ارشيف من :أخبار عالمية
تغيرات دولية كبرى دقت المسمار الاخير في نعش الإدارة الأميركية والتشييع للمثوى الاخير مؤجل الى تشرين2 المقبل
علي عوباني
في الذكرى السابعة لاحداث الحادي عشر من ايلول , يأتي موسم حصاد السياسات التي انتهجتها الادارة الاميركية بالترافق مع رحيلها كاسدا وعلى غير ما اشتهت بعد ان غيرت وجه العالم الى مذاهب ودويلات وعممت الفوضى الهدامة وحالة اللااستقرار من المحيط الى الخليج . وفي هذا السياق يبدو ان الأحداث الدولية والإقليمية المتسارعة في يومنا هذا ستلقي بثقلها على واقع البيت الابيض بادارته الحالية واللاحقة , في ظل التنبؤ الحتمي بولادة نظام عالمي جديد يراعي التغيرات والتبدلات التي اسقطت المعادلات التي حكمت العالم منذ افول الاتحاد السوفياتي سابقا حتى يومنا هذا , خصوصا في ضوء ما نشهده مؤخرا من هزائم اميركية كبيرة ومتتالية قادت الى وضع المسمار الاخير في نعش الادارة الاميركية واسقاط مداميك سياساتها الدولية ونظرياتها الاستراتيجية ابتداءا من اسقاط آحادية القطب الواحد وما نشهده من تعددية قطبية , ونظرية الامن الاستباقي التي اشاعت الفوضى الامنية دون ان تحقق مبتغاها المقصود , واستراتيجية تقسيم العالم بين محوري الشر والخير او اعتدال وتطرف , بالاضافة الى نظرية تحقيق الاحتلال تحت ستار شعارات الديمقراطية والحرية والسيادة والاستقلال , ووسم حركات المقاومة بالإرهاب.
هذه السياسات الدولية العجاف التي نظّر لها صقور الادارة الاميركية ممن اطلق عليهم اسم المحافظين الجدد والتي جعلوا فيها العالم ساحة اختبار لتجاربهم , انطلقت شرارتها الاولى بذريعة احداث 11 أيلول 2001 واستمرت حى يومنا هذا , وحققت خيبات متتالية لعهد الرئيس الأميركي جورج بوش والذي رمى في مشروعه للسيطرة على العالم ومقدراته , فابتكر نظريات وابتدع مفارقات غريبة عجيبة أصابته بجنون العظمة , سعى من خلالها الى تغيير كل القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية وسيطر على المؤسسات الدولية وسيّرها وفقا لمصالح ادارته السياسية للهيمنة على العالم فامر باحتلال أفغانستان والعراق وتدخل في العديد من دول العالم من دون أي وجه حق وخاض مع ادارته معارك ديبلوماسية حول البرنامج النووي لايران وكوريا الشمالية وقدم دعما لجورجيا في وجه روسيا .
في هذا السياق وفي ضوء التحولات الدولية الكبرى يبدو ان منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغيرات واسعة لصالح حركات التحرر والمقاومة ودول الممانعة بعد الهزائم الأميركية المتتالية التي اثبتت مجددا ان رياح المنطقة لا يمكن ان تجري بما تشتهي السفن الأميركية . فعلى الصعيد الاقليمي يبدو تراجع دور اللاعب الأميركي وتأثيره في مختلف الساحات التي كان يبني على أساسها مشروعه العالمي للهيمنة والسيطرة .
وفي هذا الاطار تجلت أولى هزائم المشروع الأميركي في المنطقة بشكل واضح انطلاقا من لبنان منذ حرب تموز 2006 وإسقاط المقاومة بانتصارها التاريخي آنذاك مشروع الشرق الأوسط الكبير , وصولا الى السابع من ايار الماضي والانهيار السريع والمفاجئ لكل ما بنته الإدارة الاميركية بمساعدة حلفائها في الداخل وراهنت عليه على مدى ثلاث سنوات , ما اضطر هذه الادارة للتراجع مع توقيع حلفائها على اتفاق الدوحة.
