ارشيف من :آراء وتحليلات

"بماذا يضركم التوطين؟!"

"بماذا يضركم التوطين؟!"
كتب إبراهيم الموسوي
هذه الجملة السؤال أوردها رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمام وفد نيابي من فريق الموالاة نقلاً عن موفدين أجانب يطرحون هذا السؤال على فخامته كلما زاروه، أما مناسبة هذا الكلام أمام الفريق النيابي ـ الموالاتي، فهي أن هذا الفريق كان قد حمل إلى الرئيس قبل سفره إلى قطر، كتاباً موقعاً من عدد من نواب الموالاة يطلبه بالمبادرة إلى طلب اعادة النظر في الدستور، لإضافة فقرة إلى مادته الـ77، تنص على "أن الأكثرية المطلوبة لتعديل الفقرة "ط" من مقدمة الدستور لجهة تجزئة لبنان أو تقسيمه" أو القبول بالتوطين أو لتعديل المادة الثانية من الدستور هي إجماع أعضاء النواب عليها".
أما سبب طلب هؤلاء من الرئيس القيام بما هو مفترض بالنواب المشترعين القيام به فهو أن المجلس هو في فترة خارج العقد العادي الأمر الذي لا يجيز تقديم اقتراح نيابي لتعديل الدستور، في حين أن لرئيس الجمهورية مثل هذا الحق عبر مجلس الوزراء في كل الأوقات.
وبالعودة إلى السؤال الجوهري الذي يطرحه الموفدون الأجانب، والأوروبيون منهم على وجه الخصوص، حول الضرر الذي يلحق بلبنان جرّاء التوطين، يتضح أولاً، أن كل ما كانت تحذر منه المعارضة منذ زمن وتعتبره مشروعاً جدياً لدى أعلى الأوساط الدولية ـ الاقليمية، هو حقيقة واقعة، في حين أنه كان مادة للتندر السياسي لدى أوساط فريق الموالاة طيلة الفترة الماضية.
الملاحظة الثانية: أن فريق الموالاة وبحسب التفسير الذي قدّمه لرئيس الجمهورية أقدم على رفع هذا الكتاب لإقفال باب المزايدات الداخلية، ودرء الاتهامات عنه، في حين أن الموضوع أكثر خطورة بكثير من مجرد حسابات داخلية تتصل بتحسين سمعة أو تلميح صورة أو نفي تهمة أو حتى من أجل استحقاقات انتخابية قادمة يريد البعض الاستعداد لها.
الملاحظة الثالثة: ثمة جرأة أوروبية أميركية على طرح مسألة التوطين بهذه الفجاجة أمام العهد الجديد بما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جدية الغرب في تنفيذ أجندة تصفية القضية الفلسطينية في جزء اللاجئين"، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام تكهنات خطيرة تتصل بكل الدور الأوروبي والأميركي الذي يتوسع في إبداء الدعم للبنان، وما إذا كان هذا الدعم سيتم في حال حصل كدفعة على حساب إجبار لبنان على القبول بالتوطين كحقيقة واقعة وأمر لا مفر منه.
الملاحظة الرابعة: أن هذه الطروحات والأسئلة تأتي في ظل الكلام على قرب حدوث انسحابات للاحتلال الاسرائيلي من منطقة الشمال للغجر، وهو ما قد يغري البعض بالتجاوب معها ولو إعلامياً، ما يخلق أجواء خطيرة على مستوى الداخل اللبناني المتأزم أصلاً.
خلاصة القول، إن ما كشفه رئيس الجمهورية هو أمر في غاية الخطورة، هو يكشف مدى تحسس الرئيس من هذا الموضوع، والجدية التي يوليها إياه، وهو ما يفترض بكل القوى اللبنانية، ولا سيما تلك التي تدّعي الحرص على السيادة والاستقلال والاستقرار الداخلي أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً لا لبس فيه منه.
ان موضوع التوطين والقبول به في ظل أي ظرف هو خيانة للقضية العربية عامة والفلسطينية خاصة، ومحاولة لتصفية احدى أكثر حلقاتها أهمية، وهو موقف مدان قانوناً وشرعاً وأخلاقاً، ويجب أن يكون كذلك دائماً. إن العدو المحتل القاتل والغاصب لا يجوز أن يكافأ بإزاحة المسؤولية عنه في عودة اللاجئين لديارهم، وإلا فإن علينا أن نقدم مكافآت كثيرة للعدو الصهيوني الذي ليس في سجله إلا المجازر والاعتداءات والاحتلالات.
الانتقاد/ العدد1295 ـ 2 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-02