ارشيف من :آراء وتحليلات

بوصلة الحوار الوطني

بوصلة الحوار الوطني

كتب ابراهيم الموسوي
ينطلق اليوم الحوار الوطني في قصر بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبحضور أقطابه الأربعة عشر. الرئيس يريد التئام طاولة الحوار كمقدمة لبحث أهم الملفات، وإن تكن "الاستراتيجية الدفاعية" هي العنوان الأبرز، وهو سيحرص على محاولة إبرام مصالحات جديدة استكمالاً لانطلاق أجواء التلاقي بين غير فريق لبناني.

المعارضة لديها أولوياتها، فهي تحرص على أن يطلق الحوار دينامية وطنية جامعة تستطيع بلورة مواقف كل الأقطاب من مشروع الاستراتيجية الدفاعية وأحقية المقاومة، وكذلك فهي ستحاول توسيع إطار المشاركة في الحوار ليضم أطرافاً أساسية ترى ضرورة تمثيلها في هذا الحوار.

قوى الرابع عشر من آذار التي يعتريها الوهن والانقسام والتبدلات في المواقف سوف تحاول وضع أولويات جديدة، ومقاربة منطقها الذي يتحدث عن الدولة والسيادة، كما يحاول استبعاد توسيع طاولة الحوار خوفاً مما يسميه برج بابل الذي قد يؤدي إلى هرج ومرج، ويعطل إمكانية الوصول إلى نتائج حقيقية.

مهما يكن منظور كل طرف في التعاطي مع الحوار والأهداف التي يتوخى تحقيقها، فإن انطلاق الحوار هو ايجابية كبرى بحد ذاتها تسجّل لرئيس الجمهورية، وهي ستمكنه من تقديم نفسه كراعٍ أول للحوار الوطني، وكساعٍ لإيجاد حلول للقضايا الاستراتيجية العالقة أمام الرأي العام اللبناني والعالمي.

الحوار مطلوب، ولكن المطلوب أيضاً هو التوافق على قواسم مشتركة كبرى على المستوى الوطني كي يصلح الحوار وتصح نتائجه، فمثلاً، لم يعد من الجائز أبداً أن يكون حق اللبنانيين الشرعي والقانوني والطبيعي في الدفاع عن أنفسهم في مواجهة الاحتلال وغطرسة القوة الصهيونية موضع نقاش وتساؤل لدى أحد، كما أنه لم يعد من الجائز التشكيك بجدوى هذه المقاومة بعد الانجازات الهائلة التي قدمتها للبنان وضخت فيه من المناعة والقوة ما اعترف به الأعداء والأصدقاء على حد سواء.

جلسة اليوم هي فاتحة الجلسات، ولن تأتي الجلسة التالية إلا بعد عطلة عيد الفطر بسبب سفر رئيس الجمهورية إلى الولايات المتحدة الاميركية، وعليه فإن أجواء الجلسة وكذلك المسافة الفاصلة بين الجلستين يجب أن تكرّس مزيداً من المصالحات بين الأفرقاء اللبنانيين حتى يستمر زخم الحوار الوطني قوياً توصلاً إلى نتائج ملموسة.

التفاؤل مطلوب دائماً، التسلح بالنيات الحسنة ضروري أيضاً، ولكنه لن يكون كافياً بالتأكيد، فالمطلوب من كل الأفرقاء وعي حساسية وطبيعة المرحلة، والتقاط الفرصة المؤاتية لإعادة صياغة الموقف من القضايا الوطنية الكبرى بطريقة سليمة. المشكلة هي أن يستمر بعض الأفرقاء في رهاناتهم الخاطئة، وأن يفترضوا أن إمكانية تغيير قواعد اللعبة ما زالت متاحة، وما يفاقم هذه المشكلة عند استحقاق الحوار هو موضوع الاتتخابات المقبلة، فثمة من يريد أن يتعاطى مع طاولة الحوار بمنطق البازار الانتخابي بحيث يبيع ويشتري ويساوم ويرهن ويراهن بناءً على حسابات ضيقة تتصل بمكاسب انتخابية آنية من دون النظر إلى الصورة الكاملة.

لقد آن الأوان أن يلتفت هذا البعض إلى أن الدنيا تتغير ليس فقط في لبنان، بل في كل العالم، والولايات المتحدة التي مُنيت بأحد أسوأ الإفلاسات العسكرية في العراق وأفغانستان، وأسوأ الإفلاسات السياسية في فلسطين ولبنان، تواجه اليوم أحد أسوأ إفلاساتها المالية والاقتصادية، وبالتالي فإن قمة الإفلاس لدى البعض أن يستمر في الرهان على مفلسين.

لبنان اليوم هو القضية، دفاعه وأمنه، وحبّذا لو وافق جماعة 14 آذار على بحث الاقتصاد والمال على طاولة الحوار، لأن الأمن المالي والاقتصادي لا يقل أهمية وخطورة عن الأمن العسكري، وهو صمام الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي. حبّذا لو وافق هؤلاء على مناقشة كل ما يتصل بإعادة بناء الوطن ككل، ما دام أن كل أفرقائه الأساسيين مجتمعين الى طاولة الحوار. لبنان اليوم هو القضية، لذا آن الأوان لهؤلاء أن يعيدوا حساباتهم وتقويم تجاربهم وأخذ العبر المطلوبة، لأن الوقت ليس متاحاً دائماً لتكرار العِبَر والأمثولات لأنها مكلفة جداً للوطن والمواطن.

لطالما نادى هؤلاء بالحرية والسيادة والاستقلال، فليستقلوا قليلاً بما يمنح الحوار فرص نجاحه، أرونا بعضاً من سيادتكم أيها السياديون!
الانتقاد العدد1299 ـ 16 أيلول/ سبتمبر 2008

2008-09-16