ارشيف من :أخبار عالمية
القدس في خطر !!
تحل يوم الجمعة المقبل الذكرى الأربعون لحريق المسجد الأقصى المبارك في وقت تشهد فيه مدينة القدس المحتلة ومحيطها أعمال حفر وتنقيب في محيط المسجد من جانب الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين لبناء الهيكل المزعوم، وتنامي ظاهرة الاستيطان بالمدينة لتغيير طبيعتها الديموغرافية على حساب أبناء البلدة من الفلسطينيين.
وقد تزايدت في الآونة الأخيرة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة في مدينة القدس، حيث تتسارع عمليات الحفر والتنقيب مع كثرة عدد الأنفاق الإسرائيلية أسفل المسجد وفي محيطه، ما تسبب في حدوث انهيارات متتالية للطرق والأسوار تنذر بتعرض المسجد لمخطط هدم طمعاً في إقامة الهيكل المزعوم ، وانهيار الدرج الأثري في منطقة سلوان أخيراً، الواقع بين وادي حلوة وما تسمى بمدينة "داود"الى مدخل عين سلوان ، وأعقب هذا إخلاء 1500 مواطن مقدسي من بيوتهم في حي "البستان" داخل بلدية القدس المحتلة وهدم بيوتهم بهدف إقامة مشروع مدينة الملك داود اليهودية لتحقق هيمنة ديموغرافية كاملة للاستيطان اليهودي.
وفي وقت سابق ، أعلنت وزارة اسكان العدو مخططها لبناء أكثر من 70 ألف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات اليهودية المنتشرة في الضفة الغربية، منها نحو 6 آلاف شقة جديدة في محيط القدس الشرقية، كما صدقت على بناء 15 ألف وحدة من تلك الوحدات بهدف مضاعفة عدد المستوطنين اليهود مرتين. ومن أخطر مواقع الوحدات السكنية الجديدة المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أرض أبوديس شرق القدس. ويؤدي البناء في هذه المنطقة إلى عزل الضقة الغربية عن القدس.
وفي السياق نفسه، تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي حالياً بإغلاق المنفذ الوحيد المتبقى للمواطنين المقدسيين من وإلى مركز شمال مدينة القدس وإجبارهم على استخدام المعابر العسكرية للمرور ووضع اليد على مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين في محيط المنطقة بهدف عزل القدس عزلاً كاملاً عن ضواحيها ومحيطها وامتدادها الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني. وقد ترتب على هذا إغلاق ما يزيد على 700 منشأة اقتصادية .
من هذا المنطلق ، تضع "إسرائيل " المدينة شرقها وغربها تحت إدارة بلدية القدس التي تهتم أساساً باليهود في القدس الغربية، وتحاول زيادة أعدادهم في القدس الشرقية.
وبخصوص هذا الموضوع ، قال معهد دراسات القدس الإسرائيلي إن اليهود باتوا يمثلون 65% من سكان القدس، وهناك قرار من الحكومة الإسرائيلية بأن تكون النسبة 70% .
وفي السياق ذاته ، تتسارع وتيرة الهجمة الشرسة التي تشنها سلطات الاحتلال والجمعيات اليهودية المتطرفة على مدينة القدس المحتلة، خصوصاً داخل بلدتها القديمة وفي الدائرة المحيطة والمتاخمة للمسجد الأقصى المبارك في مسعى حثيث ونشط لتهويد المنطقة مرحلة بعد الأخرى وبشكل استكمالي متتالٍ .
وفي هذا السياق ، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) ، عن كشف عائلات مقدسية تسكن في بيوت تاريخية متاخمة للمسجد الأقصى عن تعرض مبانيها لتصدعات وشقوق خطيرة بفعل أعمال الحفريات وتفريغ الأتربة من أسفل ومحيط المسجد والبلدة القديمة، إضافة إلى تأكيدات العائلات المقدسية سماعها ضجيج أعمال الحفريات على مدار ساعات الليل والنهار.
في هذه الأثناء ، كشفت صحيفة "هآرتس " ، أمس ، أن المانحين الأمريكيين لجمعية تشجع الاستيطان في القدس يستفيدون من إعفاء ضريبي تمنحه الولايات المتحدة للهيئات الداعمة "لمشاريع تربوية". وأضافت الصحيفة ان أصدقاء جمعية "عطيريت كوهانيم" الاستيطانية الأمريكيين جمعوا في السنوات الماضية ملايين الدولارات لهذه الجمعية الساعية لتهويد القدس . وأشارت الصحيفة الى ان "أصدقاء عطيريت كوهانيم" تمكنوا من جمع 1،2 مليون دولار خلال السنة المالية 2007 وحدها، وذكرت الصحيفة أن الجمعية تعمل على ترسيخ ما أسماها "الجذور اليهودية" في القدس .
