المحرر المحلي
خمسة ايام تفصلنا عن التقاط الصورة الجامعة للقادة والزعماء اللبنانيين على مائدة الحوار الوطني في قصر بعبدا لمناقشة سلسلة من المواضيع المعقدة والمتداخلة ابرزها موضوع الاستراتيجية الدفاعية . الصورة ليست بجديدة على اللبنانيين , كونه سبق لهم ان شاهدوها مرارا وتكرارا في الحوار الوطني عام 2006 وخلال مؤتمر الدوحة خلال الاشهر الماضية , لكن مع فارق شكلي وحيد هذه المرة يتمثل بانتقال طاولة الحوار الوطني من ساحة النجمة الى قصر بعبدا .  
في هذا الوقت يبدو ان طريق الحوار لن تكون سالكة بالقدر الذي يطمح له اللبنانيون من اجل ازالة حقول الالغام والاسلاك الشائكة التي يحاول البعض زرعها فيما بينهم , وهو ما ظهر جليا امس , ففيما لم يمضي اربع وعشرون ساعة على اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن بدء الحوار الوطني يوم الثلاثاء المقبل وما تبع ذلك من اجواء ارتياح وترحيب , حتى لجأ المصطادون بالماء العكر الى محاولة قطع الطريق على الحوار من خلال اغتيال القيادي في الحزب الديمقراطي اللبناني مساء امس الشيخ صالح العريضي في انفجار سيارة مفخخة في بيصور قرب منطقة عاليه جنوب شرق بيروت.
حزب الله ادان بشدة اليوم هذه الجريمة الآثمة مشيرا انها تأتي في أجواء المصالحة والانفتاح التي يمر بها لبنان ومدللا بذلك على وجود جهات متضررة من هذه الأجواء تسعى إلى منع البلاد من العودة إلى الاستقرار والهدوء في إطار خدمة المشروع الاسرائيلي المتضرر من السلم الأهلي وبناء الدولة. كما تقدم حزب الله من الأمير طلال أرسلان ومن الإخوة في الحزب الديمقراطي اللبناني ووالد الشهيد الشيخ أبو صالح فرحان العريضي وعائلته وأهل بلدته بأسمى آيات التعزية والمواساة ,  داعيا الجهات الأمنية والقضائية المختصة إلى إيلاء هذه الجريمة أقصى الاهتمام للتوصل إلى كشف المجرمين في أسرع وقت ممكن وإنزال العقاب الشديد بحقهم.
وزير الشباب والرياضة ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني  طلال ارسلان الذي قطع زيارته إلى الخارج وعاد إلى بيروت صباح اليوم على متن طائرة خاصة، بعد تلقيه نبأ اغتيال الشيخ صالح العريضي أوضح قدم التعازي بالشهيد صالح العريضي فور عودته من الخارج , واصفا استشهاد صالح العريضي بأنه "رسالة وصلت لطلال ارسلان والجبل وللحزب الديمقراطي اللبناني، وعبره لكل اللبنانيين الشرفاء الذين يعملون من اجل الوطن". واكد ارسلان ان وحدة الجبل التي بدأها سويا بالتعاون مع وليد جنبلاط وسيد المقاومة السيد حسن نصر الله ستستمر , ووصف ارسلان العريضي بأنه "شهيد المقاومة وشهيد وحدة الجبل لأن لا كرامة لأحد في الجبل دون وحدته لان ما بدأناه سويا في 7 أيار وفي الجبل وفي لبنان سنستمر به ليس من أجل شخص أو شخصين أو ثلاثة، وإنما من أجل هذا الجبل وهذا الوطن". وكانت رجحت بعض المعطيات الميدانية والسياسية وجود بصمات إسرائيلية خلف عملية الإغتيال. ونقل قياديون عن إرسلان، الموجود في الخارج في زيارة إلى بيلاروسيا، توجيهه الاتهام الى "اسرائيل باعتبارها صاحبة المصلحة في إثارة الفتنة وتفجير الوضع الداخلي".
وعقب اغتيال العريضي، عقد مساء أمس اجتماع موسع في بلدة بيصور بمشاركة النائب وليد جنبلاط وقيادات سياسية. وأفادت صحيفة "السفير" الخميس بأن المشاركين "أطلقوا هتافات ضد اسرائيل واتهموها بمحاولة اشعال الفتنة مجددا في الجبل".
