ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: قمة الأربعة في دمشق الدلالات ـ والأبعاد

حدث في مقالة: قمة الأربعة في دمشق الدلالات ـ والأبعاد
كتب مصطفى الحاج علي
إن مجرد الإعلان عن عقد قمة رباعية في دمشق تجمع كلاً من الرئيس الفرنسي والرئيس السوري والتركي إضافة إلى أمير قطر، هو حدث سياسي له دلالاته البارزة:
أولاً: أن تكون دمشق هي مكان انعقاد القمة، وبمعزل عن الحيثيات التي لها صلة بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى دمشق، يضيف اليها رصيداً سياسياً ومعنوياً مهماً في توقيته وأبعاده خصوصاً لجهة ما يعكسه من راحة سورية بالنسبة إلى وضعها الإقليمي والدولي، تنهض على نجاحها في كسر العزلة التي حاولت واشنطن فرضها عليها طويلاً، وبالتعاون مع العديد من أنظمة المنطقة عربياً، وفي طليعتها النظامان المصري والسعودي، وما يعزز من قيمة هذا الرصيد السياسي هو أنه يتنامى في الوقت الذي يعاني هذان النظامان اخفاقات كبيرة في سياستهما المعتمدة في المنطقة.
ثانياً: إن هذه القمة تنعقد في الوقت الضائع اميركياً، أو في المرحلة الانتقالية بين عهد الإدارة الحالية، والإدارة الجديدة القادمة بمعزل عن هويتها الديموقراطية أو الجمهورية، وكأي مرحلة فراغ فهي تشكل فرصة للعديد من القوى الأساسية الفاعلة دولياً وإقليمياً للعب أدوار مهمة، تحاول من خلالها حجز مواقع وأدوار لها للمستقبل. وقد يكون البعض منها لمجرد ملء الفراغ حتى لا تذهب الأمور باتجاهات تعاكس مصالح هذه الدول.
ثالثاً: إن طبيعة الدول المشاركة في هذه القمة تدل على انتقال الثقل السياسي في هذه المرحلة من أيدي دول إلى أيدي أخرى، فبعد أن كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب هم من يمسكون ادارة دفة الأمور، إذ بها تنتقل اليوم إلى فرنسا كممثلة للاتحاد الأوروبي، وتركيا، وكل من قطر وسوريا، التي ترأس الأولى منظمة دول الخليج العربي، في حين ترأس الثانية زعامة القمة العربية.
رابعاً: يأتي انعقاد القمة في توقيت بالغ الخطورة: فهناك تدفق التهديدات الإسرائيلية بحق لبنان وإيران معطوفة على الحشود العسكرية الاميركية والفرنسية والبريطانية في المنطقة عموماً والخليج تحديداً، في مؤشرٍ إلى ارتفاع منسوب الحرب على الجبهة الإيرانية ـ الاميركية، وفي الوقت الذي تشهد منطقة البلقان والقرم تداعيات الحرب الروسية ـ الجورجية وأبعادها الاستراتيجية، اضافة إلى العقبات التي تواجه التسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، في الوقت الذي يشهد المسار السوري ـ الاسرائيلي حراكاً لافتاً.
خامساً: إذا أخذنا مجموع الدول المشاركة في القمة نلاحظ بسهولة أنها مجتمعة على تواصل وتماس مع جملة من الملفات الرئيسية أبرزها: الملف الإيراني ـ ملف التسوية على المسار السوري ـ الاسرائيلي ـ الملف اللبناني، والملف الجورجي ـ الروسي، خصوصاً بالنسبة لتركيا وفرنسا مباشرة، وبالنسبة إلى سوريا على صعيد النتائج والانعكاسات، هذا من غير أن ننسى الأبعاد الاقتصادية الخاصة بالعلاقات الفرنسية ـ السورية أساساً.
كل ما تقدم، يقودنا إلى الاستنتاجات الرئيسة التالية:
ـ أننا أمام تنسيق جهد مشترك أوروبي عموماً وفرنسي تحديداً مع تركيا وقطر، الهدف منه تفعيل مسار التفاوض السوري ـ الاسرائيلي.
ـ أننا أمام سياسة فرنسية أساساً تستهدف فتح خيارات مغرية أمام سوريا بهدف أخذها بعيداً ولو بشكل  استراتيجي عن ايران، وتكتيكياً بهدف تحييدها عن المواجهات التي قد تكون مقبلة عليها المنطقة، سواء باتجاه ايران، أم باتجاه لبنان.
وربما هنا تحديداً قد يكون منشأ قلق فريق في لبنان الذي لا بد من أن يخضع مجدداً لسياسات المقايضات ما دامت الأثمان المطلوبة كبيرة ونوعية، ولا ينفع معها فتات الموائد.
ـ أننا أمام مؤشرات جيوبوليتكية جديدة ترتسم من خلالها خريطة قوى ومصالح متداخلة ومعقدة، ويجري من خلالها أيضاً اعادة رسم للمواقع والأدوار، في منطقة متداخلة جيو ـ سياسياً واستراتيجياً ما بين الشرق الأوسط، ومنطقة القرم والبلقان.
ـ ان حجم التطورات في المنطقة لا يلغي أهمية الملف اللبناني، وإن كان لا يضعه في نفس المرتبة من الاهتمام، ولا في نفس الموقع الوظيفي.
ـ هل كل هذا الحراك يراد منه ان يستبق انفجاراً أو انفجارات كبيرة قد تصيب المنطقة، أم أنه لا يعد أكثر من التقاط لفرصة في الوقت الضائع الاميركي؟
ان الاحتمال الثاني يبدو تحصيل حاصل، في حين أن الأول يحتاج إلى متابعة واهتمام دقيق، حيث لا يمكن عدم أخذ التهديدات الاسرائيلية، والاميركية إلا بجدية.
الانتقاد/ العدد1296 ـ 5 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-05