ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: بين الطوّافة والطائف..

على العهد: بين الطوّافة والطائف..
كتب إبراهيم الموسوي
يصر تحالف قوى 14 شباط أو ما سمي اصطلاحاً على مدى المرحلة الماضية فريق الموالاة على فتح باب السجال واسعاً واستثارة كل أنواع الغرائز الطائفية من خلال الاستمرار في اللعب على وتر حادث الطوّافة الأليم. قيادة الجيش اللبناني كانت واضحة في وضع الأمور في موضعها وعدم تحميلها أكثر مما تحمل، ووزير الدفاع الياس المر أدلى بمعلومات وتفاصيل مفيدة جداً لتبيان ما حدث، حيث أورد أن الطوّافة ليست من النوع الذي اعتاد الجيش اللبناني استعماله، كما أن العلم اللبناني لم يكن ظاهراً عليها، أما رئيس الجمهورية فقد كان أكثر وضوحاً بالتدليل على أن ما جرى كان مجرد خطأ لا يحتمل أية تفسيرات أخرى، وخصوصاً أن العلاقة بين الجيش والمقاومة ممتازة، ولا يمكن أن يعكّر صفوها شيء حين قال: "ألم تسمعوا مرات عدة أن جيوشاً قصفت  عسكرييها خطأ؟"، "ألم تسمعوا بجيوش أطلقت النار على طائراتها خطأ؟ هذا يحصل لدى أفضل الجيوش وأرقاها، الحادث حادث".
أما المقاومة من جهتها، فقد سارعت إلى اتخاذ اجراءات للتعاون الكلي مع قيادة الجيش في التحقيق، وتسليم مطلق النار على المروحية، وعبّرت عن الألم الشديد جرّاء ما جرى معتبرة إياه خسارة للمقاومة مثلما هو خسارة للجيش اللبناني، ومؤكدة على عمق العلاقة وشراكة الدم بينها وبين الجيش قيادة وأفراداً.
هذا منطق أصحاب الشأن فيما جرى، أما المتضررون من حكمة الجيش والمقاومة في التعاطي مع هذا الملف، فقد أفرغوا وما زالوا كل سمومهم، وعملوا وما يزالون على جعل الموضوع مادة سجال اعلامية، ومحل استثارة طائفية، لا بل إنهم استنكروا على الجنرال ميشال عون مطالبته بمحاسبة من يحاول استعمال الحادث الأليم كمطية للفتنة، من خلال دس الوقائع واختلاق الأكاذيب وحرف الحقائق وتحويرها، ومن خلال إعطاء الأحكام المسبقة متخطين القضاء ومهماته. ويمكن الاشارة هنا إلى الحملة المنسّقة التي يديرها اعلام فريق 14 شباط ولا سيما جريدة المستقبل التي أصدرت حكماً قضائياً في عددها الصادر يوم الخميس، معتبرة أن الشهيد سامر حنا "قتل غدراً وغيلة وبدم بارد".
يبدو واضحاً أن فريق 14 شباط قد أزعجته قدرة وحكمة قيادتي الجيش والمقاومة على احتواء الموضوع ومعالجته بهذه السرعة، إذ إن هذا الفريق يريد استثمار دماء الشهيد حنا حتى آخر لحظة في بازار مساوماته السياسية الضيقة، وهو ما لن يكون أبداً.
وفي مقابل منطق فريق 14 شباط الفتنوي في موضوع الطوّافة، يبرز كلام الرئيس ميشال سليمان في موضوع الطائف، وضرورة إعادة بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية إليها، وكلامه على إعطاء افرقاء الحوار  الحق في توسيع المشاركة فيه أيضاً ليفتح صفحة جديدة بالاتجاه الصحيح في الكلام والفعل التأسيسيين للوطن، ويبدو لافتاً أن هذا الكلام  قد جاء بعد زيارة الرئيس سليمان لكل من سوريا وقطر، وما تلقاه من دعم مهم بضرورة المضي في مسيرة انقاذ البلد حتى النهاية من خلال تطبيق اتفاق الدوحة.
انهما خطابان متنافران بالطبع، إذ لا يمكن أن نجمع منطق الفتنة ومنطق التأسيس معاً، والأمل أن يعي هؤلاء ويرعووا قليلاً، رحمة بما تبقى من بلاد وعباد، اللهم إلا إذا كانت الخسارة عندهم من نوع الإدمان الذي لا يُعالج، فساعتئذٍ سيراكمون المزيد من الخسارات، وأما الحريصون على البلد وأهله فسيجنون نتاج حرصهم مزيداً من النجاح والفلاح والمنعة والحرية والسيادة والاستقلال!
الانتقاد/ العدد 1296 ـ 5 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-05