اما الوجه الآخر للهزيمة الأميركية في المنطقة فقد برز بفشل سياسة العزلة التي انتهجتها هذه الإدارة حيال سوريا , وبرز هذا الفشل من وجهتين الأولى من خلال المفاوضات الإسرائيلية السورية غير المباشرة والثاني الانفتاح الأوروبي ولا سيما الفرنسي باتجاه سوريا حيث بدا وكأن ساركوزي يحمل مشعل الانفتاح على سوريا بعد إفلاس الإدارة الأميركية.
الانكفاء الأميركي ظهر في فلسطين ايضا , خصوصا وان ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش شارفت على الانتهاء دون وجود أي افق يشير الى امكانية التوصل ل "اتفاق سلام" او تسوية ولو جزئية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي , وفي وقت استمرت فيه عمليات المقاومة الفلسطينية واشتد عودها وعضدها دون ان يضيرها هدنة مؤقتة تسمح لها بالتقاط الانفاس وكسب الوقت في الإعداد والتجهيز والتدريب والتسلح للمواجهات المقبلة مع العدو .
هزائم الإدارة الأميركية تتالت لتبلغ أوجها مع قرب إعلان رئيس وزراء العدو إيهود اولمرت استقالته من حزب كاديما ومن الحكومة وهو الذي عاش في غرفة الإنعاش الأميركية قرابة العامين هربا من تضخم هزيمة عدوان تموز 2006 , فما ان لاحت الانتخابات الأميركية في الأفق حتى تنبه اولمرت لما يمكن ان تؤول اليه الأمور إذا ما بقي في سدة الحكم حتى موعد الانتخابات الأميركية وهو الذي يدري انه ما عاد بإمكان الإدارة الأميركية الوقوف في وجه الرياح العاتية التي تعصف بسياساتها في المنطقة حتى تستطيع إنعاشه وتقديم حقن الدعم لحكومته .
وفي العراق ايضا وفيما تستمر المقاومة العراقية بتنفيذ عملياتها العسكرية في وجه الاحتلال الأميركي فشلت ادارة الاحتلال حتى الآن في شرعنة وجودها لا سيما ان صلاحية قرار مجلس الامن الذي امّن لها الغطاء لاحتلال العراق تحت بند الفصل السابع آخذة بالانتهاء , دون ان تتمكن هذه الادارة من الحصول على توقيع ومصادقة الحكومة والبرلمان العراقي على الاتفاقية الامنية بين البلدين التي تسمح لها ببقاء قواتها على الأراضي العراقية الى أمد غير محدد .
بموازاة ذلك يبدو ان المشروع النووي الايراني في تطور متزايد مشفوعا بالإعلان عن زيادة اجهزة الطرد المركزية ونجاح أول تجربة لاطلاق قمر صناعي الى الفضاء الخارجي دون ان تشهد كل المفاوضات التي دارت حول هذا الموضوع أي تنازل يذكر من قبل ايران عن حقوقها المشروعة بإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية . وفي هذا الاطار فقد حذر امس الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من ان اي حل عسكري للمواجهة مع ايران بشأن طموحاتها النووية غير مقبول مشيرا انه لا حاجة في الوقت الراهن لفرض مزيد من العقوبات على طهران , كما جدد ميدفديف دعمه للتحرك الدبلوماسي الذي يقوده منسق السياسية الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا لاقناع طهران بايقاف بعض أنشطتها النووية مقابل حصولها على مجموعة من الحوافز الاوروبية .
وفي افغانستان وفيما يعكس القلق الأمريكي بشان تصاعد العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية هناك , وافق الرئيس الاميركي جورج بوش الاسبوع الماضي على خطة تقضي باجراء خفض معتدل للقوات الاميركية في العراق وارسال اربعة الاف من القوات الاضافية الى افغانستان. في خطوة تعكس مدى المأزق الاميركي في هذا البلد , وهو ما استدعى لقاء عاجل بين الرئيس الامريكي جورج بوش الرئيس الافغاني حامد كرزاي في واشنطن يوم 26 ايلول المقبل حسبما اعلن البيت الابيض امس.
