ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: العين بالعين والجرافة بالجرافة

بقلم الرصاص: العين بالعين والجرافة بالجرافة
كتب نصري الصايغ
العين بالعين؟
لا، البلدوزر بالبلدوزر، لم يجترح الفلسطيني البلدوزر كسلاح، سبقه اليه الاسرائيلي، وكان متفوقاً في  التدمير والقتل، بلدوزر الفلسيطني في القدس، ليس بفعالية البلدوزر الاسرائيلي، لقد نظم فيه الاسرائيليون قصائد مدح، دلّعوه، غنجوه، وسفكوا باسمه الفلسطينيين، بيوتاً وأحياءً وبساتين ورجالاً ونساءً وأطفالاً.. هل نسيتم راشيل كوري الفتاة المسالمة التي وقفت في وجه البلدوزر الاسرائيلي، كي تمنعه من اغتيال الحجر، وتدمير المنازل، وقتل الأشجار؟
هل نسيتم ماذا فعل البلدوزر الاسرائيلي؟
بكل دم بارد، اقتلع راشيل من حياتها، وأعادها إلى أهلها في الولايات المتحدة الاميركية، شهيدة اميركية، غير معترف بها، وشاهدة انسانية على عصر البلدوزر الاسرائيلي.
الجرافات الاسرائيلية، قاتلة بصيغة منتهى الجموع، ومهما حاولنا تعداد المجازر التي ارتكبتها، فلن تصل إلى ما كتبه "موشي نسيم" في يديعوت أحرونوت، بعد دخول مخيم جنين.
"وصلت المخيم وأنا مصاب بجنون الكأس، لم يكن لدي شيء أخسره، عام ونصف عاطل من العمل، صرفتني بلدية القدس عن الخدمة بتهمة الفساد ولم يكن لدي أي رصيد لسداد ديوني وإعالة عائلتي".
وقبل استكمال شهادة نسيم سائق البلدوزر يجدر بنا أن نتعرف الى اسم الجرافة، إنه يلقب بـ"النونورس".
ماذا فعل نسيم "بالنونورس"؟ "لم أكن أعرف قيادة "النونورس" قبل دخولي نابلس، علمني زملائي كيف أسوّي الأرض أفقياً، ولما وصلت جنين، لم أكن قد تمرنت على تدمير أي منزل، ولا حتى تدمير أي جدار".
"لم أترجل عن البلدوزر الذي يزن 50 طناً لمدة 65 ساعة، وقد استطعت الصمود هكذا لأنني كنت أكرع الويسكي، ولأنني كنت أستعيد صور العمليات الانتحارية، كان تدمير البيوت سهلاً، عرض البلدوزر أكبر من الأزقة، ويكفي أن أمر به حتى تنهار الجدران وتدك المنازل، كان يلزم أن لا اظهر أي شفقة على الاطلاق، ولم يكن لديّ وقت لإضاعته.
"كانت المنازل تدمر على سكانها، كان هناك عدد من القتلى تحت الانقاض.. اذا كنت نادماً على شيء، فهو أنني لم استطع تدمير كل المخيم في ثلاثة أيام، نفذت أمراً واحداً هو التدمير، في جنين دفنت ثمانية عشر عاماً من الاحباط والضجر".
"عندما عدنا من المخيم، كان الجنود متعبين ومنهارين فيما كنت أطالب بالمزيد، أنا حزين ازاء ما حصل للأطفال الفلسطينيين، أما أهلهم فإنهم لا يستحقون الحياة، ان امرأة حاملاً تؤوي ارهابياً يجب تصفيتها.
كل المنظمات الانسانية ومنظمات حقوق الانسان والأمم المتحدة لا تروي الا ترّهات وسخافات، لقد سوينا جزءاً من المخيم أرضاً وبفضلنا يستطيع سكان المخيم أن يلعبوا كرة قدم".
سياسة التجريف الاسرائيلية، أبادت، بواسطة الجرافات أكثر من أربعمئة قرية، آلاف المنازل، عشرات آلاف الدونمات.. قتلت بيوتاً  اغتالت أشجاراً، ارتكبت مستوطنات، اعدمت شعباً استهلكت كل أفعال الفتك والتقتيل.
ولم يحرك العالم ساكناً.
لا المنظمات الدولية، لا جماعات حقوق الانسان، لا جماعة الحفاظ على البيئة.
الضمير الانساني قرصان.
يتصيّد الفلسطيني، الغارق في دمه ليلحق به تهمة استعمال البلدوزر انتقاماً، ويسميه ارهاباً.
لو أن لهذا العالم ضميراً، بحجم حبة العدس، لطالب بالغاء الاحتلال، ومعاقبة المحتلين والتعويض على الفلسطينيين، بجائزة القداسة، والصبر والرفض.
آخر ما اجترحه الغرب و"المجتمع الدولي" نصاب المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب.
في ظل هذا الضمير الحقير جداً، للمجتمع الدولي، سنصل إلى يوم ينصّب فيه سفاحو اسرائيل مدعين عامين وقضاة دوليين، للحكم على الجنين الفلسطيني بالإرهاب.
في ظل هذا الضمير الحقير، سيبقى الفلسطيني يقاوم بدمه.
إن عالماً بلا أخلاق، يستحق أن يعامل ضميره، بمنطق الجرّافة.
الانتقاد/ العدد1300 ـ 19 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-19