ارشيف من :آراء وتحليلات
التأليف خرج من براد عطلة العيد: الحريري.. والعبر اللازمة

كتب مصطفى الحاج علي
كل شيء كان مؤجل الى ما بعد العيد، المهمة الوحيدة التي أنجزها الرئيس المكلف هي جولته البروتوكولية على رؤساء الحكومات السابقين. ما قد يكون قد سمعه من البعض هو ضرورة القيام بمراجعة دقيقة لتجربة التكليف الأولى. التأجيل لا يمكن بالضرورة أن يكون إشارة على عدم الاستعجال، وإن كانت الظروف تحتم على الجميع استغلال كل دقيقة في سبيل الخروج من عنق زجاجة أزمة التأليف، لأن ما جرى في الفترة الفاصلة ما بين التكليف الأول والتكليف الثاني خطير للغاية، شاهدنا عودة مستغربة ومستهجنة لإعادة نقل الكباش السياسي من إطاره السياسي الى إطاره المذهبي، وبالتالي العودة مجدداً الى اللعب بالورقة المذهبية في لعبة محض سياسية، العودة هذه لا تنم عن قوة أصحابها إنما عن انفعال أعمى، وفقدان للقدرة على المبادرة السياسية، والجرأة على اتخاذ القرارات اللازمة التي لا يقدم عليها إلا رجالات الدولة الفعليون، في حين أن إعادة نكأ الجراحات المذهبية، والاستنجاد بالعصبيات،لا يلجأ اليه الا الضعفاء والحمقى من السياسيين، لأنهم لا يدرون أنهم بإشعالهم ناراً كهذه، إنما يشعلون تلابيب ثيابهم قبل غيرهم.
كان واضحاً من خطاب التكليف الثاني للحريري، أنه يريد استعادة هامش لعبة التأليف، فهو لم يسارع الى ارسال رسائل ايجابية باتجاه المعارضة يعلن من خلالها تمسكه بصيغة 15+
10+5، ليبقي هذه المسألة ورقة بيده، وليفتح لعبة التفاوض وفق مبدأ السلة الشاملة وكان بهذا التكتيك يمكن ان ينجح لولا جملة اعتبارات أبرزها:
أولاً: إن هذه المعادلة هي تحصيل حاصل وفق أبجديات العمل والتفاوض السياسي، فهذه الصيغة ليست منة من الأكثرية، وإنما استجابة طبيعية لتوازنات المعادلة الداخلية والاقليمية معاً، وبالتالي، فهي سلفاً، خارج لعبة التفاوض.
ثانياً: ان الحريري يدرك أن خياراته تكاد تكون معدومة، وهي تتراوح بين الذهاب الى تأليف حكومة وحدة وطنية تشكل مدخلاً الى الاستقرار، مجارياً لممارسة سلسة للحكم، ومواجهة التحديات، أو اختيار حكومة من لون واحد، أي حكومة حرب داخلية بكل المواصفات، لأن حكومة من هذا النوع هي بمثابة فرض انتصار لمشروع سياسي على مشروع سياسي آخر، لا يملك أياً من مقومات الانتصار.
ثانياً: ان المعارضة في تماسكها القوي واللافت تعتبر أن الصيغة باتت وراءها، ولن تسمح لأحد بالانقلاب عليها، وهي جاهزة لبديل آخر برفع السقف لا بخفضه، وهو النسبية في توزيع الحقائب والأسماء والحصص.
هذه الوقائع الصلبة تؤكد أن مفتاح الحل هو في التفاهم والحوار حول أماكن الخلاف: توزيع الحقائب وفق أي نسب، وضرورة تجنب إقحام لعبة الاسماء، لأن لا أحد يستطيع أن يفرض في لبنان شيئاً على أحد مهما كان هذا الأحد. صحيح، أن الرئيس المكلف ليس صندوق بريد، لكنه رئيس لحكومة توافقية تفرض الاحترام المتبادل، حيث ان القوى السياسية أيضاً ليست مجرد موظفين رسميين عند رئيس الحكومة. ألم يدرك رئيس الحكومة المكلف هذه الدروس سريعاً في حق المعارضة حينئذٍ ان تشكك في النوايا الحقيقية لعدم تأليف الحكومة حتى الآن، وتتساءل فيما اذا كان هناك من يريد اللعب بالوضع الداخلي اللبناني، واقحامه في فوضى شاملة، من ضمن عمليات التحضير والمواكبة لما يحضر في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعي الهادفة الى وأد القضية الفلسطينية بكل عناوينها، لا سيما عنوان التوطين.
وفي مطلق الأحوال، على الرئيس المكلف أن ينطلق من حسابات التأليف أيضاً من الرسالة الكبيرة التي حملتها نسبة التسمية، والجهات التي سمت، فعندما يخسر الرئيس المكلف تسمية الرئيس بري له، والتسمية المشروطة الضمنية لكل من النائب جنبلاط وللطاشناق، هذه الحصيلة التي جعلت الرئيس المكلف، وأي حكومة غير وفاقية يلجأ اليها، فاقدين لأي أساس سياسي متين، ولأي فضاء ميثاقي وفاقي. يخطئ الحريري اذا لم يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، وبالتالي، عليه أن يفحص الأرض التي يقف عليها بدقة، ويتوقف عن تضييع الوقت الذي لن يكون إلا على حسابه وحسابه فقط، فهل يحسم الحريري قراره ويشكل حكومة وحدة وطنية بكل مستلزماتها وشروطها، أم يقترف "الفاول" الخطر بحق مستقبله كزعيم طائفي وكرئيس حكومة. الكرة في ملعبه من أول ومن بعد.
الانتقاد/ العدد 1364 ـ 18 أيلول/ سبتمبر 2009