وفي باكستان فقد انهار مؤخرا احد اهم اعمدة الدعم السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الاميركية بعد ان سقط نظام الحكم الحديدي للرئيس مشرف الموالي لإدارة بوش وجرى على اثر ذلك تنظيم انتخابات رئاسية جديدة . وفي خطوة لافتة ودالة على حجم الخسارة التي تكبدتها واشنطن بخروج مشرف من الحكم فقد اضطرت القوات الاميركية مؤخرا شن هجمات برية داخل باكستان وبدون علم السلطات الباكستانية وهو ما كشفت عنه امس صحيفة نيويورك تايمز مشيرة الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش اتخذ سرا في تموز الماضي قرارا يسمح للقوات الأمريكية الخاصة بشن هجمات برية داخل باكستان بدون موافقة السلطات الباكستانية.
هذا على الصعيد الاقليمي اما على الصعيد الدولي فالصورة ليست بأحسن حالاتها ايضا وفي هذا الاطار نشير الى التراجع الأميركي الذي برز مؤخرا وخصوصا خلال الحرب التي خاضتها موسكو مع جورجيا مما اضطر الإدارة الاميركية للرضوخ للإرادة الروسية من خلال رعاية اتفاق وقف لإطلاق النار بين الطرفين المذكورين برعاية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فيما يبدو ان هذه الازمة آخذة بالتفاقم بعدما فجرت انعدام الثقة بين الطرفين الاميركي والروسي واستعادت الحرب الباردة وسباق التسلح والمناورات السياسية والعسكرية المتسارعة بطرق شتى , ومما يرجح توسيع رقعة المواجهة بين الطرفين واخذها ابعاد وتفاعلات كبيرة , وهو ما بدا واضحا من خلال اعلان الرئيس الروسي امس ان العالم تغير بعد الثامن من اب اغسطس وقوله :" بعد ما حدث في القوقاز خطر لي ان الثامن من اغسطس هو بالنسبة لنا الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للولايات المتحدة ". مضيفا ان الولايات المتحدة والبشرية كلها استخلصت العديد من الدروس من 11 ايلول سبتمبر 2001 . وانا أود ان ارى الثامن من اغسطس 2008 يثمر عن العديد من الدروس المفيدة أيضا.مشيرا في هذا الاطار الى احترام القانون الدولي وضرورة انشاء نظام امن عالمي أكثر فاعلية والابتعاد عن سياسة القطب والواحد وهيمنة الولايات المتحدة للدبلوماسية الدولية. وفيما يبدو انه رسالة قوية موجهة للادارة الاميركية فقد اعلنت روسيا عن التحضير لمناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا فيما يشير الى ان النظام الروسي يستطيع اللعب خارج حدود الملعب الذي تحدده الادارة الاميركية وذلك بالالتفاف الى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة اي الى اميركا اللاتينية ( فنزويلا - بوليفيا ..) , التي شهدت علاقتها مع الولايات المتحدة تصاعدا في التوتر بعد تبادل عملية طرد السفراء فيما بين الطرفين , فيما كان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز هدد بان بلاده سترد عسكريا في حال الاطاحة بحليفه البوليفي ايفو موراليس بعدما اعلن ان حكومته كشفت عن خطة انقلاب رسمها عدد من ضباط الجيش الحاليين والمتقاعدين بموافقة اميركية سرية.
في ظل هذه الصورة التي رسمناها للوضع الاقليمي والدولي وبعد انهيار انظمة الحكم الحليفة للادارة الاميركية في المنطقة والعالم اجمع ابتداء من لبنان الى باكستان و"اسرائيل" وفلسطين والعراق وافغانستان ... فانه بات من شبه المؤكد ان وجه وصورة العالم في ال 2009 لن تكون كما قبلها على الاطلاق , وان أي إدارة اميركية جديدة للبيت الابيض ستكون مثقلة بقيود وسلاسل المخزون الهائل من العداء للسياسات الأميركية في العالم وستنطلق بالتأكيد من واقع دولي وإقليمي لن يكون في صالحها .
