ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: "اغتيال" مصالحة

على العهد: "اغتيال" مصالحة
كتب إبراهيم الموسوي
الجريمة الغادرة التي أودت بحياة القيادي في الحزب الديموقراطي اللبناني الشيخ صالح فرحان العريضي في بيصور أمس، هي رسالة دموية بالغة الدلالات تجاه لبنان واللبنانيين، هي ليست مجرد حادثة أمنية عابرة يمكن تجاهلها أو الاستهانة بها، كما أنها ليست من نوع الاغتيالات الذي يمكن القول إنه تصفية حساب، أياً يكن هذا الحساب مع جهة أو شخص، وبالتالي ينبغي أن توضع في إطارها الصحيح، وأن يتم التعاطي معها بحساسية بالغة.
الجريمة كبيرة، ودلالاتها كثيرة وواضحة، خاصة إذا ما بدأنا بتحليل أولي لعناصر الجريمة الأساسية لجهة الزمان والمكان والشخصية المستهدفة.
الاغتيال المدبّر بعناية جاء في ظل موجة عارمة من التفاؤل، ووسط انكشاح الأجواء السلبية، واتساع آفاق المصالحة الوطنية، من الشمال مروراً بالبقاع وصولاً إلى بيروت، بعد أن كرّست مصالحة الجبل بين الزعيمين وليد جنبلاط وطلال ارسلان أجواء مؤاتية للانطلاق باتجاهات أخرى، كما أن الاغتيال جاء في لحظة الدعوة إلى الحوار الوطني قريباً في بعبدا لإطلاق عجلة النقاش من جديد حول القضايا الاستراتيجية التي تمس عصب الوطن.
أما المكان فهو الجبل، مع ما يعني ذلك من دلالات لجهة إظهار أن هناك متضررين حقيقيين من عودة المصالحة  والتقارب بين الزعيمين الدرزيين، وكذلك في التحول في قراءة جنبلاط للأحداث وذهابه باتجاه تبني مواقف لا تلتقي مع العديد من أفرقاء 14 شباط ولا سيما سمير جعجع.
الجريمة لها دلالاتها أيضاً التي تكمل عنصري الزمان والمكان لجهة شخصية الشهيد العريضي، وما يمثله من رمزية كبيرة في الجبل: فالشخصية المستهدفة هي شخصية رجل الاعتدال والوسطية والوساطة، تقاطعت عنده العديد من المواقف، وشكل همزة وصل ضرورية ومفتاحاً حقيقياً في أحلك الظروف بين العديد من القوى السياسية ولا سيما الحزبين الاشتراكي الذي كان في عداد كوادره القيادية سابقاً، والديموقراطي اللبناني الذي كان يشغل فيه موقعاً متقدماً حتى تاريخ استشهاده.
كان الشيخ صالح العريضي رجل وساطة بامتياز واستطاع انجاز  العديد من الوساطات والمصالحات، لذا كان الاستهداف!
الاستهداف هو استهداف خط الوساطات والاعتدال والوسطية والمصالحات، الاستهداف هو محاولة لإجهاض الحوار الوطني قبل أن ينطلق، انه محاولة مكشوفة، بائسة يائسة لإحباط اللبنانيين وتثبيط عزائمهم.
نعم، هناك متضررون من المصالحات التي جرت والتحولات التي تجري، هناك من يتحسسون رؤوسهم الآن، ولا يجدون لهم مكاناً فعلياً في المعادلة، بعد أن فشلت كل رهاناتهم الخارجية.
إن أول المتضررين من السلم الأهلي والمصالحة والوحدة الوطنية هو العدو الاسرائيلي وكل من ارتبطت حساباتهم معه، وعليه فإن جريمة الاغتيال هي جريمة بحجم الوطن لأنها تستهدف كل الوطن.
لعل الرد الأكثر بلاغة على الجريمة، هو بالوفاء للشهيد والاستمرار في العمل قدماً لإنجاز أوسع مصالحة وطنية، وتثبيت معادلات استراتيجية، تضع لبنان واللبنانيين في الموقع الصحيح من خلال الحوار الوطني الذي يفترض أن ينطلق بزخم كبير هذه المرة توصلاً لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة منه.
الانتقاد/ العدد1298 ـ 12 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-12