ارشيف من :أخبار عالمية

فجر جديد يشرق على العلاقة السورية الفرنسية

فجر جديد يشرق على العلاقة السورية الفرنسية

دخلت العلاقة السورية الفرنسية في فجر جديد وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، ومهدت زيارتا الرئيس بشار الأسد إلى باريس في تموز الماضي، والرئيس نيكولا ساركوزي إلى دمشق حالياً لـ"تعزيز" العلاقة الثنائية بين البلدين و"خلق جو من الثقة" بينهما و"التأسيس" لعلاقة صداقة (...) استعادت ألقها" بعدما شابها التوتر سنوات عدة.

ووصل ساركوزي إلى دمشق الأربعاء في زيارة رسمية تستمر يومين، تركز البحث في يومها الأول على "الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والمفاوضات غير المباشرة التي تجري بين سورية وإسرائيل في تركيا" بحسب ما قاله للصحفيين الرئيس الأسد الذي أكد أن المحادثات كانت "صريحة وبناءة"، الأمر الذي وافقه عليه ساركوزي حين وصف أجواء المباحثات بـ"الصريحة جداً ولم نترك أي موضوع إلا وتطرقنا إليه.. لقد تحدثنا عن كل المواضيع الدولية .. وكل المواضيع الأخرى التي نتفق أو نختلف عليها". 

واستمر اللقاء بين الرئيسين الأسد وساركوزي حوالي الساعة وتناول "تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين بكافة المجالات وخاصة السياسية والاقتصادية، والأوضاع في الشرق الأوسط وخصوصاً في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة والجهود الرامية لإحلال السلام في المنطقة بما في ذلك المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل بوساطة تركية" وفق ما ذكره البيان الرئاسي السوري الذي نقل عن الجانبين تأكيدهما على "أهمية تفعيل الدور الأوروبي واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لحل الأزمات العالقة في منطقة الشرق الأوسط بما يحقق مصلحة سورية وفرنسا وكل الدول التي تسعى إلى إرساء الأمن والسلام والاستقرار وعلى أهمية تفعيل الدور الأوروبي عموماً والفرنسي بشكل خاص بهدف إيجاد حلول عادلة لمشكلات المنطقة".

ومن خلال البيان الرئاسي، والمؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان في قصر الشعب بعد انتهاء مباحثاتهما مساء الأربعاء، لوحظ أن ثمة تركيز على موضوعين أساسيين هما مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية غير المباشرة برعاية تركية، والملف النووي الإيراني.

وبينما شدد الرئيس الأسد على الدور الفرنسي في مفاوضات السلام وضرورة تواجده وتعزيزه، كان ساركوزي يجدد دعوته لسورية كي "تلعب دوراً في الملف الإيراني" لإيجاد حل له.

 الأسد: علاقة الصداقة بين سورية وفرنسا استعادت ألقها اليوم
وأوضح الرئيس الأسد أن "المباحثات مع الرئيس ساركوزي كانت صريحة وبناءة وتحدثنا في قضايا كثيرة مطروحة على الساحة وخاصة قضايا الشرق الأوسط، والمحور الأساسي لحديثنا اليوم (الأربعاء) كان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط" وأكد أنه "لا يمكن أن نتحدث عن الاستقرار من دون أن نتحدث عن السلام وبالتالي كان الحديث عن عملية السلام أو المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين سورية وإسرائيل في تركيا المحور الأساسي اليوم(أمس)".

وأضاف الرئيس الأسد: "قيّمنا المرحلة التي وصلت إليها المفاوضات والآفاق المستقبلية لهذه العملية والدور الفرنسي (في دعم هذه المفاوضات)... كما تحدثنا أيضاً في موضوع الملف النووي الإيراني...".

وبشأن بدء المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وشروطها، حدد الرئيس الأسد ذلك بتوفر عاملين الأول" الثقة بين أطراف عملية السلام وثانياً الأسس والمرجعيات التي ستعتمد عليها المفاوضات المباشرة وعندما نهيئ هذه العوامل أو العناصر نستطيع أن ننتقل إلى المفاوضات المباشرة" وأشار إلى أن "هذه المرحلة بحاجة لوجود الولايات المتحدة الأمريكية مع الأطراف الأخرى المشاركة برعاية عملية السلام وعندها نستطيع أن نقول إن رعاة عملية السلام هم الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا طبعاً كبلد أساسي وأي دولة أخرى مهتمة (...) ولكن طلبنا الآن في هذه المرحلة من الرئيس ساركوزي دعم مرحلة المفاوضات غير المباشرة لأنها الطريق الوحيد للمفاوضات المباشرة".