في ظل هذا الواقع، وقبل يوم واحد فقط من لقاء الرئيس المصري حسني مبارك بالرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، وقبل أسبوع واحد من لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في لندن، تبارى وزراء إسرائيليون بارزون في مغازلة اليمين المتطرف .
وفي التفاصيل ، أقدم أربعة من كبار وزراء حكومة نتنياهو على إجراء أكبر تظاهرة دعم للبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية التي تختلف "إسرائيل " بشأنها مع الولايات المتحدة ، حيث تجولوا في البؤرتين "بروخين" و"نوفي نحميا " اللتين تنتظران تحويلهما إلى "مستعمرات قانونية" بعد المصادقة على خارطة هيكلية لهما، كما تجول الوزراء في البؤرة الاستيطانية "حفاة غلعاد".
وقد أدلى وزراء حكومة العدو بتصريحات تؤيد استمرار مخطط الاستيطان ، فاعتبر نائب رئيس حكومة العدو ، زعيم حزب «شاس» إيلي يشاي البؤر الاستيطانية التي تعهدت حكومته بإزالتها مستوطنات شرعية «أنشأتها حكومات إسرائيل». وشدد على أن خطة الفصل في قطاع غزة كانت خطأ جسيما. كما دعا "يشاي " إلى إعادة إقامة مستعمرة "حوميش" في شمال الضفة.
ومن جهته ، طالب وزير الشؤون الإستراتيجية لحكومة العدو "موشيه يعلون " بإعادة النظر في قرار "إسرائيل "، ضمن خطة الفصل قبل أربع سنوات، إزالة مستوطنة حوميش قرب مدينة جنين الفلسطينية في الضفة ، ودعا إلى إعادة استيطانها.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست"، أمس، عن وزير العلوم والتكنولوجيا في حكومة العدو "دانييل هيرشكوفيتش " قوله انه لا يعتقد ان نتنياهو سيتجاوز أيا من الخطوط الحمر التي حددها حزب "البيت اليهودي" لدى دخوله الحكومة. وأعرب عن ثقته بأن نتنياهو لن يجمد بناء المستوطنات. وتابع "لكن عليه التحرك بذكاء والمشي بين حبات المطر لضمان أن يتوافق مع الإدارة الأمريكية". وأضاف انه "يعتقد انه يمكن التوصل الى اتفاق يتيح الاستمرار في الاستيطان من دون الإعلان عن ذلك" .
من جهة أخرى قال هيرشكوفيتش انه يعارض قيام دولة فلسطينية، وأضاف انه لا يعتقد بإمكان التوصل الى اتفاق سلام . وتابع "من الواضح انه ليس هناك شريك".
من جانبه أكد الوزير في حكومة العدو "يولي أدلشتاين "على أنه بعد إزالة عقبة تجميد البناء في المستوطنات سوف نتفرغ للعودة إلى مستوطنة "حوميش"، وشدد على أن الخطأ في إخلاء حوميش يمكن تصحيحه.
وتأتي زيارة الوزراء كنوع من الرد على التدابير التي اتخذها وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك في الأسبوع الفائت لزيادة الرقابة على أعمال البناء في المستوطنات. كما أنها تستبق استعدادات لتنفيذ عمليات هدم لأبنية "غير مرخصة" في المستوطنات وإخلاء بؤر استيطانية وعدت حكومات "إسرائيل" الإدارات الأميركية المتعاقبة بإخلائها.
تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن فهم زيارة هؤلاء الوزراء من دون معرفة أن مفاوضات تجري بين "إسرائيل" وإدارة أوباما لتجميد البناء في المستوطنات. ومعروف أن وزير الحرب إيهود باراك قدم للأميركيين صيغة تجمد فيها إسرائيل الاستيطان لثلاثة إلى ستة شهور ولكن في إطار رؤية إقليمية للسلام. ومن المعروف أيضا أن بنيامين نتنياهو سيجتمع الأسبوع المقبل في العاصمة البريطانية مع المبعوث الرئاسي جورج ميتشيل حيث يقف تجميد الاستيطان على رأس قضايا البحث بين الجانبين.