وألقى جنبلاط كلمة في بيصور استحضر خلالها سيرة العريضي المقاوم ووصفه بأنه "بطل من أبطال المقاومة العربية والوطنية اللبنانية"، قائلاً إنه "وقف مع بيصور "أم الشهداء في مواجهة المشروع الأميركي والمخطط اليهودي الصهيوني وفتح الطريق مع رفاقه في كل الأحزاب من دون استثناء، وفتح معهم الطريق من اجل تحرير بيروت والإقليم والجنوب من الاحتلال الاسرائيلي". ووفق صحيفة "السفير"، أجرى جنبلاط فور وقوع الجريمة اتصالاً بأرسلان واتفقا على أن يأخذ العدل مجراه، وأن لا يتم استباق التحقيق وأن يصدرا موقفا موحدا مما جرى، داعيا الى أوسع مشاركة في تشييع العريضي بوصفه شهيدا لكل أبناء الجبل، متسائلاً "هل نحن أمام بداية مسلسل جديد من الاغتيال السياسي".
رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعا من جهته الى "التنبه الى كل المؤامرات التي تحاك لاعادة توتير الاجواء وعرقلة مساعي المصالحة، والتحضيرات الجارية لمؤتمر الحوار الوطني".
اما رئيس مجلس النواب نبيه بري فلفت بأن جريمة الإغتيال في بيصور "موجهة ضد السلم الأهلي وضد الخطوات الواسعة والايجابية التي تم اتخاذها ولا سيما مصالحة الشمال وصولا الى الدعوة لالتئام مؤتمر الحوار الوطني مجددا". ونقلت عنه "السفير" إشارته إلى أن هذه الجريمة "تحاول اعادة لبنان الى حلقات الاغتيال السود مجددا وذلك في سبيل تخريبه وضرب استقراره"، داعيا الجميع للتنبه والحذر وكذلك تفويت الفرصة على من يتربص بلبنان شرا.
 وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي قام باتصالات سياسية وأمنية لتطويق ذيول جريمة الإغتيال، قد دعا إلى اتخاذ الاجراءات الامنية الكافية والمكثفة في منطقة الجبل واجراء التحقيقات اللازمة، مشداً على التهدئة وانتظار نتائج التحقيقات التي تجريها القوى الامنية. 
بدوره استنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، في تصريح له اليوم، جريمة اغتيال الشيخ صالح العريضي في بيصور لافتا الى ان هذه الجريمة تحمل بصمات إرهابية تتصل بالأيدي الإسرائيلية التي تسعى الى بث الفتن وضرب مسيرة المصالحات التي يعمل المخلصون لوطنهم وأرضهم على تعميمها في كل المناطق اللبنانية". وطالب قبلان العقلاء اللبنانيين وبخاصة رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان الى "التحرك بحكمة وروية مع كل المخلصين لوأد محاولات الفتنة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والعمل لإفساح المجال أمام القضاء اللبناني لكشف ملابسات هذه الجريمة".
بموازاة ذلك بدا ان لجنة الادارة والعدل تسابق السقف الزمني المحدد لها في الخامس والعشرين من ايلول المقبل لرفع تقريرها حول قانون الانتخابات النيابية الى رئاسة المجلس النيابي وهي لجأت من اجل ذلك لعقد سلسلة اجتماعات متتالية في الايام الماضية من اجل تذليل العقبات التي تعترضها لانجاز مهمتها في الوقت المحدد لطرح قانون الانتخاب بعد اقراره من  قبل اللجنة وفقا للتقسيمات الادارية لاتفاق الدوحة على الهيئة العامة للمجلس النيابي اواخر الشهر الجاري . 
على ان الهم المعيشي بقي موضع جدل واخذ ورد بعد الموقف الذي اتخذه الاتحاد العمالي العام بعد اجتماع هيئة مكتبه امس ورفضه لزيادة الحد الادنى للاجور مئتي الف ليرة فقط معلنا مضيه في معركة تصحيح الاجور وداعيا للضغط على الحكومة من اجل تحقيق هذا الهدف .
وفي ظل هذه الاوضاع ملّ اللبنانيون وهم ينتظرون منذ حوالي سنتين عيدية ترفع عنهم ما عانوه من نكد سياسي , وتعبوا وهم يترقبون الفرج عند كل بارقة امل ويرددون عند كل عيد , عيد بأية حال عدت يا عيد ... بما مضى ام بامر فيك تجديد  .
سياق الاحداث هذه يثير علامات استفهام كثيرة حول ما ينتظر اللبنانيون في المرحلة القادمة بعد المطبات الكثيرة التي استطاعوا تجاوزها حتى الآن , فهل تستطيع طاولة الحوار الوطني التي دعا اليها فخامة رئيس الجمهورية ان تبدل عيد اللبنانيين وواقع الحال السياسي في لبنان ؟!, ام ان على اللبنانيين المزيد من الانتظار حتى يغيروا هم بانفسهم عبر الانتخابات النيابية القادمة الصورة القاتمة للوضع اللبناني فيستبدلونها بصورة ابهى وانصع لهذا الوطن وللطبقة الحاكمة فيه ؟!.