ارشيف من :آراء وتحليلات

التفاهم ولاسا: قضية كنيسة وجامع؟؟

التفاهم ولاسا: قضية كنيسة وجامع؟؟
كتبت ليلى نقولا الرحباني
على مدى أسبوعين، استمر الاعلام الموالي والمواقع الالكترونية للعديد من القوى السياسية، يدقون الاسافين بين اللبنانيين وبين الطوائف بعضها ببعض، ويتهمون حزب الله بالسيطرة على كنيسة في بلدة "لاسا" في جبيل، محولاً اياها الى جامع.

تحريض وتحريض، واتهام التيار الوطني الحر بتسهيل "استباحة المقامات الدينية المسيحية" في منطقة جبيل من قبل حزب الله، وان الحزب يتلطى بـ"التفاهم" ليسيطر على المنطقة ويسلب الكنيسة ارضها ويحولها الى جامع.

الحقيقة والوقائع على الارض تفيد ان النزاع القضائي القديم بين السلطات الدينية المسيحية وبعض العائلات الشيعية في قرية "لاسا" يعود الى عقود قبل نشوء حزب الله، وهناك نزاعات مماثلة في كثير من المناطق اللبنانية، منها مثلاً النزاع الموجود بين دير ميفوق والعائلات الموجودة هناك وهي ـ بالمناسبة ـ عائلات مسيحية صرف، وهو نزاع يقول ابناء قرية ميفوق انه يعود الى اواخر فترة حكم العثمانيين ونشوب الحرب العالمية الاولى، حين التجأوا الى الدير في زمن المجاعة.

لم يتطرق الاعلام الموالي الى قضية لاسا بصفتها قضية نزاع قديم على ملكية أرض كما حال الكثير من قضايا القرى في جبيل، بل فبرك قصصاً وهمية وأدخل القضية ضمن "صراع الحضارات" الاكبر، ولو قُدر له لرده الى حقبة الحروب الصليبية، ولشبّهه في كيفية تحويل آيا صوفيا في تركيا الى مسجد ثم الى متحف فيما بعد.

النزاع القضائي على ملكية أرض، أمر يحصل دائماً في كل عصر وبين كل العائلات وحتى الدول، لكن ان يتم تحويله الى صراع بين المسيحيين والمسلمين على دُور عبادة، فهو امر مستنكر، لا بل يجب ان يخجل به هؤلاء ان كانوا كما يدّعون ينتمون الى احد الاديان السماوية التي تؤمن جميعها بالله الواحد.

لكننا لا نتفاجأ، لان التحريض الطائفي والمذهبي هو علة وجود هؤلاء المدّعين القداسة والطهارة والايمان، وهم في الواقع، ابعد الناس عن الايمان الحقيقي، فالدين لا يمكن أن يكون في جوهره وغايته إلا مصدر محبة وسلام وعدل وارتقاء لإنسانية الإنسان في توقها إلى الله الواحد. لكن عندما يصادر الناس الدين ويستأثرون به ويجعلونه خاصتهم، ويقطعون صلته بالوحي الإلهي المستمر أبداً، ويدّعون احتكار الحقيقة المطلقة بشأنه من أجل توظيفه في خدمة أغراض ومآرب سياسية وفتنوية ضيقة، وعندما يزيفونه لاستخدامه مبرراً لقتل الابرياء وإضفاء صفة القدسية على الاجرام، إنما يصبح الدين الوسيلة الأكثر فتكاً في كرامة الانسان وحقوقه المشروعة.

اما مثيرو قضية لاسا اليوم، فتاريخهم مليء بادّعاء الحرص الكاذب على المسيحيين، لقد استخدموا الدين في شعارهم السياسي فحولوا الصليب ـ رمز الفداء في المسيحية ـ الى خنجر قاتل يهددون به أعداءهم. قتلوا على الهوية، وسمحوا لانفسهم خلال الحرب الاهلية، بتشكيل محاكم "غب الطلب" على الطرقات والحواجز، وأباحوا قتل الآخر ـ أي آخر ـ بتهمة وحيدة وكافية، هي الاختلاف الديني. وفي الطرف الآخر، لاقاهم المتعصبون، فأقاموا بينهم وبين هؤلاء ما يشبه الحلف الجهنمي، الذي انقضّ على اللبنانيين يستبيح كراماتهم ويقتل أبناءهم ويشردهم ويهجّرهم من قراهم.

يوماً بعد يوم يثبت حزب الله والتيار الوطني الحر ان ما قاموا به من تفاهم، هو اكثر من كلمات جميلة منمقة على ورق، وانه اكثر من مجرد تفاهم سياسي او حلف انتخابي، انه مشروع سلام حقيقي بين اللبنانيين وبين الطوائف، وكما اعتبر البعض ان هذا التفاهم كان المسمار الاول الذي دق في نعش مشروع الشرق الاوسط الذي حاول الاميركيون إمراره، فان هذا التفاهم يبدو من خلال حادثة لاسا وغيرها، أنه سيكون ايضاً، الاسفين الذي سيدق في مشروع "صراع الحضارات" الذي يقوم على ادعاء الحقد والبغضاء بين المسيحيين والمسلمين.
الانتقاد العدد1299 ـ 16 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-16