ارشيف من :آراء وتحليلات
خلف القناع: طرابلس.. على الوعد يا كمون

كتب مصطفى خازم
بالامس وفيما كان اللبنانيون يراقبون ما يجري في السرايا الحكومي في اليوم الطرابلسي الطويل، استغربت جارتنا أم أحمد ما تشاهد وسألت: "لماذا على طرابلس ان تنزل الى السرايا، بدل أن تذهب الدولة بمؤسساتها إلى طرابلس.."؟
سؤال يستحق الوقوف عنده، وماذا لو باتت هذه السياسة هي السياسة المتبعة في الانماء "المتوازن"، على هذا المنوال، سيكون لكل محافظة يوم، وتالياً لكل مدينة يوم، وصولاً إلى يوم لكل قرية..
ما يعني أن هذه الاجتماعات ستأخذ أكثر من العمر القصير لهذه الحكومة، "طال عمركم".. فقط للاستماع للشكاوى والمطالب، التي يعرفونها جيداً، فجزء كبير منها هم "ارتكبوه"..
فمتى ينفذ ما وعد "الوالي" في "الباب العالي" تنفيذه.. في طرابلس..
الرسالة الاولى وصلت، بسحب اصحاب البسطات الفقيرة من ضفتي نهر أبو علي، طبعاً من أجل السياحة والمنظر العام..
منظر الحجر، أما وجوه الاطفال المعذبة من فقرها، والمتسربة من المدارس، منظر المرضى على أبواب المستشفيات.. فليس من ينظر اليها أو فيها..
هي الطبقة نفسها، هي الوجوه نفسها، تستتر كل مرة خلف قناع جديد..
وعود أغدقت على طرابلس، وقبلها على بعلبك مع ميزانية، عدلت آلية صرفها لتذهب الى حيث "الحاجة" ملحة، وكأن البلد ليس كله بحاجة ملحة..
طرابلس اليوم تغرق في الظلام، وفي شح المياه وفي الفقر الذي سببته نفس الوجوه "الكالحة" التي ركبت "ظهر" الطرابلسيين بحجة.. او بغير حجة..
البلد لا يطيق الانتظار..
لا بد من فرز بين الصالح والطالح..
بين من سرق مال الشعب.. ومد يده على "خرج" الدولة.. وبين الشعب المحتاج..
بدل ان تذهب الدولة الى الشعب والمناطق المحرومة لتبحث كيف تقدم له الخدمات..
على الشعب الحضور الى السرايا لتقديم عريضة للوالي..
وبعده ينظر جنابه بالعريضة.. وربما يرميها في أقرب سلة مهملات..
من أين هذه الثقة بأن الوعد لن يصدق..
راجعوا دفاتر الذاكرة وهاتوا وعداً واحداً صدق فيه هؤلاء مع طرابلس.. او مع أي بقعة من لبنان..
اما مدعاة استغراب "جارتنا" فمنبعه هو وحدة المعاناة، وإن كان لطرابلس في هذه الايام خصوصية، ولا سيما بعد أزمة نهر البارد، والفيلم الاميركي الطويل في حرب "التبانة وجبل محسن".. والتفجير الذي استهدف الجيش وعناصره وهم في رحلة الشرف لحماية حدود الوطن..
كل لبنان يئن من الكهرباء والماء والغلاء..
كل المدن تعاني من ازمة السير، وعدم تطبيق النظام والفوضى في البناء..
كل الناس تشعر ببعضها وتحس ببعضها، الا أن هناك مفقودا واحدا في كل المعادلات.. إنها الدولة..
الدولة التي تؤمّن الكهرباء والماء وتكبح جماح الاسعار.. وتؤمن المساكن لمن ارتكبوا مخالفات البناء..
الدولة التي تدافع عن شعبها.. أمام أي عدوان..
الدولة ليست على السمع.. ومن لا يصدّق.. يمكنه انتظار تحقيق الوعود، وعلى الوعد يا كمون..
بالمناسبة أم أحمد دمر بيتها في عدوان تموز 2006، وهي حتى اليوم لم تقبض الدفعة الاولى من إعادة الإعمار.. فمن يسمع!
الانتقاد/ العدد 1296 ـ 5 أيلول/ سبتمبر 2008