ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: صلاة أكثر دفئاً

كتب حسن نعيم
يبقى للصلاة الرمضانية في مسجد القرية نكهة خاصة, تختلط فيها رائحة الذكريات البعيدة بأطياف الخطوات الأولى في هذا الطريق المتجه من الأرض إلى السماء, أو السفر الأول (من الخلق إلى الحق) من الأسفار الأربعة بتعبير صدر المتألهين الشيرازي.
كان مسجد الضيعة محترف أحلامنا, فيه تكونت نظرتنا الأولى لما حولنا, وفيه قسمنا الناس إلى مؤمنين سينعمون بالجنان وكفرة سيصلون عذاب النار, فيه تعلمنا الصلاة, وفي حديقته تصابينا وامتدت أيدينا إلى ثمار أشجاره الموقوفة المشتهاة, وكبرت علينا فعلتنا بعد ذلك فذرفنا الدموع بسخاء على الوجنات اللدنة: "أن يا رب سامحنا ولك عهدنا ان لا نعيدها ثانية", وكبرنا ولم ينتقم منّا أبو الفضل العباس الموقوفة له الأشجار والثمار.
في بحيرة الجامع توضأ الأتراب الذين أصبحوا فيما بعد شهداء المقاومة الإسلامية, قبالة شمسه الخريفية الواهنة "تشمسوا" وفي زواياه "كنكنوا" ببعضهم البعض في أدعية ليالي القدر الشتوية الطويلة.
في مكتبة المسجد كانت أولى قراءاتنا الثقافية والدينية, وإذا كان الفضل يعود للمدرسة في تعلمنا مواد الحساب والاجتماعيات واللغات فإن لتلك المكتبة المتداعية في زاوية المسجد يعود الفضل في رسم معالم الشخصية في ما بعد. هناك قرأنا المجلات والدوريات: الثقافة الإسلامية, الوحدة الإسلامية و"كيهان العربي" و"العهد" التي أصبح اسمها في ما بعد "الانتقاد"، والتي نخط على صفحاتها الالكترونية هذه الكلمات.
في تلك المكتبة صافحت أعيننا أسماء السيد محمد باقر الصدر، في "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"المدرسة القرآنية", والسيد عبد الحسين شرف الدين في "المراجعات"، والشيخ محمد رضا المظفر في "المنطق".
كانت تلك الأسماء تلوح على جلود الكتب السميكة كبقايا الوشم على ظاهر اليد كما قال الشاعر، وكنا مسرورين بمعرفتها ومسرورين بالمسجد، وكنا نشعر انه مسرور بنا وبزياراتنا له. على الرغم من البرد القارس والثلوج والرياح المولولة كنا نزوره ولا نتركه وحيداً, وعلى وقع المطر الذي يعزف معزوفة الشتاء على صفائح سقوف بيوت الفقراء التنكية كانت تمتمات المصلين أكثر دفئاً.
الانتقاد/ العدد1298 ـ 12 أيلول/ سبتمبر 2008
يبقى للصلاة الرمضانية في مسجد القرية نكهة خاصة, تختلط فيها رائحة الذكريات البعيدة بأطياف الخطوات الأولى في هذا الطريق المتجه من الأرض إلى السماء, أو السفر الأول (من الخلق إلى الحق) من الأسفار الأربعة بتعبير صدر المتألهين الشيرازي.
كان مسجد الضيعة محترف أحلامنا, فيه تكونت نظرتنا الأولى لما حولنا, وفيه قسمنا الناس إلى مؤمنين سينعمون بالجنان وكفرة سيصلون عذاب النار, فيه تعلمنا الصلاة, وفي حديقته تصابينا وامتدت أيدينا إلى ثمار أشجاره الموقوفة المشتهاة, وكبرت علينا فعلتنا بعد ذلك فذرفنا الدموع بسخاء على الوجنات اللدنة: "أن يا رب سامحنا ولك عهدنا ان لا نعيدها ثانية", وكبرنا ولم ينتقم منّا أبو الفضل العباس الموقوفة له الأشجار والثمار.
في بحيرة الجامع توضأ الأتراب الذين أصبحوا فيما بعد شهداء المقاومة الإسلامية, قبالة شمسه الخريفية الواهنة "تشمسوا" وفي زواياه "كنكنوا" ببعضهم البعض في أدعية ليالي القدر الشتوية الطويلة.
في مكتبة المسجد كانت أولى قراءاتنا الثقافية والدينية, وإذا كان الفضل يعود للمدرسة في تعلمنا مواد الحساب والاجتماعيات واللغات فإن لتلك المكتبة المتداعية في زاوية المسجد يعود الفضل في رسم معالم الشخصية في ما بعد. هناك قرأنا المجلات والدوريات: الثقافة الإسلامية, الوحدة الإسلامية و"كيهان العربي" و"العهد" التي أصبح اسمها في ما بعد "الانتقاد"، والتي نخط على صفحاتها الالكترونية هذه الكلمات.
في تلك المكتبة صافحت أعيننا أسماء السيد محمد باقر الصدر، في "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"المدرسة القرآنية", والسيد عبد الحسين شرف الدين في "المراجعات"، والشيخ محمد رضا المظفر في "المنطق".
كانت تلك الأسماء تلوح على جلود الكتب السميكة كبقايا الوشم على ظاهر اليد كما قال الشاعر، وكنا مسرورين بمعرفتها ومسرورين بالمسجد، وكنا نشعر انه مسرور بنا وبزياراتنا له. على الرغم من البرد القارس والثلوج والرياح المولولة كنا نزوره ولا نتركه وحيداً, وعلى وقع المطر الذي يعزف معزوفة الشتاء على صفائح سقوف بيوت الفقراء التنكية كانت تمتمات المصلين أكثر دفئاً.
الانتقاد/ العدد1298 ـ 12 أيلول/ سبتمبر 2008