ارشيف من :أخبار لبنانية

تأليف الحكومة: أي صيغة في المستقبل؟

تأليف الحكومة: أي صيغة في المستقبل؟
من يخطط للحكومة وهيكليتها وأعضائها موجود خارج لبنان ينتظر تبلور نتائج محددة لاتخاذ القرار المناسب

ليلى نقولا الرحباني
منذ ما يفوق خمسين يومًا تمّ تكليف النائب سعد الدين الحريري بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية في لبنان، وما زال التأليف مؤجلاً لغاية اليوم، فلا الحكومة تشكّلت، ولا يبدو النائب الحريري مستعجلاً لتشكيلها، بل هو على ما يبدو مرتاح لمسار الأمور، يعمل على تأجيلها، وهناك من يصطنع العراقيل والأعذار للتأجيل والتسويف.
منذ ما قبل التكليف وهناك إشارات واضحة الى أن موضوع الحكومة اللبنانية مرتبط الى حد بعيد بمسارات اخرى بعيدة كل البعد عن الأوضاع الداخلية وأجوائها. بل ان من يخطط للحكومة وهيكليتها وأعضائها موجود خارج لبنان، ينتظر تبلور نتائج محددة لاتخاذ القرار المناسب.
وبغض النظر عمن يقرر مصير الحكومة اللبنانية في الخارج، وبغض النظر عن مصير الحكومة المقبلة، وهل يعتذر سعد الحريري أم يستمر، بات من البديهي اليوم بعد التجربة التي حصلت مع سعد الحريري وقبله فؤاد السنيورة، أن هناك خللاً وعطلاً في النظام، يجعل بمقدور شخص بمفرده أن يعطل البلاد، فلا يؤلّف الحكومة ولا يعتذر ولا يتقيد بمهل زمنية تجبره اما على تأليف حكومته والتقدم من المجلس النيابي لنيل الثقة، أو الاعتذار عن المهمة، ما يفضي الى قيام استشارات نيابية جديدة تؤدي الى تكليف شخص آخر.
قام الدستور اللبناني المعدّل بعد اتفاق الطائف بتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة اللبنانية في المادة 64، كما حوّله من رئيس للوزراء يقوم رئيس الجمهورية بتعيينهم ويسمّي من بينهم رئيسًا بموجب نصوص دستور 1926 التي لم تكن تطبق، بل كان العرف القائم هو أن يسمّي رئيس الجمهورية رئيسًا للحكومة ويكلفه بتشكيلها. وقد أتت المادة 53 من الدستور المعدّل عام 1990 لتقنن العرف وتكرّسه بنص دستوري، وتحوّل رئيس الحكومة اللبنانية من رئيس معيّن الى ما يشبه رئيس "منتخب" من قبل البرلمان في الاستشارات النيابية الملزمة التي يقوم بها رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس المجلس النيابي.
وإذا كان هدف الطائف والتعديلات التي طرأت على الدستور اللبناني بناءً عليه، هو تحويل الثنائية التنفيذية في النظام اللبناني من ثنائية شكلية لمصلحة رئيس الجمهورية الى ثنائية فعلية تتوزع فيها صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فإنه بالتأكيد ـ كما بيّنت التجارب ـ قد فشل في هذه المهمة، فتعطّل البلد وتعطّلت مصالح الناس في أكثر من مناسبة وأكثر من مرحلة.
لم تخلق صيغة الطائف أي امكانية للتوازن في النظام، بل عطلت امكانية الرقابة الفعلية والمحاسبة، وجعلت من رئيس الحكومة اللبنانية "ديكتاتورًا مقنّعًا" يحكم كما يشاء ويضرب بعرض الحائط جميع التوافق الوطني والارادة الشعبية. ولنا في تجربة حكم السنيورة في السنوات الأربع المنصرمة تطبيق حيّ ودقيق لصيغة الطائف، التي كشفت عن وجهها الحقيقي بعد خروج السوريين من لبنان وإزالة التوازن "المصطنع" الذي فرضوه.
من هنا، وإذا كان لا بد من الاتعاظ بالتجارب والبناء عليها للسير بلبنان وصيغته ونظامه نحو الافضل، على نواب الأمة الكرام وعلى المسؤولين السياسيين بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية ـ التي نرجح أنها لن تشكّل قبل انتهاء شهر رمضان ـ ان يبحثوا بشكل جدّي وعميق كيف يمكن تجنيب البلاد أزمات سياسية كالتي حصلت، وبالتالي البحث عن صيغة جديدة تعكس ما تمّت الاستفادة منه من خلال تجارب تطبيق صيغة الطائف، التي أوقعت البلاد في "ترويكا" من المحاصصة الطائفية والسياسية والفساد والدين العام خلال حقبة ما قبل خروج السوريين من لبنان، وفرضت واقعًا من الاستئثار والتهميش والتفرد بعد خروجهم.
2009-08-22