ارشيف من :أخبار عالمية
خبير إستراتيجي في واشنطن: الولايات المتحدة أضاعت أكثر من نصف عقد من الزمن سدى
تقرير: ليلى سرعيني
بعد الفشل الاميركي المدوي في العراق بدأ يتكشف وجه جديد من الخسارة في الحرب الأميركية على أفغانستان في ظل تزايد الاصوات التي تستبعد تحقيق ذرة من الانتصار المزعوم، الذي وعدت بتحقيقه قوات الاحتلال.
الخبير الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، الكاتب الاميركي أنتوني كوردسمان، تجاهل مفهوم "الانتصار والربح" في الحرب على الاراضي الافغانية، ورأى إنه لا يمكن للولايات المتحدة أن "تحقق نصرا في الحرب على أفغانستان في غضون الشهور الثلاثة القادمة، وإن أي نوع من النصر وإن كان محدودا إنما يتطلب سنوات ويتطلب المزيد من الجهود".
وفي مقال له نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أكد كوردسمان، أنه "يمكن للولايات المتحدة أن تخسر الحرب بسهولة"، مشيرا الى تجربته ضمن الفريق الاستشاري التابع لقائد الاحتلال الأميركي لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال، وأكد كوردسمان أنه "لم ير أي بصيص أمل في الانتصار وإنما عرف وبشكل واضح أسباب الهزيمة التي باتت تمنى بها القوات الأجنبية في البلاد".
ورأى كوردسمان أن الاسباب التي آلت الى هزيمة قواته، تتمثل في النقص في الإمدادات الإستراتيجية، وأوضح أن "الاحتلال الاميركي لم يقم في الفترة من 2002 إلى 2008 بتزويد قواته في أفغانستان بالمال الكافي وبالقيادات العسكرية الضرورية للفوز بالحرب"، مضيفاً أن "واشنطن بسياساتها تلك، إنما أضاعت أكثر من نصف عقد من الزمان سدى".
وفي الاطار نفسه، جاء موقف قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال، داعما طروحات كوردسمان، ليقول إن "الاستراتيجية في أفغانستان يجب أن تتغير، بما يتقاطع مع اراء الكثير من المسؤولين والخبراء في كل من واشنطن وكابول، والتي مفادها أن الاستراتيجية الأميركية الحالية في أفغانستان غير ناجحة وبحاجة إلى تعديل".
وأوضح الجنرال ماك كريستال في تقرير اعد لتقييم الوضع في أفغانستان، إن "الوضع في أفغانستان جدي، ولكن النجاح ممكن ويتطلب استراتيجية تطبيق معدلة، والتزاما وعزيمة ووحدة متزايدة في الجهود المبذولة في البلاد". وتأتي مطالبة ماك كريستال لتعديل الاستراتيجية الأميركية في وقت تنتظر فيه أفغانستان نتائج الانتخابات الرئاسية النهائية، ومعرفة إذا كان من المطلوب إجراء دورة انتخابية ثانية للانتخابات بين الرئيس حامد كرزاي ومنافسه الأول عبد الله عبد الله.
وفي هذا الاطار، أوضح بيان من مكتب ماك كريستال، ان الهدف من التقييم أنه يسعى الى "تطبيق الخطة الشاملة والاستراتيجية العسكرية والسياسية للناتو، واستراتيجية الرئيس الأميركي، من أجل خفض قدرة - ما أسماهم- المتمردين وعناصر القاعدة والمتطرفين الأجانب، ودعم نمو وتطوير قوات الأمن الأفغانية الوطنية وتسهيل تحسين الحكم والتطور الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان". ولم تكشف تفاصيل التقرير الذي من المرتقب أن يصل مكتب اوباما خلال أيام، إلا أن تصريح ماك كريستال الصريح بأن الاستراتيجية الحالية غير قادرة على النجاح وبحاجة إلى تعديل تؤكد استعداد الولايات المتحدة لتعديلات فيها. ولم يطلب في تقييمه هذا المزيد من القوات أو أعدادا محددة، ولكن من المرتقب أن يكون ذلك ضمن توصياته في تقرير مستقبلاً.
