ارشيف من :أخبار عالمية
سورية والهند والعالم العربي

دمشق ـ راضي محسن
زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس بشار الأسد إلى الهند تدل على رغبة السياسة السورية في التوجه نحو البلدان الصاعدة في شرق آسيا (ومنها أيضاً الصين التي زارها الرئيس الأسد عام 2004) لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية معها وحثها على لعب دور أكبر في حل مشاكل منطقتنا المختلفة ما يمهد لإيجاد عالم حيوي متعدد الأقطاب.
وبعد ثلاثين عاماً على آخر زيارة ثنائية قام بها رئيس سوري إلى الهند، فإن اختيار الرئيس الأسد هذه الدولة لزيارتها لا يأتي من فراغ، فالمكانة الجيوسياسة التي تتمتع بها الهند، والنمو الاقتصادي المستمر الذي نجحت في تحقيقه جعلا منها دولة ذات وزن إقليمي وعالمي حتى أن الخبراء يتوقعون أن تصبح في المستقبل القريب ثالث أكبر اقتصاد في العالم وخاصة أنها الآن تعتبر عاشر أكبر اقتصاد، ورابع قوة شرائية على مستوى العالم.
ويبدو جلياً أن عوامل نجاح زيارة الرئيس الأسد متوافرة مسبقاً، وتكمن في القواسم المشتركة التي تجمع البلدين فمواقف الهند تجاه القضايا العربية مواقف مشرفة، والعلاقات السورية الهندية قائمة على أساس من الاحترام المتبادل والتعاون.
قياساً على ما سبق، فإن هذه الزيارة ستفتح فصلاً جديداً في العلاقات بين البلدين وستدعمها بزخم قوي في مختلف المجالات وخاصة أن الهند تنظر إلى سورية على أنها بوابتها للعالم العربي إداركاً منها لدور سورية المحوري في المنطقة وموقعها الاستراتيجي كصلة وصل بين الشرق والغرب، وسورية هي الأخرى تُقدِّرُ كم هو هام الثقل الذي تمثله الهند إقليمياً وعالمياً ومن حقها أن تطمح إلى الاستفادة من هذه المكانة.
تبدو مصلحة سورية خاصة والعرب عامة واضحة في أن تلعب نيودلهي دورها في حل مشاكل منطقتنا، فللهند تأييدها الدائم للحق العربي، ولها علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية وهذا الأمر تنظر سورية إليه بإيجابية وارتياح في ظل عالم أحادي القطبية.
كذلك فإن للهند مصلحة في تعزيز دورها الإيجابي في منطقتنا والمساهمة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، وتتبدى هذه المصلحة بوضوح في ظل وجود أكثر من خمسة ملايين عامل هندي في دول الخليج، ما يجعل أمنهم من أمن المنطقة.
كما أن من مصلحة الهند أمن واستقرار المناطق التي تزودها بالطاقة التي تحتاجها من أجل دعم نموها الاقتصادي المتسارع، ومنطقة الشرق الأوسط من أهم هذه المناطق، وبالتالي فإن من مصلحة الهند لعب دور أكبر في هذه المنطقة، ومباحثات الرئيس الأسد مع المسؤولين الهنود مناسبة هامة في هذا السياق، وفرصة للهند للتعرف على وجهات نظر أحد اللاعبين الهامين في المنطقة.
أهمية هذه الزيارة لا تقف عند حدود بُعدها الثنائي، بل تتجاوزه إلى ما أبعد من ذلك، فالزيارة تأتي في الوقت الذي تترأس فيه سورية القمة العربية ما يعني أن الهند تستقبل الآن الرئيس الأسد الذي يتحدث بلسان العرب أجمعين وهو ما يُخرج الزيارة من إطارها السوري الهندي إلى إطارها الأوسع أي العربي الهندي وهي فرصة نادرة من المؤكد أن الهند ستستثمرها للولوج إلى العالم العربي من أوسع أبوابه.