهماتهم الجهادية؛ لكنها لم تعد مقصورة على ذلك، حيث أصبحن يرددنها عند وداع أزواجهن المسعفين في كل يوم يذهبون إلى أماكن عملهم؛ لما يتعرضون له من مخاطر جمة أثناء قيامهم بواجبهم الوطني، والأخلاقي في انتشال الجرحى والمصابين الذين يسقطون خلال التوغلات والاجتياحات الصهيونية المتكررة؛ فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000 كانت سيارات الإسعاف، والطواقم الطبية هدفاً مباشراً لآلة الحرب الصهيونية، وقد تجسد ذلك بإطلاق النار باتجاهها، ومنعها من إخلاء الجرحى، ومحاصرة المستشفيات، وفي بعض الأحيان خطف المصابين من بين أيديهم، واحتجازهم، فضلاً عن استشهاد وجرح العشرات منهم.
"الانتقاد" التقت بعض المسعفين للتعرف الى رحلة حياتهم، وطبيعتها، بالإضافة إلى أبرز المخاطر التي تتهددها في ظل العدوان المستمر.
بصمة
يقول عوني خطاب 45 عاماً – مسؤول الإسعاف والطوارئ بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وسط قطاع غزة: "في كل يوم يراودني شعور بأني قد لا أرجع إلى بيتي وأولادي؛ لكنني أتغلب على ذلك بالإيمان والثقة بأهمية الدور الذي أمارسه في خدمة، وإنقاذ أبناء شعبي".
ويضيف خطاب أنه ومنذ التحاقه بهذا المجال قبل نحو 20 عاماً تنقل في مناطق متنوعة من القطاع، وعمل في ظروف مختلفة أبرزها السنوات الأخيرة لاندلاع الانتفاضة الثانية، حيث أصبح العمل تحت ضغط الوقت، وفيه استهداف مباشر لنا، فضلاً عن طبيعة الحالات التي نتعامل معها.
أخطر المواقف، وأصعبها على عوني كانت في 17/9/2006، حيث تعرض هو وزميل له لإطلاق صاروخ من طائرة استطلاع صهيونية أثناء محاولاتهما إجلاء بعض الجرحى الذين سقطوا في اجتياح واسع لقوات الاحتلال شرق مخيم المغازي، ما أدى إلى بتر ساق زميله ويدعى (أنور أبو هولي)، بينما لم يصب هو بأذى، وبرغم فظاعة المشهد وقسوته إلا أنه واصل العمل وباقي ضباط الإسعاف لمدة 3 أيام متواصلة حتى نهاية الاجتياح.
وعن كيفية تعامل المسعفين مع تصاعد التهديدات الصهيونية بشن عدوان واسع على غزة، وما هي الاستعدادات التي يتخذونها، يقول خطاب: "المسعف الفلسطيني له بصمة تميزه أنه أعطى بلا حدود وفق الإمكانيات المتواضعة؛ ومع ذلك لدينا في جمعية الهلال الأحمر دورات خاصة بالدعم النفسي لضباط الإسعاف نتيجة لما يواجهونه في عملهم من حالات قد تنعكس عليهم، وعلى بيوتهم، كفقدان زملاء، وإصابات آخرين بإعاقات وغيرها لتقويتهم وتعزيز صمودهم".
قبل وبعد
صالح الناطور (32 عاماً)، نموذج آخر لفرسان الإسعاف والطوارئ كما يسميهم الشارع الفلسطيني، يقول عن تجربته في هذا المجال التي بدأها قبل حوالي 10 سنوات: "قبل أحداث الأقصى كان العمل طبيعياً، لكن وبعد الانتفاضة الأمور تصاعدت بشكل تدريجي إلى أن وصلت إلى ذروتها في العام الأخير".
24 ساعة متواصلة هي فترة عمل صالح؛ يبدأها من مقر إقامته بمدينة خانيونس وصولاً إلى مقر عمله في دير البلح، ويضيف: "زوجتي تعودت على طبيعة عملي، ودائماً تدعو لي وتطلب مني أن أتوخى المزيد من الحذر أثناء وجودي في المناطق الخطرة".