من جهة ثانية، أشار كوردسمان الى دور حركة طالبان، وأكد أن "الإدارة الأميركية أغفلت وأنكرت الانتصارات والنجاحات التي حققها عناصر طالبان، ما حدا بحركة طالبان إلى اتخاذ زمام المبادرة ومواصلة نجاحاتها إلى الوقت الراهن". وأضاف أن "كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والوكالات الأخرى في البلاد يبدون مصممين على تجاهل تلك الحقائق بشأن الحرب وأشياء أخرى بشأن الأوضاع على الأرض في أفغانستان".وفي السياق نفسه، قال الجنرال الألماني البارز "ايجون رامس" إنه على حلف الناتو التفكير في الانسحاب من أفغانستان ما لم ينجح في الفوز بدعم الشعب الأفغاني للمشاركة الدولية في البلاد. وقال "رامس" الذي يترأس القيادة المشتركة لقوات الناتو في بلدة برونسوم الهولندية إن "التهديد الحقيقي يكمن في أن تنجح طالبان في الفوز بتأييد الشعب"، وأضاف: "إذا لم ننجح في الفوز بتأييد الشعب فعلينا التفكير بجدية في مغادرة أفغانستان".
في موازاة ذلك، تتزايد أعداد القتلى التابعين لجيش الاحتلال، وفي التفاصيل فقد اعلنت القوات الدولية ان جنديين اميركيين من قوة حلف شمال الاطلسي قتلا في انفجار قنابل لدى مرور سيارتهما جنوب افغانستان. واعلنت قوة "ايساف" التابعة لحلف شمال الاطلسي في بيان لها ان الجنديين قتلا في انفجارين في منطقتين مختلفتين في جنوب افغانستان من دون مزيد من التفاصيل. واضاف قائد القوات الاميركية في البيان ان الامر يتعلق بعسكريين اميركيين.
ويعتبر العام 2009 الاكثر دموية لقوات الاحتلال الدولية المنتشرة في افغانستان منذ ثماني سنوات، حيث ارتفعت اعداد القتلى في صفوفها، ووصل عدد القتلى الى 302 من بينهم 177 اميركيا. فيما لم تتجاوز عام 2008 حصيلة القتلى 294 جندياً من قوات الاحتلال الدولية معظمهم من الاميركيين.
وقد أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا في استطلاعات الرأي، ففي استطلاع حديث أجرته واشنطن بوست و"أي.بي.سي نيوز"، أوضح أن 51% من المستطلعين رأوا أن الحرب لم تكن تستحق خوضها، وتدنى التأييد القوي للحرب بين الليبراليين إلى 20%، رغم أن الرأي العام في أميركا لم ينقلب على الحرب بالدرجة التي حدثت في بريطانيا.
وأوضح استطلاع آخر لمجلة "إيكونومست ويو غوف" أن 32% فقط يوافقون على إرسال المزيد من القوات. وردا على السؤال "في اعتقادك ماذا سيحدث في النهاية؟" بيّن الاستطلاع أن 65% قالوا إن أميركا ستنسحب دون نصر، بينما قال 35% إنها ستنتصر. وهذا يشير إلى أن القضية لم تتبلور بعد في أذهان الأميركيين، لكن موقف أوباما بالغ الصعوبة، فقد أصبحت هذه الحرب حربه، وأكد ملكيته لها مؤخرا وسمى القتال مرارا وتكرارا حربا ضرورية، على عكس سلفه الذي سماها "حرب الاختيار" في العراق. وقالت الصحيفة إن حرب أوباما سواء كانت ضرورية أم لا، سيصعب كسبها ومستحيلة دون خسائر أكبر في الأرواح والأموال، والانسحاب ينطوي على مخاطر كبيرة في ذاتها. ولإتمام مأزق الرئيس فإن عرضه للأسباب المنطقية للحرب غير مقنعة ومعارضته الأشد كما تؤكد استطلاعات الرأي، تأتي من داخل حزبه.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018