ارشيف من :آراء وتحليلات

مصالحة برسم التعميم...

مصالحة برسم التعميم...
كتب إبراهيم الموسوي
طرابلس على سكة المصالحة، هدأت النفوس ودُبّجت النصوص، وخرج الجميع بوثيقة مصالحة شاملة تعيد رأب الصدع في المدينة تؤذن بانطلاقة صحيحة لقطار الحل.
هل كان الطرابلسيون وأهل الشمال بحاجة إلى كل هذا الاقتتال وسفك الدماء والتهجير حتى تتم المصالحة، ألم يكن حرياً بالأطراف الأساسية التي وقّعت على وثيقة المصالحة ولا سيما من فريق 14 شباط لو اتعظت قليلاً، وثابت إلى رشدها قبل كل الذي جرى، ولكن بما أن الأمور وصلت إلى هذه الخاتمة، فالخير كل الخير في هذه المصالحة.
لطالما دعونا إلى العودة إلى الحوار والمصالحة وعدم التنكر لأي جهة سياسية أو طائفة أو حزب، ولطالما كانت القناعة أن لبنان التعددي لا يمكن أن يخضع لإرادة فريق واحد. ليس بمقدور أي حزب سياسي أو فريق طائفي أن يفرض إرادته على الآخرين، أو يلغي وجود أحد، أو يشطب دور أحد، فالمعادلة الذهبية في النظام التعددي هي توسيع قاعدة المشاركة ليتمثل الجميع، ويؤدوا دورهم في إطار الممارسة الديموقراطية.
لقد ظنّ البعض من "عباقرة" (ثورة الأرز)، وأوحي اليهم أنه باستطاعتهم اختزال البلد على حجم مصالحهم وسياساتهم، وظن بعض الزعامات أن الرهان على الخارج الأميركي والغربي، وزيارات إمداد المصل الداعم من كوندوليسا رايس، ودايفيد وولش، وغيرهما من دبلوماسيين، وقادة عسكريين، وأمنيين أميركيين، وعشرات التصريحات من البيت الأبيض، ستغيّر وجه البلد، ومواقفه، ومستقبله، ولكن يبدو أن زمن صب المياه الباردة على الرؤوس الحامية قد آن أوانه، والأمل أن يكون هؤلاء قد استوعبوا الدرس جيداً مما جرى ويجري.
إن عقلنة الطروحات من جانب فريق 14 شباط ليست ترفاً سياسياً، يمارسه هؤلاء لتصويب قراءاتهم وبالتالي خياراتهم وممارساتهم السياسية، بل هي بطريق أولى خيار إنقاذي لهذا الفريق ومعه ما تبقى من البلد. لقد حان الوقت الذي ييأس فيه هؤلاء من محاولة توظيف إملاءات سياسات الخارج لتغيير قواعد اللعبة السياسية في الداخل.
ما جرى في طرابلس بالأمس، أفرح كل لبناني غيور على مصلحة البلد، وأثلج صدور أصحاب الحسابات الكبيرة، والضمائر الحية التي لا تفكّر إلا في خير البلد. ما جرى في طرابلس أعاد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، لأنه ليس هناك عدو في لبنان وللبنان إلا العدو الإسرائيلي الذي يهدد وجودنا من خلال احتلاله لأرضنا، ومصادرته لثرواتنا المائية، وانتهاكاته لسيادتنا، وكذلك من خلال تصديره الأزمات والتهديدات لبلدنا كونه يحتل فلسطين مع كل ما ولّد ذلك من مآسٍ انسانية أهمها قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ان الحسابات الحقيقية التي يجب أن تبنى عليها السياسات، ينبغي أن تكون حسابات لبنانية تراعي مصالح البلد وأهله بالدرجة الأولى، ولعل أهم حساب في هذا المجال يتصل بالحفاظ على حرية البلد وسيادته وتحرير أراضيه، وهو ما يتصل بالضرورة بالدور الذي تضطلع به المقاومة والجيش. إن من واجب السياسيين وزعماء الطوائف أن يعملوا معاً من أجل تعزيز اللحمة الداخلية، والقضاء على سبل الفتنة والمحاولات الاقليمية والدولية لخلقها وإطلاق شرارتها في الواقع اللبناني.
يعرف الكثير من اللبنانيين أن مستوى الخطر الذي يهدد عاصمة الشمال كان كبيراً، وأن أكثر من جرس إنذار قرع في أكثر من عاصمة اقليمية ودولية هو الذي جعل بعض الأفرقاء يستفيقون لمعالجة الموضوع، فيما لم تفعل ذلك كل أعمال التهجير والقتل والحرق التي كانت تجري أمام عيونهم، ومهما كان السبب، الذي جعل هؤلاء يستفيقون فإنه موضوع ترحيب حقيقي وكامل.
المطلوب الآن بعد الخطوة الأولى تعزيز مسيرة المصالحة، وتثبيت مناعتها، والسير باتجاه تعميمها إلى كل أنحاء الوطن، لعلّه يكون لنا بذلك قيامة جديدة لنتحسس مكاناً لنا بين الأوطان والأمم لأن قطار التنمية والازدهار قد انطلق من حولنا منذ زمن بعيد، وفيه منافسة شديدة، والتذكرة الأولى لنكون على متنه هي في الاستقرار الأمني والسياسي الذي قطعنا شوطاً هاماً تجاهه من خلال حكومة الوحدة الوطنية، والأمل أن تكون المصالحة لبنته الثانية ليكتمل الموضوع بالتنمية والإنماء المتوازن لكي يكون للبنانيين جميعاً لبنانهم الذي يريدون!
الانتقاد/ العدد1297 ـ 9 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-09