ارشيف من :أخبار عالمية

قضية لوكربي بين الصفقات السياسية والاحكام الجنائية

قضية لوكربي بين الصفقات السياسية والاحكام الجنائية

تقرير: ليلى سرعيني

إنشغل العالم برمته، في اليومين السابقين، بمعرفة تفاصيل الافراج عن "المدان" في "حادثة لوكربي" ضابط المخابرات الليبي السابق عبد الباسط المقرحي.
فقد اشارت مصادر اعلامية بريطانية الى قرب الافراج عن المقرحي لأسباب صحية، فيما هبت أصوات عائلات الضحايا الذين قتلوا في إنفجار طائرة البوينغ الاميركية استنكارا لنبأ الافراج عنه في وقت رفضت فيه الولايات المتحدة قرار السلطات البريطانية لتحرير المقرحي حتى يكمل عقوبته في السجن الؤبد.

فقبل نحو عشرين عاما وفي يوم الأربعاء 21 كانون أول/ ديسمبر 1988 انفجرت طائرة البوينغ 747 التابعة لشركة بان أمريكان أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي، الواقعة بين مدينتي دمفريز وغالواي غربي إنجلترا. ما أدى الى مقتل 259 شخصا كانوا على متنها فضلا عن 11 لوكربيا سقطت الطائرة فوق رؤوسهم .

وسرعان ما بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا تحقيقاتها لمعرفة من فجّر الطائرة المتوجهة الى نيويورك، فصبت اتهاماتها على كل من يخالف سياستهما. وتنوعت الاتهامات آنذاك ودارت على دول مختلفة، بين ايران ولبنان وسوريا وفلسطين فضلا عن كل جهات المقاومة التي تطلق الولايات المتحدة الاميركية عليها لقب "المنظمات الارهابية".

سنوات من التحقيق تنقلت فيها الاتهامات شرقا وغربا حتى رست على ليبيا. ففي 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1991 صدر في الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا أمر بالقبض على مواطنين ليبيين يشتبه بتورطهما في حادث تفجير الطائرة كونهما يعملان بمكتب شركة الخطوط الجوية الليبية بـ "مطار لوقا" في مالطا. وبالتالي زعمت الدولتان ان الأمين فحيمة وعبد الباسط المقرحي كانا على علم بالحادث وانه بمعرفتهما تم شحن حقيبة تحتوي على متفجرات.

وعلى الفور رفضت ليبيا الاتهام وبدأ القضاء الليبي التحقيق. كا طالبت طرابلس الدولتين بان يقدما الادلة على ادانة فحيمة والمقرحي. لكن التحقيقات البريطانية والاميركية لم تجب بدقة على السؤال: لماذا تم تفجير طائرة بان أميركان؟ رغم ذلك قبلت طرابلس مثول الليبيين أمام محكمة قضاتها ومحاميها إسكتلنديون.
وفي هذا السياق قضت المحكمة بتبرئة الأمين فحيمة فيما حكمت على المقرحي بالسجن المؤبد في سجن بارليني بمدينة غلاسكو في اسكتلندا، رغم ان بعض المتخصصين في الشأن القانوني البريطاني لا يراهما بريئين فحسب بل ضحيتين.

وبعد أربع سنوات من إدانة المقرحي، تحملت ليبيا المسؤولية ووافقت على دفع تعويضات قيمتها 2,7 مليار دولار لأسر الضحايا. وساعد هذا في فتح الطريق أمام الدول الغربية لترفع العقوبات وتستعيد علاقاتها مع ليبيا. وخلال العقد الماضي حاولت ليبيا أن تغيّر أداءها السياسي وأن تعدل علاقتها بالدول الغربية لمعالجة المشاكل العالقة، ولتفتح بذلك مرحلة جديدة من العلاقات الاميركية الليبية.

أما اليوم، وبعض مرور كل هذه الاعوام، فقد أفادت تقارير إعلامية بريطانية عن قرب الافراج عن المقرحي من السجن وذلك لأسباب وصفت بـ "الانسانية", فيما تناقلت وسائل الاعلام عن إصابته بسرطان البروستات، وأنه من المتوقع أن يعاد إلى وطنه ليبيا بعد إعلان سيصدر عن وزير العدل الأسكتلندي الأسبوع القادم. ولم يؤكد أو ينفي متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون هذه الأنباء، وقال إن قضية المقرحي أمر يخص الحكومة الأسكتلندية لأنه أدين بموجب القانون الأسكتلندي.