في الذكرى السابعة لاحداث الحادي عشر من ايلول , يأتي موسم حصاد السياسات التي انتهجتها الادارة الاميركية بالترافق مع رحيلها كاسدا وعلى غير ما اشتهت بعد ان غيرت وجه العالم الى مذاهب ودويلات وعممت الفوضى الهدامة وحالة اللااستقرار من المحيط الى الخليج . وفي هذا السياق يبدو ان الأحداث الدولية والإقليمية المتسارعة في يومنا هذا ستلقي بثقلها على واقع البيت الابيض بادارته الحالية واللاحقة , في ظل التنبؤ الحتمي بولادة نظام عالمي جديد يراعي التغيرات والتبدلات التي اسقطت المعادلات التي حكمت العالم منذ افول الاتحاد السوفياتي سابقا حتى يومنا هذا , خصوصا في ضوء ما نشهده مؤخرا من هزائم اميركية كبيرة ومتتالية قادت الى وضع المسمار الاخير في نعش الادارة الاميركية واسقاط مداميك سياساتها الدولية ونظرياتها الاستراتيجية ابتداءا من اسقاط آحادية القطب الواحد وما نشهده من تعددية قطبية , ونظرية الامن الاستباقي التي اشاعت الفوضى الامنية دون ان تحقق مبتغاها المقصود , واستراتيجية تقسيم العالم بين محوري الشر والخير او اعتدال وتطرف , بالاضافة الى نظرية تحقيق الاحتلال تحت ستار شعارات الديمقراطية والحرية والسيادة والاستقلال , ووسم حركات المقاومة بالإرهاب.
هذه السياسات الدولية العجاف التي نظّر لها صقور الادارة الاميركية ممن اطلق عليهم اسم المحافظين الجدد والتي جعلوا فيها العالم ساحة اختبار لتجاربهم , انطلقت شرارتها الاولى بذريعة احداث 11 أيلول 2001 واستمرت حى يومنا هذا , وحققت خيبات متتالية لعهد الرئيس الأميركي جورج بوش والذي رمى في مشروعه للسيطرة على العالم ومقدراته , فابتكر نظريات وابتدع مفارقات غريبة عجيبة أصابته بجنون العظمة , سعى من خلالها الى تغيير كل القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية وسيطر على المؤسسات الدولية وسيّرها وفقا لمصالح ادارته السياسية للهيمنة على العالم فامر باحتلال أفغانستان والعراق وتدخل في العديد من دول العالم من دون أي وجه حق وخاض مع ادارته معارك ديبلوماسية حول البرنامج النووي لايران وكوريا الشمالية وقدم دعما لجورجيا في وجه روسيا .
في هذا السياق وفي ضوء التحولات الدولية الكبرى يبدو ان منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغيرات واسعة لصالح حركات التحرر والمقاومة ودول الممانعة بعد الهزائم الأميركية المتتالية التي اثبتت مجددا ان رياح المنطقة لا يمكن ان تجري بما تشتهي السفن الأميركية . فعلى الصعيد الاقليمي يبدو تراجع دور اللاعب الأميركي وتأثيره في مختلف الساحات التي كان يبني على أساسها مشروعه العالمي للهيمنة والسيطرة .
وفي هذا الاطار تجلت أولى هزائم المشروع الأميركي في المنطقة بشكل واضح انطلاقا من لبنان منذ حرب تموز 2006 وإسقاط المقاومة بانتصارها التاريخي آنذاك مشروع الشرق الأوسط الكبير , وصولا الى السابع من ايار الماضي والانهيار السريع والمفاجئ لكل ما بنته الإدارة الاميركية بمساعدة حلفائها في الداخل وراهنت عليه على مدى ثلاث سنوات , ما اضطر هذه الادارة للتراجع مع توقيع حلفائها على اتفاق الدوحة.
