ارشيف من :أخبار عالمية
خاص الانتقاد.نت - مؤتمر فتح السادس: السلطة تأكل الثورة وأبناءها!
خالد أبو حيط *
في القرآن الكريم تصوير جلي وواضح حول جدلية الهدف والوسيلة. والشرك الذي يحاربه الوحي الإلهي هو، في إحدى صوره، انقلاب للعلاقة بين الهدف والوسيلة، بحيث تصبح الوسيلة أسمى من الهدف. فالقرآن الكريم يقرر عن المشركين أنه: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله"، وإن سألتهم عن عبادة الأصنام يكون الجواب: "ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى". وغني عن البيان أن الأصنام لم تعد في عقلية الشرك واسطة بين الله والناس، بل أصبحت معبودة بذاتها، حجبت وراءها الإيمان الحقيقي بالله.
حركة فتح ليست وحدها المصابة بهذا الداء العضال. فكثير من حركات التحرر ولجان الأنشطة السياسية والاجتماعية تتغير وجهتها مع توالي الأحداث والغوص أكثر فأكثر في العمل الميداني. وهو ما دأب الفلاسفة والمنظرون السياسيون والفكريون على تسميته بعلاقة الفكر والواقع. وللانصاف أكثر، نقول أن كثيراً من الحركات الإسلامية نفسها ليست منيعة على هذا المرض.
قيل الكثير حول مؤتمر فتح السادس، من داخل فتح وخارجها. وليس ثمة داع لتكرار ما قيل. ولكن تجدر الإشارة هنا الى مجموعة من القضايا التي رافقت المؤتمر السادس ولا زالت تتردد أصداؤها رغم انتهاء جلسات المؤتمر، ما يساعد ربما على تحديد الصورة العامة في المشهد الفتحاوي خاصة، والمشهد الفلسطيني عامة.
الملاحظة الأولى تتعلق بمكان وزمان انعقاد المؤتمر. كل ما قيل عن انتصار فتحاوي في عقد المؤتمر على تراب وطنية فلسطينية جميل ويداعب المشاعر والعواطف، ولكنه يجافي حقيقة واحدة: أن المؤتمر عقد تحت الاحتلال والحراب الإسرائيلية. فالاحتلال، وحكومة نتنياهو، وربما مكتبه شخصياً كان له الكلمة الفصل في تحديد أسماء ولوائح القادمين الى بيت لحم سواء من داخل الضفة الغربية أو من خارجها. يعني ذلك ضمناً أن الاحتلال كان على دراية كاملة وتفصيلية بكل ما سينتج عن المؤتمر، بل وشريكاً أساسياً فيه، بدءاً من قوائم الحضور، مروراً بأسماء المرشحين، وانتهاءاً بالبرنامج السياسي والبيان الختامي للمؤتمر.
وعلى صعيد التوقيت الزمني، يأتي هذا المؤتمر في ظل ظروف داخلية ومحلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد والتداخل، معروفة للجميع، لكن أبرزها وما يتعلق منها بما سيأتي في قابل الأيام: الحديث عن قرب إطلاق إدارة أوباما لمقاربتها أو مشروعها حول التسوية في الشرق الأوسط.. والحديث المتزايد عن ضغوط يقوم بها موفده الخاص الى الشرق الأوسط على كافة الحكومات والأطراف المعنية العربية منها والإسرائيلية. ما يعني أن عقد المؤتمر ونتائجه تمثل، في جزء أساسي منها توضيب البيت الفلسطيني لقابل الأيام، ابتداء من حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، استعداداً للقادم الجديد. لا سيما وأن كثيراً من التقارير الصحفية تحدثت عن ضغوطات مارستها الإدارة الأمريكية على حكومة نتنياهو لتسهيل عقد المؤتمر بما يتوافق مع مطالب محمود عباس.
الملاحظة الثانية، تتعلق بالأجواء التي رافقت المؤتمر، ولا سيما ضمور أو غياب الأصوات الفتحاوية التي علت قبل المؤتمر وكانت تهدد بنسفه من الداخل. أبرز تلك الأصوات كان صوت رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية الذي فجّر قنبلة شبهة تآمر محمود عباس شخصياً في اغتيال الراحل ياسر عرفات. وعلى خلاف المتوقع، خفت صوته وغاب، بل وحاول مدير مكتبه في دمشق جهده عبر الوسائل الإعلامية تصوير أن تصريحات القدومي أخذت الى غير محملها، وتحدث بنبرة ودودة غير مألوفة تجاه مؤتمر فتح ونتائجه بالرغم حتى من إقصاء القدومي عن اللجنة المركزية وفقدانه لموقعه في الحركة. وهو الأمر الذي يفتح المجال أمام القول أن جهوداً عربية بذلت للضغط على كافة الفرقاء الفلسطينيين بهدف مساعدة، أو على الأقل عدم عرقلة، مساعي عباس في توضيب البيت الفلسطيني على النحو الذي يراه هو مناسباً، مجدداً، استعداداً للقادم الجديد.
