ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: من ميشال أبو جودة إلى طاولة الحوار الوطني

بقلم الرصاص: من ميشال أبو جودة إلى طاولة الحوار الوطني
كتب نصري الصايغ
في السابع والعشرين من شهر كانون الأول عام 1968، أي قبل أيام من عيد رأس السنة الميلادية، أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بيروت، وهبط مظليون اسرائيليون في مدرج  المطار ونسفوا ثلاث عشرة طائرة مدنية، رداً على العملية الفدائية ضد طائرة العال في مطار أثينا.
أستذكر هذا الحدث، لأسجل مقالة كتبها الصحافي ميشال أبو جودة في عموده اليومي، في جريدة "النهار" البيروتية.
"ما حدث سيضيفه اللبنانيون إلى معركتهم الداخلية المستمرة، فبعدما كانت فلسطين القضية الأولى أصبحت اسرائيل المشكلة الأولى.
أولاً وقبل كل شيء لو أتيح لإسرائيل خلال السنين العشرين الماضية أن تأخذ لبنان كما أخذت فلسطين لفعلت، وثانياً لو اتيح لها أن تأخذه خلال السنين العشرين المقبلة لفعلت.
من كان عنده ما يؤكد العكس أو يضمنه فليتقدم به.
أي من كان عنده، من رئيس الجمهورية إلى المواطن العادي، كلام شفهي أو خطي، من أي جهة كانت يشكل ضماناً بأن اسرائيل لا تأخذ لبنان اذا أتيح لها ذلك، أو أنها لم تأخذه في الماضي لو كان أتيح لها، من كان عنده مثل هذا الضمان فليتقدم به إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء أو فليقله قولاً أو فلينشره نشراً.
فإذا كان هذا الشيء غير موجود كان معناه أن لبنان مثله مثل غيره من الدول ـ من سويسرا الحيادية إلى أميركا النووية ـ يحتاج إلى تأمين الدفاع عن نفسه".
يتساءل أبو جوده عن الوسيلة التي يستطيع فيها لبنان أن يدافع عن نفسه، يقول:
"وفي هذه الحالة هناك ثلاث حالات لا رابعة لها.
الحالة الأولى، الدفاع عن النفس بالنفس إذا كان ذلك ممكناً، والحالة الثانية، التحالف مع الدول الشقيقة القريبة والبعيدة في حال تعذر الدفاع الذاتي.
والحالة الثالثة التحالف مع الدول الخارجية.
وخلال السنين العشرين الماضية، أي بعد قيام دولة اسرائيل، واجه لبنان موضوع الدفاع مواجهة واقعية، فاعترف بعجزه عن الدفاع عن نفسه بنفسه وسلّم برفضه التحالف مع الدول الخارجية، وهكذا أخذ لبنان بالحالة الثانية وهي التحالف مع الدول الشقيقة القريبة والبعيدة.
إلا أن هذا التحالف لم يوضع موضع التنفيذ ولا مرة واحدة، أي ظل حالة وهمية إلى أن كانت حرب حزيران (1967) فأثبتت ذلك، وهكذا ظل لبنان مسؤولاً وحده من الناحية العملية عن الدفاع عن نفسه (أي الحالة الأولى هي حالة وهمية أيضاً كما ظل يعتمد على تحالف وهمي مع الدول الخارجية، أي الحالة الثالثة وهي حالة وهمية أيضاً).
وهكذا وقع العدوان ولبنان في حالة دفاع وهمي مثلث داخلي وعربي وخارجي.
وهكذا يطرح الآن، مرة أخرى، موضوع تأمين الدفاع عن لبنان، وهو موضوع حقيقي لا وهمي، إلا أنه يطرح في جو المعركة الداخلية المستمرة التي سيضاف اليها ما حدث لتستمر وتستقر أكثر، وهكذا سينشغل اللبنانيون بأمر جديد هو العدوان، بعد انشغالهم بأمور عدة.
مع أن المطلوب واحد.
هذا المطلوب الواحد هو تأمين الدفاع الحقيقي لا الوهمي عن لبنان.
 ـ لا يتأمن الا بثلاث حالات لا رابعة لها،
الأولى: الدفاع الذاتي.
الثانية: الدفاع العربي.
الثالثة: الدفاع الدولي.
هذه الحالات غير موجودة، أو موجودة بشكل وهمي، أو بشكل وهم مثلّث.
والآن وعلى مهل وبكلام بسيط، وعلى سبيل المثال والافتراض لو ذهب فدائيان فلسطينيان من مطار بيروت إلى مطار روما وتمكنا من اطلاق النار على طائرة العال الاسرائيلية، وسارعت اسرائيل إلى تحميل لبنان المسؤولية ثم قامت بشن عدوان عليه في أي مكان، ماذا يحدث؟
يتكرّر ما حدث ويضاف إلى المعركة الداخلية المستمرة، لتستمر وتستعر وينشغل اللبنانيون بأمر آخر هو تأمين الدفاع عن لبنان.
الدفاع الحقيقي لا الوهمي.
هذا هو السؤال الكبير، والباقي كلام من الامم المتحدة إلى .. هذا المقال، يصلح أن يكون مادة النقاش في طاولة الحوار لدى بحث الاستراتيجية الدفاعية.
