ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: اللعب بالتاريخ

كتب حسن نعيم
في ما يشبه الطواف العكسي نحو لحظات تكوّن المجتمعات البشرية الأولى, تعود أعمال الدراما التاريخية في شهر رمضان المبارك لتستحضر التاريخ, وتستنطق أحداثه ما ظهر منها وما خفي بين تلافيف الأيام والقرون الخوالي.
لا شك أن هذه الدراما شكلت محاولة فنية للإجابة عن أسئلة الحاضر الراهن عبر إعادة قراءة التاريخ, واستخلاص العبر والدلالات منه لاتخاذ موقف يتزامن مع الأحداث التي تواجه العالم العربي وخصوصاً القضية الفلسطينية, قضية العرب والمسلمين المحورية على تباين الاهتمام بشأنها بين الأنظمة.
الذهاب او الالتجاء الى هذا النوع من الدراما جاء نتيجة ظروف الواقع السياسي الذي يعيشه العالم العربي كما قال المخرج السوري "نجدت أنزور", لكن المسألة ليست بهذه السهولة, فمن جهة ينبغي على الفنان أن يشارك مجتمعه في التصدي لما يتعرض له من أخطار, ومن جهة أخرى لا يمكن للنظرة الإخراجية أن تشكل رؤية جديدة للصراعات ما دام التعامل مع المادة التاريخية ينطوي على نظرة تقديسية للمعطى التاريخي, "فلا يمكن اللعب بالتاريخ على مستوى الصورة" يقول أنزور وغيره من المخرجين السوريين الذين برعوا في هذا المجال الدرامي, وتمكنوا من ابتكار ما عرف بالفانتازيا التاريخية التي استنطقت ظواهر التاريخ محولة المعطى التاريخي إلى حدث فني يفيد من المادة التاريخية الخام ويتجاوزها بعد ان يضيف اليها عنصر التخييل، رابطاً إياها (المادة التاريخية) بالواقع الراهن في شكل فني جديد يموج بالجماليات المشهدية.
لكن "الفانتازيا التاريخية" التي نجحت في كسر جمود ورتابة كلاسيكيات الدراما التاريخية العربية بالغت في شطحاتها الخيالية، ولم تراع الدقة في التعامل مع الظروف الزمكانية التي وقعت فيها الأحداث, ففي بعض المسلسلات ـ على سبيل المثال ـ تتم صناعة مركب ويتم وضعه في النهر مع العلم أن المنطقة الصحراوية التي تجري فيها الأحداث وصراعات القبائل والمفترض أنها "تغلب" و"بكر" لا يوجد فيها أنهار أصلاً.
لا بد للمشتغل فنيا على التاريخ أن يحيط بالظروف الزمكانية للحدث التاريخي, ولا بد له من امتلاك مخزون ثقافي عميق كي لا يبدو مولوده الفني منبثقا من الفراغ, وعندها لن يصيب إلا الفراغ.
الانتقاد/ العدد1296 ـ 5 أيلول/ سبتمبر 2008
في ما يشبه الطواف العكسي نحو لحظات تكوّن المجتمعات البشرية الأولى, تعود أعمال الدراما التاريخية في شهر رمضان المبارك لتستحضر التاريخ, وتستنطق أحداثه ما ظهر منها وما خفي بين تلافيف الأيام والقرون الخوالي.
لا شك أن هذه الدراما شكلت محاولة فنية للإجابة عن أسئلة الحاضر الراهن عبر إعادة قراءة التاريخ, واستخلاص العبر والدلالات منه لاتخاذ موقف يتزامن مع الأحداث التي تواجه العالم العربي وخصوصاً القضية الفلسطينية, قضية العرب والمسلمين المحورية على تباين الاهتمام بشأنها بين الأنظمة.
الذهاب او الالتجاء الى هذا النوع من الدراما جاء نتيجة ظروف الواقع السياسي الذي يعيشه العالم العربي كما قال المخرج السوري "نجدت أنزور", لكن المسألة ليست بهذه السهولة, فمن جهة ينبغي على الفنان أن يشارك مجتمعه في التصدي لما يتعرض له من أخطار, ومن جهة أخرى لا يمكن للنظرة الإخراجية أن تشكل رؤية جديدة للصراعات ما دام التعامل مع المادة التاريخية ينطوي على نظرة تقديسية للمعطى التاريخي, "فلا يمكن اللعب بالتاريخ على مستوى الصورة" يقول أنزور وغيره من المخرجين السوريين الذين برعوا في هذا المجال الدرامي, وتمكنوا من ابتكار ما عرف بالفانتازيا التاريخية التي استنطقت ظواهر التاريخ محولة المعطى التاريخي إلى حدث فني يفيد من المادة التاريخية الخام ويتجاوزها بعد ان يضيف اليها عنصر التخييل، رابطاً إياها (المادة التاريخية) بالواقع الراهن في شكل فني جديد يموج بالجماليات المشهدية.
لكن "الفانتازيا التاريخية" التي نجحت في كسر جمود ورتابة كلاسيكيات الدراما التاريخية العربية بالغت في شطحاتها الخيالية، ولم تراع الدقة في التعامل مع الظروف الزمكانية التي وقعت فيها الأحداث, ففي بعض المسلسلات ـ على سبيل المثال ـ تتم صناعة مركب ويتم وضعه في النهر مع العلم أن المنطقة الصحراوية التي تجري فيها الأحداث وصراعات القبائل والمفترض أنها "تغلب" و"بكر" لا يوجد فيها أنهار أصلاً.
لا بد للمشتغل فنيا على التاريخ أن يحيط بالظروف الزمكانية للحدث التاريخي, ولا بد له من امتلاك مخزون ثقافي عميق كي لا يبدو مولوده الفني منبثقا من الفراغ, وعندها لن يصيب إلا الفراغ.
الانتقاد/ العدد1296 ـ 5 أيلول/ سبتمبر 2008