الملاحظة الثالثة تتعلق بنتائج المؤتمر. فما خلا حقيقة انعقاد المؤتمر فوق أرض فلسطينية - مع تجاهل الاحتلال وتناسيه - وإجراء انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وفوز محمود عباس رئيساً لحركة فتح بدون منازع، فإن نتائج المؤتمر هي صفر. الحديث هنا ليس عن القضايا الوطنية الكبرى للشارع الفلسطينية، وما أكثرها وأعقدها وأثقلها! بل عن قضايا تنظيمية وحركية تتعلق بحركة فتح ذاتها صاحبة المؤتمر الذي من المفترض أن يعالج مشاكلها على الأقل. غابت تماماً عن نتائج المؤتمر حل قضايا جوهرية تعني كل الفتحاويين، أبرزها: اغتيال الرئيس السابق ياسر عرفات، الفساد الداخلي، تحديد المسؤولية عما جرى في غزة، علاقة فتح والسلطة، الهيئات التنظيمية والحركية، إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، ... الخ. صحيح أن المناقشات في أروقة المؤتمر كانت صاخبة حول جميع هذه القضايا، لكن النتائج الأخيرة للمؤتمر لم تقدم إجابة واحدة شافية ولا غير شافية حول أي منها. اللهم إلا تشكيل لجنة تحقيق حول إغتيال الشهيد ياسر عرفات، صاحب المقولة الشهيرة: إذا أردت أن تميت قضية فشكّل لها لجنة!!
هذه الاحتفالية حول نجاح المؤتمر رغم تواضع انجازاته حتى على المستوى الحركي يدفع الى التساؤل حول حقيقة الهدف الذي من أجله تم عقده. الاحتفال بالنجاح يعني أن الهدف الأساس قد تم انجازه: فوز تيار الرئيس محمود عباس ونجاحه في الإمساك على مفاصل الحركة وإبعاد المعارضين في الداخل وفي الخارج على حد سواء. لقد أصبحت حركة فتح الآن حزب السلطة بالمعنى الحرفي للكلمة.. لم تعد فتح هي الحركة القابضة على السلطة، بل أصبحت حزب السلطة ذاته.. الحركة التي تقبض عليها السلطة. إن الثورة تأكل أبناءها حقاً، بل وتلتهمهم!!
بناء عليه، فإن تحديد ملامح المرحلة المقبلة تتجاوز حركة فتح وصراعاتها الداخلية الى السلطة ذاتها التي أطبقت على السلطة. وعليه أيضاً فإن التحديق فب السماء التي وصلت الى عضوية اللجنة المركزية سيكون له دوراً حاسماً في تحديد ملامح المشهد القادم. أربعة من ثمانية عشر عضوا جاءوا من الأجهزة الأمنية.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المشهد القادم سيكون أمنياً ودموياً بامتياز مع التذكّر هنا أن الجنرال دايتون هو الذي يعيد تشكيل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية في الضفة الغربية. وبهذا المنطق يصبح التساؤل حول دموية ما حصل في رفح كجزء من الملحمة القادمة مشروعاً!! مع الاستدراك سريعاً أن هذا لا يعني أن ما حصل في رفح ليس له جذور أخرى: فكرية واجتماعية ليست مقطوعة عن المشهد العربي العام. المشهد العربي!! ذلك ما يجب رصده في المرحلة المقبلة خاصة ما يتعلق منه بما هو آت في غزة.
