ارشيف من :آراء وتحليلات

ما مصير المسيحيين المستقلين في 14 آذار بعد خروج جنبلاط منه؟

ما مصير المسيحيين المستقلين في 14 آذار بعد خروج جنبلاط منه؟
كتب إبراهيم صالح
يروي بعض زوار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط انه تلقى قبل أيام اتصالاً هاتفياً من أمين عام لقاء قوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، يطلب فيه موعداً لزيارته برفقة عضو اللقاء النائب السابق سمير فرنجية، "لنبحث معك موضوع مشاركة ممثلك في اللقاء".. فأجاب جنبلاط: "عليك ان تنسى درب المختارة وكليمنصو أنت وسمير من الآن وحتى سنة على الأقل".
لم يكن مفاجئاً هذا الموقف من النائب جنبلاط بقطع قنوات العلاقة التي تصله بقوى 14 آذار، فالكل يجمع على ان خطابه الشهير في 2 آب الجاري في فندق "البوريفاج" مؤشراً أكيداً الى ان الرجل صرم حبل العلاقة نهائياً مع هذا اللقاء الذي كان طوال الاعوام الاربعة الماضية عصبه ورأس حربة مشروعه.
وإذ صار معلوماً ان هذه القوى الحزبية المكونة لهذا الفريق قد بدأت تبحث جدياً عن البدائل والخيارات لهذا اللقاء الذي يبدو كأن عقده آل ولا ريب الى انفراط بعدما انتهى مبرر وجوده، وتداعى المشروع السياسي الذي نهض على أساسه، فإن السؤال المطروح: ماذا عن مصير الشخصيات المسيحية المستقلة التي اختارت ان تنضوي تحت لواء هذا اللقاء، وعاشت على وهجه؟
لا شك في ان السؤال يكبر أكثر فأكثر اذا ما علمنا ان غالبية هذه الشخصيات لاذت الى هذا اللقاء بعدما "انفخت دف" قرنة شهوان وتفرق رواده أيدي سبأ، فاختار بعضهم مثل ميشال خوري وعبد الملك وسيمون كرم وأنطوان خوجة وآخرون، ان يغادروا ميدان العمل السياسي بشكل شبه نهائي، بعدما تحطمت آمالهم وأحلامهم، فيما اختارت البقية الباقية ان تتغطى بغطاء لقاء قوى 14 آذار الذي كان يبحث عن شخصيات مستقلة تعطيه نكهة التنوع، فكان ان وجد فارس سعيد ونسيب لحود وسمير فرنجية وبطرس حرب ونايلة معوض (نجلها وحيدها الفذ في ما بعد ميشال معوض) وسواهم، ضالتهم المنشودة، فألجأهم عنده ووجد لهم مهمة أساسية هي شتم الآخر وتزوير الحقائق ولـيّ عنق الواقع.
وعمل هؤلاء انطلاقاً من ان هذا اللقاء حالة دائمة وفاعلة بإمكانها ان تحمل الراكبين مركبها الى أعلى المستويات السياسية، ولا سيما ان هؤلاء اللائذين ذهبوا بعيداً وهم يغالون ويزايدون على "أسياد" اللقاء، ظانين أنفسهم أنهم العقل المدبر واللسان المنظر الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لا سيما أنهم بقوا على قناعتهم السابقة بأن لهم ميزة غير مرئية كما يزعمون، وهي قدرتهم على تكوين قناعات لدى المرجعية الروحية المارونية الأولى في البلاد وإدارتها وتوجيهها حيث يريدون.
وفي زعمهم أيضاً انهم يملكون مزايا اخرى تجعل الآخرين لا يستغنون عنهم اطلاقاً، وهي علاقتهم الوطيدة بالنائب وليد جنبلاط، وقدرتهم على التأثير فيه، وإيصال الافكار والرؤى اليه، لتكون زاده في التصريحات والخطب والمقابلات والإطلالات الاعلامية.
وبمعنى آخر هؤلاء وعلى اساس انهم "المكتب السياسي" لـ"ثورة الارز" ولقاء قوى 14 آذار، يضخون اليه الافكار والرؤى ويرسمون له نهجه الفكري ويدبجون بياناته وينتقون أدبيات ومصطلحات وتعبيرات خطباء اللقاء والناطقين بلسانه.
ولقد صار معلوماً ان البيانات السنوية الثلاثة للقاء التي انطوت على رؤى مستقبلية واستشراقية للوضع اللبناني من الآن حتى عشرات الأعوام المقبلة، كانت من نتاج عقل هذه المجموعة، ونخص بالذكر هنا بيانات لقاءات "البريستول"، ولا سيما البيان الشهير الذي صدر في أعقاب العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006.
باختصار كان هؤلاء يعتقدون أن "مستقبل" الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو من صنع أيديهم وثمرة من ثمرات عقولهم، واستطراداً كانوا يشعرون بأن "لبنان الجديد" يخرج من بين أصابعهم، وأنهم يتحكمون باللعبة السياسية من خلال تلاعبهم بسياسيي 14 آذر وأركانه.