لبنان، كله مكشوفاً أمام اسرائيل بالكامل، لبنان الرسمي والعسكري والمؤسساتي والسياسي، كان غارقاً في تفضيل العجز، ومستسلماً لقدر الخلافات الداخلية السياسية الطائفية.
لبنان كان مكشوفاً حتى تم احتلال أجزاء واسعة من أرضه، ودخول عاصمته بيروت، واحتلال الجنوب ونصف البقاع وبعض الجبل، وبالتعاون مع فريق لبناني، اضاف إلى لائحة الوسائل الدفاعية عن لبنان وهي التحالف مع اسرائيل "دفاعاً عن لبنان"، وكان العام 1982 تتويجاً لسياسة هذا الفريق السياسي الطائفي.
وما زال السؤال: كيف تدافع عن لبنان؟
أمنت المقاومة بصيغها المتعددة المشارب وبصيغتها الاسلامية، نموذجاً يستجيب لشروط الحالة الأولى التي أشار اليها أبو جودة في مقاله المذكور آنفاً: أي الدفاع عن الذات بالذات، وأثبتت هذه المقاومة بشكل عيني وظاهر وملموس ودامغ وشفاف، أنها استطاعت في أقل من عقد، أن تهزم اسرائيل مرتين وتحرر جنوب لبنان (باستثناء مزارع شبعا) وأن تقاوم وتهزم محاولة اعادة احتلاله وتصفية مقاومته الذاتية.
وهذا ما لم يحصل سابقاً في لبنان، ولا في أي دولة عربية.
ومع ذلك وبرغم فصاحة البيان الواقعي، تلجأ مجموعات سياسية/ طائفية لبنانية إلى ما يلي:
أولاً: تأثيم المقاومة، لأنها السبب في جر اسرائيل الى تخريب لبنان، بسبب ما تقدمه من ذرائع للعدو، متناسية أن اجتياح العام 1982، لم يكن بسبب المقاومة بل لأن محاولة اغتيال لسفيرها جرت في لندن.
ثانياً: تشويه المقاومة والتبخيس بقيمها واخلاقياتها واغراقها بترّهات  مذهبية وطائفية.
ثالثاً: اتهامها بالتبعية لمن يدعمها، أي أنها مقاومة مستأجرة من قبل سوريا وايران، ونحن "ما لنا ولسوريا ولايران ومعهما أيضاً فلسطين"؟
رابعاً: الطلب من الدول الشقيقة والصديقة الضغط الدائم، في كل المحافل، للخلاص، من المقاومة، ككيان دفاع ذاتي عن لبنان.
خامساً: اتهامها بأنها ضد مشروع الدولة (وهي دولة مفلسة في الدفاع العسكري عن ذاتها)، وأنها تقيم دولة داخل الدولة، ولئن كان ذلك في معرض الاتهام، إلا أنه من جانب آخر، فضيلة، فبين دولة المقاومة، ودولة الطوائف والمذاهب والسمسرة والمافيات، لا شك أن الخيار الأفضل هو دولة المقاومة.
سادساً: اذا كففنا شرّنا عن "اسرائيل" كمصر والأردن فإن اسرائيل تكفّ شرها عنا، والأرجح أن مثل هذا الرأي لا يصرف في علم السياسة الذي يؤكد دائماً أن  الدولة في حالة السلم، موكول اليها الاستعداد الدائم بكل الوسائل للدفاع عن نفسها والفوز بأمنها.
سابعاً: المجتمع الدولي كفيل بحمايتنا، عبر القرارات الدولية، وهي كذبة بلقاء سقطت في جورجيا وابخازيا واوسيتيا، فاسقطت في القرار 425 والقرارات الخاصة بفلسطين.
ثامناً: نزع سلاح المقاومة أو دمجه في الجيش اللبناني، ودون ذلك محاذير أولها، تحويل المقاومة من حيث كونها فعلاً إلى جهاز يحافظ على الشكل.
ماذا بعد؟
لنعد إلى ميشال أبو جودة: من كان لديه شك بأن اسرائيل لن تعتدي، فليتقدم بدعواه وليقلها في أي مكان، أو من كان لديه شك أن اسرائيل ليست عدواً فليعلن ذلك.
هنا نقطة البدايات كلها.
إلى هنا، حتم علينا ان نضع المقاومة في أولويات المسائل وأمّات القضايا.
ثبت بالفم الملآن ان اسرائيل باتت تخشى المقاومة اللبنانية.
ثبت بالعين المجردة أن اسرائيل هزمت مرتين في أقل من عقد.
ثبت بالدليل القاطع أن صواريخ المقاومة، سابقاً قد بلغت قلب المدن في اسرائيل، وسيثبت بالدليل الحسي ان الآتي اذا اعتدت اسرائيل سيكون بداية لخراب الهيكل الذي اقيم تحت قباب المشروع الصهيوني.
رجاء عودوا إلى ميشال ابو جودة، انه كتب منذ 40 عاماً مقالة لهذه المناسبة في العام 2008.
الانتقاد/ العدد1298 ـ 12 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-12