ارشيف من :آراء وتحليلات

كيف تدير’ اسرائيل ’ معركتها المخابراتية ضد لبنان ؟

كيف تدير’ اسرائيل ’ معركتها المخابراتية ضد لبنان ؟

شارل ابي نادر
تتكاثر مؤخرا التقارير التي تنشرها وسائل الاعلام، والتي تكشف عبرها اجهزة الامن اللبنانية عن شبكات للعملاء او عن اشخاص يعملون بشكل إفرادي لصالح الموساد الاسرائيلي، وحيث يبدو ان اسرائيل تتخذ من هذه الحرب المخابراتية على لبنان بديلا عن حربها العسكرية، وانها تخترق الساحة اللبنانية امنيا بنسبة ليست بسيطة، يُستنتج ايضا من اكتشاف هذه الشبكات، ان اجهزة الامن اللبنانية والمدعومة من بعض الاحزاب اللبنانية الفاعلة، تمسك ايضا بهذه الساحة وتُحصّنها عبر اجراءات امنية دفاعية، دقيقة، فاعلة وحساسة.
اولا
تسعى اسرائيل بالاساس من هذه الحرب المخابراتية الى إضعاف لبنان عبر اضعاف المقاومة والجيش، وذلك من خلال جمع اكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذين الطرفين، فالجيش اللبناني وحزب الله يمسكان بتلاحمهما وبتناغمهما وبتنسيقهما معركة الدفاع بمواجهتها عسكريا وامنيا، وحيث فشلت اسرائيل في اغلب محاولاتها العسكرية لاحتواء لبنان والسيطرة عليه، تجد في كشف عناصر القوة في لبنان الطريق الافضل لتأكيد نجاحها في اي عدوان تخطط له، وهي لا تنزع هذه الروح العدائية ابدا من استراتيجيتها الدائمة تجاه لبنان.
من هنا، نجد انه من ضمن اهداف اغلب العملاء الذين يتم كشفهم وتوقيفهم في لبنان، تأتي مراقبة الجيش اللبناني والمقاومة، لناحية مراقبة المسؤولين والقادة، او لناحية معرفة الاسلحة والقدرات العسكرية والمواقع، او لناحية معرفة الثغرات ونقاط القوة ونقاط الضعف.
ثانيا
تعمل اسرائيل ايضا على ضرب التماسك الداخلي والوحدة الوطنية اللبنانية، وهذا يعتبر من اهدافها الرئيسة في لبنان، ودائما كانت تجد في اي مشروع فتنة داخلية فرصة ملائمة لها لاضعاف الساحة الداخلية في لبنان ولضرب تماسك هذه الجبهة في مواجهتها، وكانت دائما سياستها تجاه لبنان مبنية على تحريض طرف على آخر، وعلى زرع الخلافات الداخلية وتسعيرها، وذلك على خلفيات التصويب على سلاح المقاومة بأنه يسبب تدمير لبنان، وبأنه يخرق السيادة اللبنانية.
من هنا ايضا، نجد بعض السياسيين والاعلاميين اللبنانيين الذين يتماهون مع اسرائيل في سياسة التحريض على المقاومة، وضرب اسفين بينها وبين الجيش والدولة، وتاريخ هؤلاء ليس بعيدا عن العمالة لاسرائيل، بطريقة مباشرة في تعاملهم معها خلال الحرب الاهلية وبعدها ربما، او بطريقة غير مباشرة من خلال المواقف المتشددة ضد المقاومة، والتي لا تخدم الا استراتيجية اسرائيل في ضرب الساحة الداخلية من جهة، وفي محاولة إفقاد المقاومة الحاضنة الشعبية والتأييد الداخلي والاجماع الوطني من جهة أخرى.
ثالثا
- لا شك ان اكثر ما يجمع من اهداف للشبكات العميلة التي تم اكتشافها مؤخرا، هو نشاطات الاخيرة لخلق بيئة داخلية تروّج للتطبيع مع العدو، وقد توزعت اساليب الموساد لتحقيق هذا الهدف عبر الاستعانة بالجمعيات الانسانية والدينية، كالخلية التي ضبطت من قبل الامن العام اللبناني في الاول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، والتي تعمل بين لبنان والعراق تحت غطاء جمعية دينية انسانية هدفها الترويج للتطبيع مع اسرائيل تحت شعار الانسانية والديانات السماوية.
- من اساليب الموساد ايضا في هذا المجال ما تم كشفه مؤخرا عن احد الفنانين اللبنانيين المعروفين ( زياد عيتاني ) - هذا الموضوع ما زال قيد التحقيق الواسع والمتابعة القضائية والامنية - والذي يتمحور هدف عمالته وتواصله مع مشغليه من الموساد حول إدخال فكرة التطبيع مع اسرائيل، وذلك عبر خلق بيئة مثقفة داخل المجتمع المدني من الاعلاميين ومن الفنانين، وتوسيع نشاطاتها والمنخرطين فيها لتشكيل كتلة شعبية ثقافية ضاغطة لتحقيق هدف التطبيع بعد الترويج له.

في النهاية، انها الحرب مع اسرائيل، ان لم تكن عسكرية - ميدانية فهي مخابراتية – اعلامية - سياسية - تحريضية، ومهما كُشف من شبكات لعملائها في لبنان حتى الان، لا شك انه سيبقى الكثير منهم خارج الكشف، حيث تعتبر اسرائيل ان الساحة اللبنانية هي الاصعب، إذ فيها هُزمت وكُسرت قوتها وضُرب كبرياؤها بامتياز، فمن الطبيعي انها ستعمل دائما على محاولة مسك الساحة اللبنانية امنيا ومخابراتيا، عبر عملائها الصغار او عبر الكبار منهم (في نظرها فقط)، لانهم جميعا في الحقيقة صغارٌ.

2017-11-28