بدوره، أكد الرئيس ساركوزي أن "فرنسا تدعم بكل قواها المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل بوساطة تركية (...) ومن المهم جداً أن يكون اليوم قريباً حين تصبح هناك مناقشات مباشرة بين سورية وإسرائيل لتحقيق السلام (...) وفرنسا مستعدة لكي تكون عرَّاباً من عرابي هذه العملية عندما يحين الوقت لذلك".

وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني قال ساركوزي "إن موقف الرئيس الأسد بالنسبة لهذا الموضوع هو أن حيازة أي دولة أياً كانت للسلاح النووي هي مشكلة.. ولا يخفى على أحد أن هناك علاقات ثقة بين ايران وسورية منذ فترة طويلة جداً.. ومن واجبي أن أقول لرئيس دولة صديقة لإيران أنه يجب القيام بكل المبادرات الرامية إلى إحلال السلام .. وأنا عبرت دائماً عن قناعتي بأن احترام العلاقات أو التحالفات التقليدية لسورية سوف يسمح بأن تسهم في عملية السلام وهذا عنصر أساسي من العناصر التي دفعت فرنسا إلى اتخاذ هذا القرار باستئناف العلاقات مع سورية".

وقال الرئيس الأسد: إن موقف سورية من الموضوع النووي الإيراني "ينطلق من موقفها القديم المعلن قبل طرح الموضوع الإيراني على الساحة الدولية منذ عدة سنوات وهو ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل .. وسورية في عام 2003 قامت بتقديم مسودة قرار لمجلس الأمن حول هذا الموضوع يتعلق بآلية معينة لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ومنع انتشارها فيه، إلا أنه تمت عرقلة التصويت على هذا القرار وبقي بأدراج مجلس الأمن حتى هذه اللحظة".

وأكد الرئيس الأسد أنه "عندما ذهبنا إلى إيران في الزيارة الأخيرة (قبل أكثر من شهر) وتحاورنا وتناقشنا مع المسؤولين الإيرانيين حول هذا الموضوع بالتفصيل لم أسمع أي موقف يختلف عن موقف سورية الذي طرحته الآن".

ورأى الرئيس الأسد أن المشكلة تكمن في أن "هناك عدم ثقة بين إيران والدول المعنية بهذا الملف، وأن النقطة الأساسية التي تهمنا في سورية هي كيف يمكن أن نلعب دوراً في بناء هذه الثقة بهدف إثبات أن البرنامج (النووي الإيراني) سلمي وليس عسكرياً".

ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن سورية "يمكنها أن تلعب دوراً في الملف النووي الإيراني" وكرر موقف فرنسا القائل بأنه "يجب ألا تحصل إيران على السلاح النووي" قبل أن يضيف "ولكن لها (إيران) الحق مثل كل دول العالم في الحصول على الطاقة النووية المدنية".

من جهته، حذر الرئيس الأسد من أن اتباع "أي حل غير سلمي" في معالجة الملف النووي الإيراني سيكون "كارثة" وقال "سنتابع الحوار في هذا المجال مع الجانبين الإيراني والفرنسي ونتمنى أن نصل إلى نتيجة لأن حل هذا الموضوع لا يمكن أن يكون إلا بالحوار وبالطرق السلمية فقط، ولا أحد في العالم يستطيع أن يتحمل نتائج أي حل غير سلمي لأنه لن يكون حلاً بل كارثة".

ورداً على سؤال يتعلق بانطباعه عن موقف سورية من حقوق الإنسان قال الرئيس ساركوزي "لكل بلد ثقافته وتقاليده، وإن قناعة فرنسا الراسخة هي أن الاحترام الكامل لحرية الرأي هو مكسب وليس نقطة سلبية ضد الكفاح ضد الأصولية والتطرف"، وتابع "هذا موضوع كنا تحدثنا عنه أنا وبرنار كوشنير (وزير خارجية فرنسا) خلال زيارة الرئيس الأسد لباريس في تموز الماضي، تحدثنا عن المبادئ والأشخاص وأنا سعيد جداً أننا لاحظنا إطلاق سراح شخصين كانا واردين على القائمة، وتابعنا حديثنا أيضاً حول هذا الموضوع وآمل أن يغتني هذا الحوار بمبادرات أخرى هذه هي أمنيتي اليوم».

وقال الرئيس ساركوزي: إن الرئيس الأسد "كان وفياً لتقاليد عريقة لبلاده(...) ونحن مع الرئيس الأسد نبني علاقة خطوة فخطوة ونريد أن تكون علاقة ثقة.

وأشار إلى أن "الرئيس الأسد قد أعلن عن بعض القرارات وهو احترم هذه القرارات التي اتخذها (في إشارة إلى القرار بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان) وفرنسا كانت قد قطعت على نفسها عدداً من الالتزامات وهذه الزيارة كانت من التزاماتنا واليوم نحترم هذا الالتزام وهكذا نبني هذه العلاقة الجديدة بين البلدين بأن نفهم بعضنا بعضاً وألا نساوم وأن نبني الثقة".

