ارشيف من :أخبار عالمية
خاص الانتقاد.نت: كارثة الدويقة .. محصلة فساد راكمته السنين

القاهرة ـ عمر سعيد
تكشف كارثة الانهيار الصخري فوق ما يزيد عن 70 منزل بمنطقة الدويقة في القاهرة العديد من ملفات الفساد والاهمال المستشرية في الجهاز التنفيذي المصري.
حتى كتابة هذه السطور، بعد أكثر من خمسة عشر يوماً من الكارثة، لا تزال حوالي 600 جثة قابعة تحت أنقاض منازلهم وفوقهم صخور جبال المقطم، وحتى اليوم الخامس لم يظهر أى تدخل من قبل أجهزة الدولة اللهم إلا فرض حصار أمني محكم على المنطقة، ومن ثم تركت عملية الإنقاذ.. للأهالي المنكوبين وعدة مراكز مجتمع مدني والمئات من المواطنين المتطوعين من ذات المنطقة أو من مناطق أخرى مجاورة لها.
وكانت العقلية الأمنية المسيطرة على أجهزة الدولة واضحة في التعامل مع الأزمة من النواحي كافة، فمن ناحية يتم إعتقال العشرات من المواطنين كل يوم لمجرد طلبهم لمساكن بديلة عن المنهارة، كما منعت قوات الأمن وسائل الإعلام من تغطية الأحداث، فضلا عن سحل عدد كبير من الصحفيين الذين حاولوا مباشرة عملهم واختطفت إثنين منهم وألقت بهم في طريق صحراوي يبعد أكثر من 100 كم عن القاهرة بعدما سلبوهم هواتفهم المحمولة.
وكأن الكارثة الإنسانية لم تغير شيء من تكتيكات قوات الأمن، فكان ضباط الأمن يفرضون إتاواتهم على جمعيات الإغاثة بسلب جزء من المواد الغذائية والكمامات الواقية من رائحة الموتى، هذا بدلاً من تلك التي يجب على الاجهزة الحكومية توفيرها لقوات الأمن، وكانت صرخة أحد أهالي الضحايا كفيلة بتوضيح الأمر "لا نطلب من قوات الأمن أن يوفروا لنا أي مساعدات، فقط نطلب منهم ألا يسلبوا المساعدات المقدمة لنا وان يتركونا ننقذ أهالينا، فإكرام الميت دفنه لا تركه يتحلل تحت الصخور".
وعلى الرغم من أن أجهزة الدولة الإعلامية تنفي نوايا الحكومة، التي كانت قد أعلنتها القيادات الأمنية من موقع الحدث عن تحويل المنطقة إلى مقبرة جماعية، دون بذل مجهودات مالية وغيرها لاستخراج الجثث من تحت الأنقاض، الا أن الوضع لا يعكس أي نوايا حقيقية عندها لتجاوز الأزمة.
فقد أحيطت المنطقة بعدد كبير من المخاطر التي تهدد بإنهيار المنطقة بالكامل –التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة- بعدة عدة أسابيع قادمة، فمن جهة قامت الحكومة المصرية ببيع قطعة أرض بسعر بخس يصل سعرها الحقيقي إلى حوالي 400 مليار جنيه، وذلك بحسب البيان الذي أصدرته "حركة مواطنون ضد الغلاء"، لشركة إعمار لبناء مشروع سكني ضخم فوق هضبة المقطم، والذي تستخدم الشركة فيه معدات هدم وبناء ثقيلة تؤدي لشقوق عميقة في جسم الهضبة أعلى منشأة ناصر، المنطقة التي تضم الحادثة.
ومن الجهة الأخرى فإنه على مدار 35 عاماً، هي عمر منطقة الدويقة، لم تقيم الدولة نظام صرف صحي في المنطقة فانتشرت مياة الصرف الصحي في الشوارع، وأدت لرشح في جدران المنازل وفي قواعد الصخور، فأصبحت احتمالات المزيد من الانهيارت الصخرية أكثر وقوعاً، غير تحذيرات العديد من الجهات الصحية والحقوقية بإنتشار الأوبئة في المنطقة من جراء استمرار بقاء الجثث تحت الأنقاض وإنتشار مياه الصرف الصحي في الشوارع.
كارثة الدويقة تدق ناقوس الخطر الذي يحيط بـ16 مليون نسمة خمس السكان المصريين قاطني المناطق العشوائية |
الدعوى التي أطلقها المسؤولون في وجه الضحايا المطالبين بمساكن بديلة، وهي طلب الأوراق التي تثبت ملكيتهم للمنازل المنهارة لإتمام عملية التسكين، بالرغم عن إنهيار المنازل فوقها، طالت ضحايا آخرين، هم سكان المنازل المزالة في الأيام الماضية من المنطقة، وهي حتى الآن 35 منزل، فبعد أن منحتهم أجهزة الدولة خطابات تؤكد حقهم في منازل أخرى بعد عملية الهدم، جاءت بعدها لتدعي أن هذه الخطابات مزورة لتعلن عدم مسؤوليتها عنهم، وهو ما تكرر أيضا مع أصحاب ثمانية مصانع تم هدمها فوق آلاتها، فسرعان ما واجهتهم الحكومة مع 200 عامل، هم عمال هذه المصانع، بأن الأرض لم تكن ملكاً لهم على الرغم من إبراز أوراق رسمية تفيد شرائهم للأرض من الحكومة.
الفساد المنكشف وصل لأعضاء البرلمان المصري، حيث أعلن محافظ القاهرة "عبد العظيم وزير" أن "محمد ابراهيم سليمان" وزير الإسكان السابق ونائب المنطقة في مجلس الشعب كان قد تسلم 180مليون دولار من منحة أبوظبي عام 2000 خصصت من قبل المانح لتجديد وإصلاح منشأة ناصر، لكنه غير وجهة المنحة وإستخدمها في نقل بعض ورش الجلود من منطقة أثرية بالقاهرة لمنطقة أخرى خارجها.
بإختصار، كارثة الدويقة تدق ناقوس الخطر الذي يحيط بـ16 مليون نسمة، خمس السكان المصريين، قاطني المناطق العشوائية، الذين تعجز الدولة عن حل أزمتهم وإيجاد مساكن بديلة لهم، بل تطاردهم في الشوارع، تسحلهم في مظاهراتهم السلمية، تعتقل العشرات منهم وتزج بهم وراء الأسوار.