ارشيف من :تشكيلات

نقطة حبر:استقبالات باب الحارة

نقطة حبر:استقبالات باب الحارة

حسن نعيم
الاستقبال الشعبي الكبير الذي لقيته أسرة باب الحارة في مدينة الهرمل ضمن فعاليات مهرجان الهرمل الثقافي الثالث، يقول الكثير من المهتمين بالشأن السياسي والثقافي، إنها تجربة تستحق التوقف عندها ملياً. فالناس الذين احتشدوا قبل ساعات من موعد وصول الممثلين وأقاموا حلقات الدبكة الشعبية وتهالكوا في محاولاتهم الدخول الى القاعة المخصصة للحوار معهم في شؤون وشجون الدراما السورية والآتي من أحداث المسلسل في جزئه القادم, هؤلاء الناس كان لديهم ما يقولونه، أو كان لديهم بالحد الأدنى ذلك الفيض من المشاعر التي يريدون التعبير عنها.

هذه الحرارة والحفاوة التي قلما تتوفر في استقبالات رجال السياسة والثقافة في لبنان والعالم العربي ماذا تقول لكل هؤلاء؟ وإلامَ تشير؟ إنها بلا شك تشير الى وجود مشكلة هي عبارة عن فجوة عميقة بين الشارع العربي وما يسمى بالنخبة الثقافية والسياسية. فاستقبالات "باب الحارة" ـ هذا المسلسل الرمضاني الذي استطاع أبطاله الدخول في قلوب الناس من دون استئذان ـ تفرض نوعاً من التحدي على النخبة السياسية والثقافية العربية. هذا التحدي مفاده ان قلوب الناس التي تشكل قلاعاً منيعة أمامكم نحن نلجها بلا عصبيات وبلا نعرات طائفية ومذهبية، إنما بالفن.

الفجوة موجودة, وأسبابها كثيرة, ولسنا هنا في وارد تعداد أسبابها، وإن ما ينبغي فعله هو ردمها، وعلى عاتق الطرفين النخبة والجمهور تقع هذه المهمة. وكي لا نقع في الدوائر المغلقة حيث الكل يرمي باللائمة على الكل، نقول انه من غير الصحيح أن تستسلم النخبة لأهواء الشارع، وفي الوقت عينه ليس صحيحاً الاستعلاء والتغاضي عن هموم الناس الحقيقية, واصطناع معارك سياسية وثقافية لا تعنيهم من قريب أو بعيد.

وإذا كان على الجمهور أن يكون مع نفسه أولاً وأن لا يقايض همومه وقضاياه الأساسية بانتماءات واهتمامات ضيقة لا تزيده الا تخلفاً، فعلى النخبة أن تكف عن النظر الى ذاتها ومصالحها كمحور تدور حوله رحى هذا الكون. وإذا كان كل ما يعني هذه النخبة هو البقاء في مواقعها, فإن عليها أن تعلم أن التصاقها بقضايا مجتمعاتها يديم عليها هذه النعمة، وإلا فستكون ريشة في مهب ريح تتقاذفها ذات اليمين وذات اليسار بعيداً عن جذورها وناسها وتاريخها.
2009-08-22