 ساركوزي يعلن من دمشق رغبته ببناء "علاقة ثقة" مع الرئيس السوري
وتناول الرئيس الفرنسي الشأن اللبناني وأوضح أن "الرئيس الأسد يعرف كم أن الرأي العام الفرنسي حريص على استقلال وسيادة لبنان ويسعدني أن ألاحظ أن كل القرارات والالتزامات التي أعلن عنها في باريس قد نفذت وخاصة هذه القمة التاريخية التي انعقدت بين الرئيسين بشار الأسد وميشال سليمان رئيس الجمهورية اللبنانية.. ونأمل أن يستمر هذا التطور الإيجابي وأن يتطور في المستقبل".

وكان الرئيس الأسد أكد في بداية المؤتمر الصحفي أن "فرنسا كان لها دائماً في الماضي والحاضر مكانة خاصة في العالم العربي" وقال: "نحن اليوم مرتاحون في سورية للجهود التي يقوم بها الرئيس ساركوزي لتمتين العلاقات بين فرنسا والعالم العربي على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والحوار المستمر والمتواصل".

ولفت الرئيس الأسد إلى أن "فرنسا بلد هام في أوروبا وهي ترأس الآن الاتحاد الأوروبي للأشهر القليلة المقبلة ونحن دائماً نادينا بدور أوروبي فاعل في قضايا الشرق الأوسط وإننا نشعر اليوم بالسعادة لعودة هذا الدور بعد غياب لعدة سنوات من خلال الديناميكية الجديدة للسياسة الفرنسية سواء في قضايا الشرق الأوسط أو في القضايا الأخرى في مناطق أخرى من العالم".

وشدد الرئيس الأسد على أهمية الزيارات المتبادلة بين الجانبين وأكد أن زيارته إلى باريس في تموز الماضي وزيارة الرئيس ساركوزي الآن إلى دمشق "عززت العلاقات السورية الفرنسية وخلقت جواً من الثقة بين البلدين وأسست لعلاقة صداقة كانت موجودة دائماً بين سورية وفرنسا ولكنها استعادت ألقها اليوم".

وعَرَضَ ساركوزي للعلاقات الثنائية السورية الفرنسية وخاصة في شقها الاقتصادي وقال "تحدثنا عن الملفات الاقتصادية وكذلك المواضيع المهمة التي تسمح لنا بأن نرتقي بالعلاقة الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية كما هي اليوم".

ولاحظ ساركوزي أن "حصة الشركات الفرنسية في الأسواق السورية قد انخفضت كثيراً في السنوات الماضية بينما زادت حصة الدول الأوروبية الأخرى وهذا ليس مفاجئاً نظرا للوضع الذي وجدت فيه علاقاتنا عند وصولي الى الحكم" في إشارة إلى توتر العلاقة في عهد سلفه الرئيس جاك شيراك.

وأضاف ساركوزي: لقد تكلمنا عن تمديد عقد "توتال" (الشركة النفطية) ووجودها في سورية وهذا يتعلق بالسنوات العشر المقبلة وكذلك الأشغال المهمة جداً في مطار دمشق، ومسألة المرافئ، وتكلمنا أيضاً عن طائرات "الإيرباص" (التي طلبت سورية شراءها من فرنسا) والمقاطعة التي تتعرض لها سورية فيما يتعلق بقطع الغيار.

وكان في استقبال الرئيس ساركوزي في مطار دمشق الدولي وزير الخارجية وليد المعلم وسفيرا سورية في باريس وفرنسا في دمشق، بعد ذلك جرى للرئيس الفرنسي استقبال رسمي في قصر الشعب وكان الرئيس الأسد في مقدمة مستقبليه حيث عُزِفَ النشيدان الوطنيان الفرنسي والسوري ثم استعرض الرئيسان حرس الشرف بينما كانت المدفعية تطلق إحدى وعشرين طلقة تحية لضيف سورية.

ويرافق الرئيس ساركوزي وفد رسمي يضم وزير الخارجية برنار كوشنير، ورئيس جمعية الصداقة الفرنسية العربية في مجلس الشيوخ فيليب ماريني، ورئيس جمعية الصداقة الفرنسية العربية في البرلمان جيرار بابت ورئيس الغرفة التجارية الفرنسية العربية هيرفيه دوشاريت ورئيس شركة توتال للنفط كريستوف ديماجوري وعدد من البرلمانيين والمستشارين وممثلي الفعاليات الاقتصادية الفرنسية.

ومن المقرر أن يتابع الرئيسان مباحثاتهما الخميس كما سيقوم ساركوزي بافتتاح مدرسة شارل ديغول الفرنسية في دمشق.

2008-09-04