اما الوجه الآخر للهزيمة الأميركية في المنطقة فقد برز بفشل سياسة العزلة التي انتهجتها هذه الإدارة حيال سوريا , وبرز هذا الفشل من وجهتين الأولى من خلال المفاوضات الإسرائيلية السورية غير المباشرة والثاني الانفتاح الأوروبي ولا سيما الفرنسي باتجاه سوريا حيث بدا وكأن ساركوزي يحمل مشعل الانفتاح على سوريا بعد إفلاس الإدارة الأميركية.
الانكفاء الأميركي ظهر في فلسطين ايضا , خصوصا وان ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش شارفت على الانتهاء دون وجود أي افق يشير الى امكانية التوصل ل "اتفاق سلام" او تسوية ولو جزئية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي , وفي وقت استمرت فيه عمليات المقاومة الفلسطينية واشتد عودها وعضدها دون ان يضيرها هدنة مؤقتة تسمح لها بالتقاط الانفاس وكسب الوقت في الإعداد والتجهيز والتدريب والتسلح للمواجهات المقبلة مع العدو .
هزائم الإدارة الأميركية تتالت لتبلغ أوجها مع قرب إعلان رئيس وزراء العدو إيهود اولمرت استقالته من حزب كاديما ومن الحكومة وهو الذي عاش في غرفة الإنعاش الأميركية قرابة العامين هربا من تضخم هزيمة عدوان تموز 2006 , فما ان لاحت الانتخابات الأميركية في الأفق حتى تنبه اولمرت لما يمكن ان تؤول اليه الأمور إذا ما بقي في سدة الحكم حتى موعد الانتخابات الأميركية وهو الذي يدري انه ما عاد بإمكان الإدارة الأميركية الوقوف في وجه الرياح العاتية التي تعصف بسياساتها في المنطقة حتى تستطيع إنعاشه وتقديم حقن الدعم لحكومته .
وفي العراق ايضا وفيما تستمر المقاومة العراقية بتنفيذ عملياتها العسكرية في وجه الاحتلال الأميركي فشلت ادارة الاحتلال حتى الآن في شرعنة وجودها لا سيما ان صلاحية قرار مجلس الامن الذي امّن لها الغطاء لاحتلال العراق تحت بند الفصل السابع آخذة بالانتهاء , دون ان تتمكن هذه الادارة من الحصول على توقيع ومصادقة الحكومة والبرلمان العراقي على الاتفاقية الامنية بين البلدين التي تسمح لها ببقاء قواتها على الأراضي العراقية الى أمد غير محدد .
بموازاة ذلك يبدو ان المشروع النووي الايراني في تطور متزايد مشفوعا بالإعلان عن زيادة اجهزة الطرد المركزية ونجاح أول تجربة لاطلاق قمر صناعي الى الفضاء الخارجي دون ان تشهد كل المفاوضات التي دارت حول هذا الموضوع أي تنازل يذكر من قبل ايران عن حقوقها المشروعة بإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية . وفي هذا الاطار فقد حذر امس الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من ان اي حل عسكري للمواجهة مع ايران بشأن طموحاتها النووية غير مقبول مشيرا انه لا حاجة في الوقت الراهن لفرض مزيد من العقوبات على طهران , كما جدد ميدفديف دعمه للتحرك الدبلوماسي الذي يقوده منسق السياسية الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا لاقناع طهران بايقاف بعض أنشطتها النووية مقابل حصولها على مجموعة من الحوافز الاوروبية .
وفي افغانستان وفيما يعكس القلق الأمريكي بشان تصاعد العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية هناك , وافق الرئيس الاميركي جورج بوش الاسبوع الماضي على خطة تقضي باجراء خفض معتدل للقوات الاميركية في العراق وارسال اربعة الاف من القوات الاضافية الى افغانستان. في خطوة تعكس مدى المأزق الاميركي في هذا البلد , وهو ما استدعى لقاء عاجل بين الرئيس الامريكي جورج بوش الرئيس الافغاني حامد كرزاي في واشنطن يوم 26 ايلول المقبل حسبما اعلن البيت الابيض امس.
