ارشيف من :آراء وتحليلات
طاولة حوار 2008 غيرها عام 2006: فهل تبدلت الدوافع، أم ما زالت هي نفسها؟

كتب مصطفى الحاج علي
هل ثمة شبه بين طاولة حوار السادس عشر من أيلول للعام 2008، وطاولة حوار العام 2006 التي طوت آخر جلساتها في شهر حزيران مذ ذاك؟ أم أن كل شيء تغير لدرجة يصعب معها تصور مجرد استئناف عادي وتلقائي لانعقاد جلسات الحوار الوطني؟ وما هو المتوقع أن تخرج به جلسات الحوار هذه، وسط رهانات الأفرقاء المختلفين؟ وهل ثمة مسكوت عنه في هذا الحوار، وهو ـ بالتالي ـ يشكل بند الحوار الحقيقي؟ وهل أخيراً، ثمة علاقة بين انعقاد طاولة الحوار، وشياع أجواء المصالحات المتباينة الجهات والنيات والأهداف، وأين يتقاطع المساران، وأين يلتقيان، وأين يتمايز كل منهما؟
لا شك، في أن الدنيا قد تبدلت ما بين طاولة حوار العام 2006، وطاولة حوار العام 2008، فهناك فشل عدوان تموز بكل تداعياته ونتائجه وانعكاساته الداخلية والخارجية، وهناك أحداث السابع من أيار التي أفرزت العديد من النتائج والتداعيات السياسية، أبرزها اتفاق الدوحة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وهناك اقليمياً ودولياً الاخفاق الاميركي الذريع في المنطقة بكل تداعياته الدولية وأبرزها انزياح الأولويات الاميركية مرة أخرى نحو أوراسيا، حيث العودة اللافتة والقوية لروسيا إلى المشهد الدولي، يضاف اليها ما تشكله الصين والهند وايران من تحديات مفصلية واستراتيجية تطال جوهر المخطط الاميركي للانفراد بالهيمنة العالمية، وإعادة تشكيل النظام الدولي وفق مراكز تجاذب متنوعة.
كل ذلك، أفرز معادلات وتوازنات قوة جديدة هي بالتأكيد لغير مصلحة فريق 14 آذار، الذي بدوره يعاني اليوم من أزمة بنيوية فائقة الخطورة سمتها التضعضع والتفتت، والانهيار تحت ركام من الهزائم، ما جعل جسده مثخناً بالجراح البليغة، يفاقم منها ضيق خياراته، وانسداد الآفاق أمامه، ما اضطره للعب أوراقٍ بائسة سمتها الرقص على خطوط التوتر المذهبي والأمني، وأقل ما يقال فيه انه رقص البائس، الأمر الذي دفعه للعودة عنه، خصوصاً بعيد تلقيه نصائح اقليمية ودولية حازمة بهذا الشأن، وفرض عليه العودة للعب على خطوط التهدئة.
باختصار ثمة فارق نوعي بين معادلات وتوازنات القوة التي كانت تحيط بطاولة حوار العام 2006 والتي تحيط طاولة حوار العام 2008، ففي العام 2006 كان هناك ثمة توازن عام نسبي، أما اليوم فالتوازن مختل إلى حد كبير لمصلحة المعارضة الوطنية، والترجمة الطبيعية هنا لهذا الاختلال، أن ما عجز عنه فريق 14 آذار في العام 2006 في ما يتعلق بمسألة سلاح المقاومة لن يتمكن الآن من انجازه، فمن ناحية سياسية وموضوعية بحتة، فإن الانطلاق في نقاش الاستراتيجية الدفاعية بهدف نزع هذا السلاح لم يعد أمراً مجدياً، ولا سيما أن هذا السلاح يثبت مراراً وتكراراً جدواه لكل من ألقى السمع وهو شهيد، وليس الكلام المنسوب إلى قائد أركان الجيوش الاميركية حول عبقرية أسلوب المقاومة، وضرورة الاستفادة منه في تعليم الدول المناوئة لروسيا، أو في تدريب الجيش الاميركي عليه، الا اقراراً ما بعده اقرار بجدوى المقاومة ودورها. بكلمة أخرى، إذا أريد للنقاش أن يكون جدياً فعليه أن يركز البحث حول أفضل الصيغ للاستفادة من سلاح المقاومة، فهذا السلاح بات هو الثابت الوحيد وما عداه متغير وبالتالي، فإن أي اقرار أو اعتراف بهذه الحقيقة يأتيان من أطراف في فريق 14 آذار، فلن يضيف شيئاً جديداً، ما يعني أن أي محاولة لاختراع مقايضة بين هكذا اقرار، واللعب بتوازنات الداخل على أثر ما حدث في السابع من أيار، هو اختراع لا أساس له، ومجرد لعب في الهواء.