واستطراداً، يبدو أن الرئيس عباس ملتزم بقوة بأجندة زمنية لترتيب الوضع الداخلي على المستوى الفلسطيني العام استعداداً للمولود الأمريكي القادم. فقد سارع غداة انتهاء أعمال المؤتمر الى تحديد موعد لعقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني، يقول المراقبون والمعنيون أنها ستكون في الغالب دورة تكميلية. هذا يعني أن هذه الدورة لن تستطيع مناقشة السياسات الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بل فقط ملء المقاعد الشاغرة في المجلس وفق ما تنص عليه الأنظمة الداخلية. تأتي هذه الخطوة استباقية لنتائج محادثات القاهرة، ما يعني أن الرئيس عباس يحث الخطى على إطباق اليد على كل مصادر القرار الفلسطيني: داخل فتح، وداخل منظمة التحرير، وداخل السلطة الوطنية. الكلمة الوحيدة التي قالها الرئيس عباس والتي لها معنى خاص هي الثبات على موقفه من وقف التفاوض حتى تجميد الاستيطان.. وهذا بعينه هو الشرط الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية لتسهيل إعلان ولادة المشروع الأمريكي.. موقف الرئيس عباس ضمن السياق وليس خارجاً عليه.
ثمة أمر خطير آخر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا السياق. لقد غاب اللاجئون كلياً عن المؤتمر الفتحاوي. ليس المقصود هنا تلك الجملة الممجوجة حول مسألة اللاجئين في الوضع النهائي، بل عن العلاقة التي تربط حركة فتح كحركة تحرر وطني فلسطيني وأبناء الشعب الفلسطيني في المخيمات وأماكن اللجوء. يتباهى المنظمون للمؤتمر أنهم حشدوا أعضاء من ثمانين ساحة! حسناً! ماذا قدّم المؤتمر لهم؟ كيف تم تحديد أطر العمل الحركي للاجئين باعتبارهم المعني الأول والأخير بما قامت فتح لأجله؟ كيف تمّ تحديد دور اللاجئين ومناقشة ما يتعرض له اللاجئون في المخيمات ودراسة أوضاعهم؟ لا شىء.. حقاً لا شىء.. لقد تمّ زيادة عضوية المؤتمرين من 600 عضو في المؤتمر الخامس الى 2300 عضو في المؤتمر السادس.. زيادة كبيرة إنما تمت بالتعيين.. لم يتم تحديد العضوية بناء على الانتخابات من أسفل الى أعلى.. بل جيء بالأعضاء استيراداً وفق شروط محددة ومعينة لتخدم الهدف الذي استقدمت من أجله، وللتمتع بسياحة ثورية في ربوع بيت لحم! وفقاً لهذا أيضاً يصبح التساؤل حول المشروعية الوطنية للمؤتمر أكثر شرعية من التساؤل حول شرعيته التنظيمية.
باحث في شرق المتوسط للدراسات والاعلام*
في القرآن الكريم تصوير جلي وواضح حول جدلية الهدف والوسيلة. والشرك الذي يحاربه الوحي الإلهي هو، في إحدى صوره، انقلاب للعلاقة بين الهدف والوسيلة، بحيث تصبح الوسيلة أسمى من الهدف. فالقرآن الكريم يقرر عن المشركين أنه: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله"، وإن سألتهم عن عبادة الأصنام يكون الجواب: "ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى". وغني عن البيان أن الأصنام لم تعد في عقلية الشرك واسطة بين الله والناس، بل أصبحت معبودة بذاتها، حجبت وراءها الإيمان الحقيقي بالله.
حركة فتح ليست وحدها المصابة بهذا الداء العضال. فكثير من حركات التحرر ولجان الأنشطة السياسية والاجتماعية تتغير وجهتها مع توالي الأحداث والغوص أكثر فأكثر في العمل الميداني. وهو ما دأب الفلاسفة والمنظرون السياسيون والفكريون على تسميته بعلاقة الفكر والواقع. وللانصاف أكثر، نقول أن كثيراً من الحركات الإسلامية نفسها ليست منيعة على هذا المرض.
قيل الكثير حول مؤتمر فتح السادس، من داخل فتح وخارجها. وليس ثمة داع لتكرار ما قيل. ولكن تجدر الإشارة هنا الى مجموعة من القضايا التي رافقت المؤتمر السادس ولا زالت تتردد أصداؤها رغم انتهاء جلسات المؤتمر، ما يساعد ربما على تحديد الصورة العامة في المشهد الفتحاوي خاصة، والمشهد الفلسطيني عامة.
الملاحظة الأولى تتعلق بمكان وزمان انعقاد المؤتمر. كل ما قيل عن انتصار فتحاوي في عقد المؤتمر على تراب وطنية فلسطينية جميل ويداعب المشاعر والعواطف، ولكنه يجافي حقيقة واحدة: أن المؤتمر عقد تحت الاحتلال والحراب الإسرائيلية. فالاحتلال، وحكومة نتنياهو، وربما مكتبه شخصياً كان له الكلمة الفصل في تحديد أسماء ولوائح القادمين الى بيت لحم سواء من داخل الضفة الغربية أو من خارجها. يعني ذلك ضمناً أن الاحتلال كان على دراية كاملة وتفصيلية بكل ما سينتج عن المؤتمر، بل وشريكاً أساسياً فيه، بدءاً من قوائم الحضور، مروراً بأسماء المرشحين، وانتهاءاً بالبرنامج السياسي والبيان الختامي للمؤتمر.