وفي باكستان فقد انهار مؤخرا احد اهم اعمدة الدعم السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الاميركية بعد ان سقط نظام الحكم الحديدي للرئيس مشرف الموالي لإدارة بوش وجرى على اثر ذلك تنظيم انتخابات رئاسية جديدة . وفي خطوة لافتة ودالة على حجم الخسارة التي تكبدتها واشنطن بخروج مشرف من الحكم فقد اضطرت القوات الاميركية مؤخرا شن هجمات برية داخل باكستان وبدون علم السلطات الباكستانية وهو ما كشفت عنه امس صحيفة نيويورك تايمز مشيرة الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش اتخذ سرا في تموز الماضي قرارا يسمح للقوات الأمريكية الخاصة بشن هجمات برية داخل باكستان بدون موافقة السلطات الباكستانية.
هذا على الصعيد الاقليمي اما على الصعيد الدولي فالصورة ليست بأحسن حالاتها ايضا وفي هذا الاطار نشير الى التراجع الأميركي الذي برز مؤخرا وخصوصا خلال الحرب التي خاضتها موسكو مع جورجيا مما اضطر الإدارة الاميركية للرضوخ للإرادة الروسية من خلال رعاية اتفاق وقف لإطلاق النار بين الطرفين المذكورين برعاية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فيما يبدو ان هذه الازمة آخذة بالتفاقم بعدما فجرت انعدام الثقة بين الطرفين الاميركي والروسي واستعادت الحرب الباردة وسباق التسلح والمناورات السياسية والعسكرية المتسارعة بطرق شتى , ومما يرجح توسيع رقعة المواجهة بين الطرفين واخذها ابعاد وتفاعلات كبيرة , وهو ما بدا واضحا من خلال اعلان الرئيس الروسي امس ان العالم تغير بعد الثامن من اب اغسطس وقوله :" بعد ما حدث في القوقاز خطر لي ان الثامن من اغسطس هو بالنسبة لنا الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للولايات المتحدة ". مضيفا ان الولايات المتحدة والبشرية كلها استخلصت العديد من الدروس من 11 ايلول سبتمبر 2001 . وانا أود ان ارى الثامن من اغسطس 2008 يثمر عن العديد من الدروس المفيدة أيضا.مشيرا في هذا الاطار الى احترام القانون الدولي وضرورة انشاء نظام امن عالمي أكثر فاعلية والابتعاد عن سياسة القطب والواحد وهيمنة الولايات المتحدة للدبلوماسية الدولية. وفيما يبدو انه رسالة قوية موجهة للادارة الاميركية فقد اعلنت روسيا عن التحضير لمناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا فيما يشير الى ان النظام الروسي يستطيع اللعب خارج حدود الملعب الذي تحدده الادارة الاميركية وذلك بالالتفاف الى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة اي الى اميركا اللاتينية ( فنزويلا - بوليفيا ..) , التي شهدت علاقتها مع الولايات المتحدة تصاعدا في التوتر بعد تبادل عملية طرد السفراء فيما بين الطرفين , فيما كان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز هدد بان بلاده سترد عسكريا في حال الاطاحة بحليفه البوليفي ايفو موراليس بعدما اعلن ان حكومته كشفت عن خطة انقلاب رسمها عدد من ضباط الجيش الحاليين والمتقاعدين بموافقة اميركية سرية.
في ظل هذه الصورة التي رسمناها للوضع الاقليمي والدولي وبعد انهيار انظمة الحكم الحليفة للادارة الاميركية في المنطقة والعالم اجمع ابتداء من لبنان الى باكستان و"اسرائيل" وفلسطين والعراق وافغانستان ... فانه بات من شبه المؤكد ان وجه وصورة العالم في ال 2009 لن تكون كما قبلها على الاطلاق , وان أي إدارة اميركية جديدة للبيت الابيض ستكون مثقلة بقيود وسلاسل المخزون الهائل من العداء للسياسات الأميركية في العالم وستنطلق بالتأكيد من واقع دولي وإقليمي لن يكون في صالحها .