والأمر عينه ينطبق على كل من يحاول أن يشاغب على هذا السلاح بمواقف فارغة وعبثية، فهو يدرك أنه لن يصيب حقيقة هذا السلاح بخدش، لأن همه ـ وهكذا يتوهم ـ الوصول إلى المجلس النيابي في طريقٍ يراه الأنسب.
إن الموقع الذي تتموضع فيه المقاومة في لبنان اليوم هو موقع على تماس استراتيجي يتجاوز الأبعاد المحلية إلى الاعتبارات الاقليمية والدولية، فالجميع اليوم يدرك الوزن والقيمة الاستراتيجية للمقاومة في معادلة الصراع العامة في المنطقة، ليس لأن المقاومة تتطلع إلى دور يفيض على إطارها المحلي والوطني، وانما لاعتبارات تمس التوازن العام في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وهو توازن له أبعاده الاقليمية والدولية العامة في المنطقة، وهذا ما رفع من موقع ودور لبنان، وحتم الاهتمام الاقليمي والدولي به.
هذه الحقيقة الصلبة تجعل الاهتمام بدور المقاومة في لبنان يتجاوز الأطراف المحليين إلى اللاعبين الاقليميين والدوليين، لا سيما الاسرائيلي والاميركي، اضافة إلى السعودي والمصري والسوري والايراني، وكل من له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في ذلك، من هنا، فإن طاولة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية هي بمثابة تظهير محلي لكل هذه القوى الفاعلة والمؤثرة، ما يضع الأطراف المحليين أمام مسؤولية مهمة: فإما أن يتعاطوا مع هذه المسألة بمسؤولية وروح وطنية، وإما أن يحولوا أنفسهم إلى ممثلين وناطقين ليس باسم مصالحهم الخاصة فحسب، وانما باسم مصالح هذه الأطراف، وعندها لن نفاجأ اذا وجدنا من يعبر عن رأيه بمضمون اسرائيلي أو اميركي أو سعودي أو مصري، في مقابل آراء ضدية بالكامل. بكلمة أخرى، ان الاستراتيجية الدفاعية ليست محل اشتباك وتجاذب بين الأطراف المحلية فحسب، وانما هي محل اشتباك وتجاذب اقليمي ودولي، وهذا بدوره ما يعقد الحوار حولها.
اذا اضفنا إلى ما تقدم ملاحظتين أساسيتين، يمكننا تقدير مصير ونيات وأهداف استئناف طاولة الحوار مجدداً، هاتان الملاحظتان هما:
أولاً: إن المنطقة بأسرها ومن ضمنها لبنان هما في وضعية انتظارية لجلاء مشهد الانتخابات الرئاسية في اميركا، وأي استراتيجية جديدة ستقارب بها الإدارة الجديدة المنطقة، ولجلاء مصير الانتخابات النيابية في لبنان.
ثانياً: تخيم على المنطقة اليوم مناخات تهديد، ومناخات تفاوض أو التأسيس لمرحلة من التفاوض، وهذه المناخات تختلط أحياناً، وتفترق أحياناً أخرى، وتبدو في لحظات معينة وكأن هناك نوعا من السباق أو المزاحمة بين هذه المناخات، وهذا ما يطلق هامش مراهنات عند البعض.
من هنا، لا يبدو، أن كل الشروط اللازمة لإنجاح طاولة الحوار متوافرة، وهي، بالتالي، ما زالت تحتاج إلى عوامل انجاح عديدة، الأمر الذي يحولها مجدداً إلى مجرد مناسبة للتهدئة، وترييح الأجواء الداخلية، وتقطيع الوقت من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي، فهي قد تشكل عامل دعم اضافيا لعمليات المصالحة التي تتم هنا وهناك، واذا أخذنا بعين الاعتبار، المواقف الداعية إلى إحداث تعديل في صيغة الطاولة، وجدول أعمالها، فإنها تبدو عرضة لضغوط قد تؤدي إلى وقوفها في منتصف الطريق.