وعلى صعيد التوقيت الزمني، يأتي هذا المؤتمر في ظل ظروف داخلية ومحلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد والتداخل، معروفة للجميع، لكن أبرزها وما يتعلق منها بما سيأتي في قابل الأيام: الحديث عن قرب إطلاق إدارة أوباما لمقاربتها أو مشروعها حول التسوية في الشرق الأوسط.. والحديث المتزايد عن ضغوط يقوم بها موفده الخاص الى الشرق الأوسط على كافة الحكومات والأطراف المعنية العربية منها والإسرائيلية. ما يعني أن عقد المؤتمر ونتائجه تمثل، في جزء أساسي منها توضيب البيت الفلسطيني لقابل الأيام، ابتداء من حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، استعداداً للقادم الجديد. لا سيما وأن كثيراً من التقارير الصحفية تحدثت عن ضغوطات مارستها الإدارة الأمريكية على حكومة نتنياهو لتسهيل عقد المؤتمر بما يتوافق مع مطالب محمود عباس.
الملاحظة الثانية، تتعلق بالأجواء التي رافقت المؤتمر، ولا سيما ضمور أو غياب الأصوات الفتحاوية التي علت قبل المؤتمر وكانت تهدد بنسفه من الداخل. أبرز تلك الأصوات كان صوت رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية الذي فجّر قنبلة شبهة تآمر محمود عباس شخصياً في اغتيال الراحل ياسر عرفات. وعلى خلاف المتوقع، خفت صوته وغاب، بل وحاول مدير مكتبه في دمشق جهده عبر الوسائل الإعلامية تصوير أن تصريحات القدومي أخذت الى غير محملها، وتحدث بنبرة ودودة غير مألوفة تجاه مؤتمر فتح ونتائجه بالرغم حتى من إقصاء القدومي عن اللجنة المركزية وفقدانه لموقعه في الحركة. وهو الأمر الذي يفتح المجال أمام القول أن جهوداً عربية بذلت للضغط على كافة الفرقاء الفلسطينيين بهدف مساعدة، أو على الأقل عدم عرقلة، مساعي عباس في توضيب البيت الفلسطيني على النحو الذي يراه هو مناسباً، مجدداً، استعداداً للقادم الجديد.
الملاحظة الثالثة تتعلق بنتائج المؤتمر. فما خلا حقيقة انعقاد المؤتمر فوق أرض فلسطينية - مع تجاهل الاحتلال وتناسيه - وإجراء انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وفوز محمود عباس رئيساً لحركة فتح بدون منازع، فإن نتائج المؤتمر هي صفر. الحديث هنا ليس عن القضايا الوطنية الكبرى للشارع الفلسطينية، وما أكثرها وأعقدها وأثقلها! بل عن قضايا تنظيمية وحركية تتعلق بحركة فتح ذاتها صاحبة المؤتمر الذي من المفترض أن يعالج مشاكلها على الأقل. غابت تماماً عن نتائج المؤتمر حل قضايا جوهرية تعني كل الفتحاويين، أبرزها: اغتيال الرئيس السابق ياسر عرفات، الفساد الداخلي، تحديد المسؤولية عما جرى في غزة، علاقة فتح والسلطة، الهيئات التنظيمية والحركية، إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، ... الخ. صحيح أن المناقشات في أروقة المؤتمر كانت صاخبة حول جميع هذه القضايا، لكن النتائج الأخيرة للمؤتمر لم تقدم إجابة واحدة شافية ولا غير شافية حول أي منها. اللهم إلا تشكيل لجنة تحقيق حول إغتيال الشهيد ياسر عرفات، صاحب المقولة الشهيرة: إذا أردت أن تميت قضية فشكّل لها لجنة!!