وعن أبرز الحوادث التي واجهها طوال سنوات عمله كضابط إسعاف أخبرنا صالح أنه في إحدى المرات كاد يصاب وأحد زملائه جنوب القطاع حيث توجها لإجلاء جريح بالقرب من السياج الحدودي بعد أن حصلا على تنسيق صهيوني بالدخول لتلك المنطقة؛ لكنهما تفاجآ بقوات الاحتلال تطلق النار صوب سيارة الإسعاف ما دفعهما الى التراجع، وما هي إلا لحظات؛ وإذا بجنود الاحتلال يتقدمون صوب الجريح ويعدمونه، وفي حادثة أخرى يروي صالح أنه تم اعتقال زميلين له في مخيم البريج وسط القطاع، وتجريدهم من ملابسهم، ثم قامت الدبابات الصهيونية بتحطيم سيارة الإسعاف، وتسويتها بالأرض.
المسعف حسن العتال – من مدينة رفح بدأ عمله عام 99، يقول عن تجربته: "معظم عملنا فيه مخاطرة شديدة نتيجة الاحتكاكات المباشرة مع الاحتلال؛ لكننا شعب مسلم ونؤمن بالاتكال على الله، وما كتبه الله لنا هو ما سيحدث"، ويضيف العتال وهو متزوج وله 3 أبناء أنه على الرغم مما يتهدد حياته كمسعف جراء ما قد يتعرض له من إطلاق نار، أو اعتقال، أو إصابة؛ إلا أنه يفتقد إلى الكثير من الامتيازات مثل بدل المخاطرة، والمرتبات الجيدة، والتجهيزات، مقارنة بما هو متوافر ومستخدم في البلدان المجاورة؛ برغم أن طبيعة عمل المسعفين الفلسطينيين تختلف إلى حد كبير من حيث الصعوبة، والخطورة، وما إلى ذلك.
ما تتعرض له الطواقم الطبية في الأراضي الفلسطينية من استهداف صهيوني متكرر يعد انتهاكاً للمادة (20) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، والتي تنص صراحة على أن "الأشخاص الذين يعملون بصورة منتظمة، وحصراً في تشغيل المستشفيات المدنية وإدارتها، بمن فيهم الموظفون المنخرطون في البحث عن المدنيين الجرحى والمرضى وعن حالات العجز والولادة أو في إخلائهم ونقلهم والعناية بهم يجب أن يتمتعوا بالاحترام والحماية"، كما أن هذه السياسة تعتبر انتهاكاً لما جاء في المادة (12) من بروتوكول جنيف الأول والتي تنص على أنه "يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية وحمايتها وألا تكون هدفاً لأي هجوم".
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008
"ربنا يحميك، ويرجعك بالسلامة" عبارة اعتادت النساء الفلسطينيات على ترديدها عند وداع أزواجهن، وأبنائهن من المقاومين قبل انطلاقهم إلى مهماتهم الجهادية؛ لكنها لم تعد مقصورة على ذلك، حيث أصبحن يرددنها عند وداع أزواجهن المسعفين في كل يوم يذهبون إلى أماكن عملهم؛ لما يتعرضون له من مخاطر جمة أثناء قيامهم بواجبهم الوطني، والأخلاقي في انتشال الجرحى والمصابين الذين يسقطون خلال التوغلات والاجتياحات الصهيونية المتكررة؛ فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000 كانت سيارات الإسعاف، والطواقم الطبية هدفاً مباشراً لآلة الحرب الصهيونية، وقد تجسد ذلك بإطلاق النار باتجاهها، ومنعها من إخلاء الجرحى، ومحاصرة المستشفيات، وفي بعض الأحيان خطف المصابين من بين أيديهم، واحتجازهم، فضلاً عن استشهاد وجرح العشرات منهم.
"الانتقاد" التقت بعض المسعفين للتعرف الى رحلة حياتهم، وطبيعتها، بالإضافة إلى أبرز المخاطر التي تتهددها في ظل العدوان المستمر.
بصمة

ويضيف خطاب أنه ومنذ التحاقه بهذا المجال قبل نحو 20 عاماً تنقل في مناطق متنوعة من القطاع، وعمل في ظروف مختلفة أبرزها السنوات الأخيرة لاندلاع الانتفاضة الثانية، حيث أصبح العمل تحت ضغط الوقت، وفيه استهداف مباشر لنا، فضلاً عن طبيعة الحالات التي نتعامل معها.
أخطر المواقف، وأصعبها على عوني كانت في 17/9/2006، حيث تعرض هو وزميل له لإطلاق صاروخ من طائرة استطلاع صهيونية أثناء محاولاتهما إجلاء بعض الجرحى الذين سقطوا في اجتياح واسع لقوات الاحتلال شرق مخيم المغازي، ما أدى إلى بتر ساق زميله ويدعى (أنور أبو هولي)، بينما لم يصب هو بأذى، وبرغم فظاعة المشهد وقسوته إلا أنه واصل العمل وباقي ضباط الإسعاف لمدة 3 أيام متواصلة حتى نهاية الاجتياح.