وعلى اساس هذا الاعتقاد طالب هؤلاء بمقر دائم للأمانة العامة للقاء قوى 14 آذار وبجهاز بشري متفرغ، فتحقق لهم ذلك، وخصصت لهم قريطم موازنة ضخمة.
ولكن اللافت ان هؤلاء عاشوا تحت مفارقة غريبة عجيبة، فبمقدار ما كانوا بارعين في تدبيج الافكار والرؤى على الورق، كانوا فاشلين على صفحة الواقع السياسي، اذ لم يستطيعوا باستثناء النائب بطرس حرب، ان يكونوا حيثيات في الاوساط الشعبية، في حين ان قوى 14 آذار نفسها لم تعترف لهم بـ"أفضالهم" وكبير أفعالهم، فأطاحت بهم، ولم تترك لهم مجالاً وموقعاً لكي يصلوا عبره الى مجلس النواب.
فصراعات هذه القوى وتسابقها لاكتساب المقاعد دفعت بالنائب السابق نسيب لحود الى الانسحاب من المعركة الانتخابية في دائرة المتن الشمالي، لا سيما بعد ان علم عِلْم اليقين انه راسب لا محالة، وأن حلفاءه في اللائحة إياها سيعمدون الى تشطيبه لكي يضمنوا لأنفسهم المغانم والمقاعد.
اما الخائب الاكبر، فهو النائب سمير فرنجية، الذي سرعان ما تبرأ منه حليفه في دائرة زغرتا ميشال معوض، وسارع الى تركيب لائحته حتى من دون الوقوف على خاطره، بحجة انه غير مفيد انتخابيا ولا يملك أصواتا تجييرية. فكان ان انكفأ بصمت مكفتيا بلقب النائب السابق.
ولا يمكن ان ننسى في هذا الاطار النائب السابق فارس سعيد، الذي برغم ايمانه هو بذكائه وحركته وقدراته، لم يسعفه الحظ لبلوغ النيابة سوى مرة واحدة. ولم تنفع كل الألاعيب التي جرت في انتخابات دائرة جبيل الاخيرة، خصوصاً ألاعيب الايام الاخيرة، برغم استحواذه على العطف من خلال الزعم بأن "حزب الله" يحاربه، في أن تجسر الفجوة الكبرى بينه وبين المرشحين على لائحة المعارضة، فخابت آماله مرة ثانية برغم دعم "القوات اللبنانية" له، وبرغم الجهود الكبرى التي بذلها لإبعاد عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده عن دائرة جبيل وإقناعه بالترشح في دائرة كسروان.
وعليه فالسؤال المطروح: اذا كان هؤلاء قد خسروا مقاعدهم النيابية، فماذا سيخسرون بعد خروج النائب جنبلاط من لقاء 14 آذار، وصيرورة هذا اللقاء في وضع بالغ الصعوبة، لا سيما وقد دخل غرفة العناية الفائقة؟ حسب الكثير من التقديرات، من البديهي الاشارة الى ان سعيد وفرنجية لن يفقدا وظيفتيهما في الأمانة العامة لقوى 14 آذار، وسيبقيان يجدان دورهما في اذاعة البيانات الصادرة عنها بين فينة وأخرى. ولكنهما وهما الخبيران البارعان في شأن الاحزاب والتجمعات السياسية، يدركان اكثر من غيرهما ان عليهما التفكير بحيز آخر اذا ما شاءا ان يبقيا في الصورة والصدارة، فمكانهما الحالي سيصبح مع الوقت قليل الجدوى او عديمها، خصوصاً اذا صار النائب سعد الحريري رئيساً للوزراء وحقق ما أعلنه سابقاً، وهو زيارة دمشق.
وكذلك سيضطران لأن يبحثا عن أفق آخر يجسدان فيه رؤاهما وتخطيطاتهما، اذا ما تحققت تكهنات الكثيرين في أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تحجيم دور "القوات اللبنانية" وعزلها بعدما انتفخ حجمها على نحو غير طبيعي.
وثمة من يتحدث همساً أن هذين الشخصين شرعا بالتفكير في إيجاد اطار سياسي على غرار لقاء قرنة شهوان الذي نعى نفسه وأصبح من الماضي.
ولكن الواضح ان سوء الطالع سيبقى يلاحق هؤلاء، فلا التجربة التي خاضاها في لقاء قرنة شهوان لقيت "التقدير" الذي كانا يأملانه، فهذا اللقاء انتهى على عجل بعدما سحقه تسارع الاحداث. ولا نجحت آمالهما في وصول أحدهم (نسيب لحود، سعيد، غطاس خوري، سمير فرنجية) الى الرئاسة الأولى.
وبالتالي سيأتي حين من الدهر يجدون أنفسهم "كالأيتام على مائدة اللئام"، بلا دور فاعل.. وجلّ ما سيكونونه في يوم من الأيام الاحتياط الداعم لمراسلي الفضائيات ووسائل الإعلام المكتوبة.
2009-08-14