من جهة ثانية أثار نبأ الافراج عن المقرحي ردود فعل متباينة بين عائلات الضحايا، فمنهم من أعتبر أن الحكم لا يمت الى الحقيقة بصلة، ومنهم من عارض عملية الافراج.
فقد أعرب أقارب للضحايا من البريطانيين، عن عدم اقتناعهم بأن المقرحي مذنب، ورحبوا على نطاق واسع بإحتمال الافراج عنه. وكذلك صرح جيم سواير، والد أحد الضحايا، لهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، قوله "سيكون إجبار هذا الرجل على الموت في السجن قسوة بغيضة".
وفي المقابل، أصرت بعض العائلات على اعتبار المقرحي, متهما معتبرين انه لا شك في أن المقرحي مذنب، ويجب أن يبقى لينفذ بقية الحكم بالسجن المؤبد في اسكوتلندا. وقالت كاثلين فلين التي قتل ابنها في التفجير لشبكة "جي ام تي في": "لا شك في ذهني في أن هذا الرجل مذنب".
وقال بيرت اميرمان الذي قتل شقيقه طوم في الرحلة الجوية، إن الإفراج عن المقرحي سيكون "جنوناً ولا أخلاقي ويستحق التوبيخ. يجب أن ينهي مدة حكمه في اسكوتلندا وأن يموت ثم يرسل الى وطنه في نعش".

وعلى صعيد دولي، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنه يتعين على المقرحي المدان بقضية تفجير لوكربي عام 1988 إكمال مدة عقوبته في السجن.
وقال المتحدث باسم الوزارة فيليب كراولي إن واشنطن ليس لديها علم بأنه تم اتخاذ قرار نهائي بشأن هذه القضية، وقد أوضحت للحكومة البريطانية والسلطات المعنية الأخرى موقفها بضرورة أن يكمل المقرحي عقوبته بالسجن.

وكانت محطتا "بي بي سي" و"سكاي نيوز" قالتا نقلا عن مصادر لم تحدد هويتها إنه من المتوقع أن يفرج عن المقرحي ويعاد إلى وطنه لرؤية أسرته قبل بدء شهر رمضان، لكن الحكومة الأسكتلندية لم تؤكد هذه التقارير وقالت إنها ستتخذ قرارا بهذا الشأن قبل نهاية الشهر الحالي.

من جهة ثانية، أعلنت عائشة المقرحي زوجة المقرحي لوكالة الصحافة الفرنسية أن السلطات الليبية أبلغتها بقرب الإفراج عن زوجها.
وسئلت الزوجة عن الأنباء الصحافية المتعلقة بقرب الإفراج عن زوجها فقالت إنها لا تريد أن تصاب بخيبة أمل مرة ثانية.
وقالت: "آمل أن تكون الأخبار صحيحة هذه المرة. نحن نصلي كل يوم حتى يتمكن من قضاء رمضان معنا". وقالت إنها اتصلت الخميس هاتفيا بزوجها وأنه لم يكن على علم بشيء.

وفيما رفض مسؤولون ليبيون تأكيد أو نفي هذه الأنباء، قال مسؤول ليبي في طرابلس طلب ألا ينشر اسمه إن اتفاقا بشأن الإفراج عن المقرحي "في مراحله الأخيرة"، واستدرك بقوله إنه يوجد أيضا اتفاق بين الجانبين على عدم إصدار أي بيان رسمي حتى يعود المقرحي إلى ليبيا.

اذا، بين الاحتمالات الجدية للافراج عن المقرحي، وبين المواقف المنددة بالحكم، يتضح ان محاكمته لم تكن جنائية، رغم أنه طيلة الاعوام الماضية لم تثبت ادانته "الفعلية"، ما يدل على أن المحاكمة أخذت طابعا سياسيا، عوضا عن محاكمة جنائية. لكن هل سيتضح في القريب العاجل اذا ما كانت الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها بريطانيا قد حاولتا النيل من النظام الليبي من خلال هذه القضية؟
2009-08-14