وعن كيفية تعامل المسعفين مع تصاعد التهديدات الصهيونية بشن عدوان واسع على غزة، وما هي الاستعدادات التي يتخذونها، يقول خطاب: "المسعف الفلسطيني له بصمة تميزه أنه أعطى بلا حدود وفق الإمكانيات المتواضعة؛ ومع ذلك لدينا في جمعية الهلال الأحمر دورات خاصة بالدعم النفسي لضباط الإسعاف نتيجة لما يواجهونه في عملهم من حالات قد تنعكس عليهم، وعلى بيوتهم، كفقدان زملاء، وإصابات آخرين بإعاقات وغيرها لتقويتهم وتعزيز صمودهم".
قبل وبعد
صالح الناطور (32 عاماً)، نموذج آخر لفرسان الإسعاف والطوارئ كما يسميهم الشارع الفلسطيني، يقول عن تجربته في هذا المجال التي بدأها قبل حوالي 10 سنوات: "قبل أحداث الأقصى كان العمل طبيعياً، لكن وبعد الانتفاضة الأمور تصاعدت بشكل تدريجي إلى أن وصلت إلى ذروتها في العام الأخير".
24 ساعة متواصلة هي فترة عمل صالح؛ يبدأها من مقر إقامته بمدينة خانيونس وصولاً إلى مقر عمله في دير البلح، ويضيف: "زوجتي تعودت على طبيعة عملي، ودائماً تدعو لي وتطلب مني أن أتوخى المزيد من الحذر أثناء وجودي في المناطق الخطرة".
وعن أبرز الحوادث التي واجهها طوال سنوات عمله كضابط إسعاف أخبرنا صالح أنه في إحدى المرات كاد يصاب وأحد زملائه جنوب القطاع حيث توجها لإجلاء جريح بالقرب من السياج الحدودي بعد أن حصلا على تنسيق صهيوني بالدخول لتلك المنطقة؛ لكنهما تفاجآ بقوات الاحتلال تطلق النار صوب سيارة الإسعاف ما دفعهما الى التراجع، وما هي إلا لحظات؛ وإذا بجنود الاحتلال يتقدمون صوب الجريح ويعدمونه، وفي حادثة أخرى يروي صالح أنه تم اعتقال زميلين له في مخيم البريج وسط القطاع، وتجريدهم من ملابسهم، ثم قامت الدبابات الصهيونية بتحطيم سيارة الإسعاف، وتسويتها بالأرض.
المسعف حسن العتال – من مدينة رفح بدأ عمله عام 99، يقول عن تجربته: "معظم عملنا فيه مخاطرة شديدة نتيجة الاحتكاكات المباشرة مع الاحتلال؛ لكننا شعب مسلم ونؤمن بالاتكال على الله، وما كتبه الله لنا هو ما سيحدث"، ويضيف العتال وهو متزوج وله 3 أبناء أنه على الرغم مما يتهدد حياته كمسعف جراء ما قد يتعرض له من إطلاق نار، أو اعتقال، أو إصابة؛ إلا أنه يفتقد إلى الكثير من الامتيازات مثل بدل المخاطرة، والمرتبات الجيدة، والتجهيزات، مقارنة بما هو متوافر ومستخدم في البلدان المجاورة؛ برغم أن طبيعة عمل المسعفين الفلسطينيين تختلف إلى حد كبير من حيث الصعوبة، والخطورة، وما إلى ذلك.
ما تتعرض له الطواقم الطبية في الأراضي الفلسطينية من استهداف صهيوني متكرر يعد انتهاكاً للمادة (20) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، والتي تنص صراحة على أن "الأشخاص الذين يعملون بصورة منتظمة، وحصراً في تشغيل المستشفيات المدنية وإدارتها، بمن فيهم الموظفون المنخرطون في البحث عن المدنيين الجرحى والمرضى وعن حالات العجز والولادة أو في إخلائهم ونقلهم والعناية بهم يجب أن يتمتعوا بالاحترام والحماية"، كما أن هذه السياسة تعتبر انتهاكاً لما جاء في المادة (12) من بروتوكول جنيف الأول والتي تنص على أنه "يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية وحمايتها وألا تكون هدفاً لأي هجوم".
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008