وفي هذا الإطار فإن هناك من يعتقد أن زيارة وزراء اليمين للمستوطنات تأتي لتسهيل تذرع نتنياهو بأن ضغوطا داخلية تحول دونه والتنازل في هذا الشأن، على الأقل من دون مقابل معقول.
وقد أثارت تصريحات وزراء العدو الأربعة الذين زاروا يوم أمس البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وخصوصا مستوطنة «حوميش» المخلاة قرب جنين، ردود فعل غاضبة من الساسة الخائفين على العلاقات مع أميركا. وأعلن عضو الكنيست "أوفير بينيس " من حزب العمل أن «على نتنياهو أن يقرر ما إذا كان هو رئيس حكومة الشعب أم رئيس حكومة اليمين المتطرف». ووصف تصريحات هؤلاء الوزراء بأنها "عديمة المسؤولية، وتضعنا في مسار تصادمي مع الولايات المتحدة".
كما أن حزب كاديما أصدر بيانا قال فيه إن "نتنياهو يضلل الرأي العام العالمي و"إسرائيل " قد تضطر مرة أخرى لدفع الثمن ". وأشار البيان إلى أن "من حق الجمهور في "إسرائيل" أن يلقى جوابا على السؤال: أي نتنياهو يصدقون؟ ذاك الذي يتحدث عن دولتين لشعبين أم الذي يرسل كبار وزرائه لأداء يمين الولاء لكل البؤر الاستيطانية غير المرخصة وانتهاج خطوات تحبط كل ميزة محتملة لحل دولتين لشعبين».
في غضون ذلك ، أفادت صحيفة "هآرتس" بأن المستوطنين أضافوا مؤخرا 10 بيوت متنقلة (كرافانات) إلى مستعمرة "عيلي" جنوب نابلس شمال الضفة وذلك "بصورة غير قانونية ومن دون تراخيص بناء"، وفق التعبير "الإسرائيلي" الذي يتعامل مع الاستيطان كقضية داخلية.
في المقابل ، تظاهر نحو مئة شخص من اليسار الإسرائيلي وعشرات الناشطين من اليمين الاثنين احتجاجا على وجود مايك هكابي المرشح الجمهوري إلى الرئاسة الأمريكية في اجتماع لدعم الاستيطان في القدس الشرقية .
وفي السياق نفسه ، قال عضو في المنظمة المناهضة للاستيطان (ار امين) الذي شارك في التظاهرة "بانه ليس بالصدفة اختاروا تنظيم هذا الاجتماع في فندق "شيبرد"، فانه أحد المواقع الأكثر تنازعا عليها في المدينة والذي يرمز إلى مشاريع استيطان من أجل السيطرة على أحياء فلسطينية في القدس الشرقية وتهديد المفاوضات المستقبلية .
وفي موضوع السجال الاسرائيلي - الاميركي ، وبخصوص حيال ما يسمي "ضغطاً أميركيا ً" يمارس على "إسرائيل " بشأن تجميد الاستيطان ، فإن ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يبدو كافياً للدلالة على قدرة "إسرائيل "، وبتوظيفها وسائل الضغط عند اللزوم ، رفض الطلب الأميركي بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية فقط والإصرار على تعليق البناء مدة ثلاثة أشهر فقط . وما يدعم هذا الكلام ، ما يطلبه رئيس حكومة العدو "نتنياهو " انه بعد انقضاء الأشهر الثلاثة يجب أن تحدد نقطة انطلاق.. فإذا لم يفِ الجانب العربي بمبادرات حسن النية لإحداث تطبيع في العلاقات فستكون "إسرائيل " مخولة أن تلغي التفاهمات مع الجانب الأميركي وأن تتابع البناء.. وأشارت صحيفة «أحرونوت» إلى أن الخلاف الرئيس في المفاوضات السرية بين الكيان الإسرائيلي وواشنطن لا يعدو كونه على مدة التجميد فقط وليس على وقفه، إذ تشير معطيات الصحيفة حول «صفقة المستوطنات» إلى أن الأميركيين يريدون التزاماً إسرائيلياً بوقف البناء في المستوطنات في العامين القريبين مفترضين أن هذه المدة كافية لإتمام مفاوضات التسوية الدائمة في حين كان سقف المدة التي قدمها الكيان الإسرائيلي لا يتعدى نصف عام في حال تمّ التوصل إلى تفاهمات بشأن استكمال بناء أكثر من ألفي وحدة سكنية في الضفة الغربية .
تقرير : محمد حسين سبيتي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018