الانتقاد/ العدد1300 ـ 19 أيلول/ سبتمبر 2008
هل ثمة شبه بين طاولة حوار السادس عشر من أيلول للعام 2008، وطاولة حوار العام 2006 التي طوت آخر جلساتها في شهر حزيران مذ ذاك؟ أم أن كل شيء تغير لدرجة يصعب معها تصور مجرد استئناف عادي وتلقائي لانعقاد جلسات الحوار الوطني؟ وما هو المتوقع أن تخرج به جلسات الحوار هذه، وسط رهانات الأفرقاء المختلفين؟ وهل ثمة مسكوت عنه في هذا الحوار، وهو ـ بالتالي ـ يشكل بند الحوار الحقيقي؟ وهل أخيراً، ثمة علاقة بين انعقاد طاولة الحوار، وشياع أجواء المصالحات المتباينة الجهات والنيات والأهداف، وأين يتقاطع المساران، وأين يلتقيان، وأين يتمايز كل منهما؟
لا شك، في أن الدنيا قد تبدلت ما بين طاولة حوار العام 2006، وطاولة حوار العام 2008، فهناك فشل عدوان تموز بكل تداعياته ونتائجه وانعكاساته الداخلية والخارجية، وهناك أحداث السابع من أيار التي أفرزت العديد من النتائج والتداعيات السياسية، أبرزها اتفاق الدوحة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وهناك اقليمياً ودولياً الاخفاق الاميركي الذريع في المنطقة بكل تداعياته الدولية وأبرزها انزياح الأولويات الاميركية مرة أخرى نحو أوراسيا، حيث العودة اللافتة والقوية لروسيا إلى المشهد الدولي، يضاف اليها ما تشكله الصين والهند وايران من تحديات مفصلية واستراتيجية تطال جوهر المخطط الاميركي للانفراد بالهيمنة العالمية، وإعادة تشكيل النظام الدولي وفق مراكز تجاذب متنوعة.
كل ذلك، أفرز معادلات وتوازنات قوة جديدة هي بالتأكيد لغير مصلحة فريق 14 آذار، الذي بدوره يعاني اليوم من أزمة بنيوية فائقة الخطورة سمتها التضعضع والتفتت، والانهيار تحت ركام من الهزائم، ما جعل جسده مثخناً بالجراح البليغة، يفاقم منها ضيق خياراته، وانسداد الآفاق أمامه، ما اضطره للعب أوراقٍ بائسة سمتها الرقص على خطوط التوتر المذهبي والأمني، وأقل ما يقال فيه انه رقص البائس، الأمر الذي دفعه للعودة عنه، خصوصاً بعيد تلقيه نصائح اقليمية ودولية حازمة بهذا الشأن، وفرض عليه العودة للعب على خطوط التهدئة.
باختصار ثمة فارق نوعي بين معادلات وتوازنات القوة التي كانت تحيط بطاولة حوار العام 2006 والتي تحيط طاولة حوار العام 2008، ففي العام 2006 كان هناك ثمة توازن عام نسبي، أما اليوم فالتوازن مختل إلى حد كبير لمصلحة المعارضة الوطنية، والترجمة الطبيعية هنا لهذا الاختلال، أن ما عجز عنه فريق 14 آذار في العام 2006 في ما يتعلق بمسألة سلاح المقاومة لن يتمكن الآن من انجازه، فمن ناحية سياسية وموضوعية بحتة، فإن الانطلاق في نقاش الاستراتيجية الدفاعية بهدف نزع هذا السلاح لم يعد أمراً مجدياً، ولا سيما أن هذا السلاح يثبت مراراً وتكراراً جدواه لكل من ألقى السمع وهو شهيد، وليس الكلام المنسوب إلى قائد أركان الجيوش الاميركية حول عبقرية أسلوب المقاومة، وضرورة الاستفادة منه في تعليم الدول المناوئة لروسيا، أو في تدريب الجيش الاميركي عليه، الا اقراراً ما بعده اقرار بجدوى المقاومة ودورها. بكلمة أخرى، إذا أريد للنقاش أن يكون جدياً فعليه أن يركز البحث حول أفضل الصيغ للاستفادة من سلاح المقاومة، فهذا السلاح بات هو الثابت الوحيد وما عداه متغير وبالتالي، فإن أي اقرار أو اعتراف بهذه الحقيقة يأتيان من أطراف في فريق 14 آذار، فلن يضيف شيئاً جديداً، ما يعني أن أي محاولة لاختراع مقايضة بين هكذا اقرار، واللعب بتوازنات الداخل على أثر ما حدث في السابع من أيار، هو اختراع لا أساس له، ومجرد لعب في الهواء.