هذه الاحتفالية حول نجاح المؤتمر رغم تواضع انجازاته حتى على المستوى الحركي يدفع الى التساؤل حول حقيقة الهدف الذي من أجله تم عقده. الاحتفال بالنجاح يعني أن الهدف الأساس قد تم انجازه: فوز تيار الرئيس محمود عباس ونجاحه في الإمساك على مفاصل الحركة وإبعاد المعارضين في الداخل وفي الخارج على حد سواء. لقد أصبحت حركة فتح الآن حزب السلطة بالمعنى الحرفي للكلمة.. لم تعد فتح هي الحركة القابضة على السلطة، بل أصبحت حزب السلطة ذاته.. الحركة التي تقبض عليها السلطة. إن الثورة تأكل أبناءها حقاً، بل وتلتهمهم!!
بناء عليه، فإن تحديد ملامح المرحلة المقبلة تتجاوز حركة فتح وصراعاتها الداخلية الى السلطة ذاتها التي أطبقت على السلطة. وعليه أيضاً فإن التحديق فب السماء التي وصلت الى عضوية اللجنة المركزية سيكون له دوراً حاسماً في تحديد ملامح المشهد القادم. أربعة من ثمانية عشر عضوا جاءوا من الأجهزة الأمنية.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المشهد القادم سيكون أمنياً ودموياً بامتياز مع التذكّر هنا أن الجنرال دايتون هو الذي يعيد تشكيل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية في الضفة الغربية. وبهذا المنطق يصبح التساؤل حول دموية ما حصل في رفح كجزء من الملحمة القادمة مشروعاً!! مع الاستدراك سريعاً أن هذا لا يعني أن ما حصل في رفح ليس له جذور أخرى: فكرية واجتماعية ليست مقطوعة عن المشهد العربي العام. المشهد العربي!! ذلك ما يجب رصده في المرحلة المقبلة خاصة ما يتعلق منه بما هو آت في غزة.
واستطراداً، يبدو أن الرئيس عباس ملتزم بقوة بأجندة زمنية لترتيب الوضع الداخلي على المستوى الفلسطيني العام استعداداً للمولود الأمريكي القادم. فقد سارع غداة انتهاء أعمال المؤتمر الى تحديد موعد لعقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني، يقول المراقبون والمعنيون أنها ستكون في الغالب دورة تكميلية. هذا يعني أن هذه الدورة لن تستطيع مناقشة السياسات الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بل فقط ملء المقاعد الشاغرة في المجلس وفق ما تنص عليه الأنظمة الداخلية. تأتي هذه الخطوة استباقية لنتائج محادثات القاهرة، ما يعني أن الرئيس عباس يحث الخطى على إطباق اليد على كل مصادر القرار الفلسطيني: داخل فتح، وداخل منظمة التحرير، وداخل السلطة الوطنية. الكلمة الوحيدة التي قالها الرئيس عباس والتي لها معنى خاص هي الثبات على موقفه من وقف التفاوض حتى تجميد الاستيطان.. وهذا بعينه هو الشرط الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية لتسهيل إعلان ولادة المشروع الأمريكي.. موقف الرئيس عباس ضمن السياق وليس خارجاً عليه.
ثمة أمر خطير آخر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا السياق. لقد غاب اللاجئون كلياً عن المؤتمر الفتحاوي. ليس المقصود هنا تلك الجملة الممجوجة حول مسألة اللاجئين في الوضع النهائي، بل عن العلاقة التي تربط حركة فتح كحركة تحرر وطني فلسطيني وأبناء الشعب الفلسطيني في المخيمات وأماكن اللجوء. يتباهى المنظمون للمؤتمر أنهم حشدوا أعضاء من ثمانين ساحة! حسناً! ماذا قدّم المؤتمر لهم؟ كيف تم تحديد أطر العمل الحركي للاجئين باعتبارهم المعني الأول والأخير بما قامت فتح لأجله؟ كيف تمّ تحديد دور اللاجئين ومناقشة ما يتعرض له اللاجئون في المخيمات ودراسة أوضاعهم؟ لا شىء.. حقاً لا شىء.. لقد تمّ زيادة عضوية المؤتمرين من 600 عضو في المؤتمر الخامس الى 2300 عضو في المؤتمر السادس.. زيادة كبيرة إنما تمت بالتعيين.. لم يتم تحديد العضوية بناء على الانتخابات من أسفل الى أعلى.. بل جيء بالأعضاء استيراداً وفق شروط محددة ومعينة لتخدم الهدف الذي استقدمت من أجله، وللتمتع بسياحة ثورية في ربوع بيت لحم! وفقاً لهذا أيضاً يصبح التساؤل حول المشروعية الوطنية للمؤتمر أكثر شرعية من التساؤل حول شرعيته التنظيمية.
باحث في شرق المتوسط للدراسات والاعلام*
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018