والأمر عينه ينطبق على كل من يحاول أن يشاغب على هذا السلاح بمواقف فارغة وعبثية، فهو يدرك أنه لن يصيب حقيقة هذا السلاح بخدش، لأن همه ـ وهكذا يتوهم ـ الوصول إلى المجلس النيابي في طريقٍ يراه الأنسب.
إن الموقع الذي تتموضع فيه المقاومة في لبنان اليوم هو موقع على تماس استراتيجي يتجاوز الأبعاد المحلية إلى الاعتبارات الاقليمية والدولية، فالجميع اليوم يدرك الوزن والقيمة الاستراتيجية للمقاومة في معادلة الصراع العامة في المنطقة، ليس لأن المقاومة تتطلع إلى دور يفيض على إطارها المحلي والوطني، وانما لاعتبارات تمس التوازن العام في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وهو توازن له أبعاده الاقليمية والدولية العامة في المنطقة، وهذا ما رفع من موقع ودور لبنان، وحتم الاهتمام الاقليمي والدولي به.
هذه الحقيقة الصلبة تجعل الاهتمام بدور المقاومة في لبنان يتجاوز الأطراف المحليين إلى اللاعبين الاقليميين والدوليين، لا سيما الاسرائيلي والاميركي، اضافة إلى السعودي والمصري والسوري والايراني، وكل من له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في ذلك، من هنا، فإن طاولة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية هي بمثابة تظهير محلي لكل هذه القوى الفاعلة والمؤثرة، ما يضع الأطراف المحليين أمام مسؤولية مهمة: فإما أن يتعاطوا مع هذه المسألة بمسؤولية وروح وطنية، وإما أن يحولوا أنفسهم إلى ممثلين وناطقين ليس باسم مصالحهم الخاصة فحسب، وانما باسم مصالح هذه الأطراف، وعندها لن نفاجأ اذا وجدنا من يعبر عن رأيه بمضمون اسرائيلي أو اميركي أو سعودي أو مصري، في مقابل آراء ضدية بالكامل. بكلمة أخرى، ان الاستراتيجية الدفاعية ليست محل اشتباك وتجاذب بين الأطراف المحلية فحسب، وانما هي محل اشتباك وتجاذب اقليمي ودولي، وهذا بدوره ما يعقد الحوار حولها.
اذا اضفنا إلى ما تقدم ملاحظتين أساسيتين، يمكننا تقدير مصير ونيات وأهداف استئناف طاولة الحوار مجدداً، هاتان الملاحظتان هما:
أولاً: إن المنطقة بأسرها ومن ضمنها لبنان هما في وضعية انتظارية لجلاء مشهد الانتخابات الرئاسية في اميركا، وأي استراتيجية جديدة ستقارب بها الإدارة الجديدة المنطقة، ولجلاء مصير الانتخابات النيابية في لبنان.
ثانياً: تخيم على المنطقة اليوم مناخات تهديد، ومناخات تفاوض أو التأسيس لمرحلة من التفاوض، وهذه المناخات تختلط أحياناً، وتفترق أحياناً أخرى، وتبدو في لحظات معينة وكأن هناك نوعا من السباق أو المزاحمة بين هذه المناخات، وهذا ما يطلق هامش مراهنات عند البعض.
من هنا، لا يبدو، أن كل الشروط اللازمة لإنجاح طاولة الحوار متوافرة، وهي، بالتالي، ما زالت تحتاج إلى عوامل انجاح عديدة، الأمر الذي يحولها مجدداً إلى مجرد مناسبة للتهدئة، وترييح الأجواء الداخلية، وتقطيع الوقت من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي، فهي قد تشكل عامل دعم اضافيا لعمليات المصالحة التي تتم هنا وهناك، واذا أخذنا بعين الاعتبار، المواقف الداعية إلى إحداث تعديل في صيغة الطاولة، وجدول أعمالها، فإنها تبدو عرضة لضغوط قد تؤدي إلى وقوفها في منتصف الطريق.
الانتقاد/ العدد1300 ـ 19 أيلول/ سبتمبر 2008