ارشيف من :آراء وتحليلات
لقاء واشنطن الثلاثي: الفلسطينيون هم الخاسر الأكبر
علاء نصر الله
يسعى الرئيس الأميركي باراك اوباما الى تحقيق انجاز على مستوى حل قضية الصراع في الشرق الأوسط، بيد أن مساعيه لم ترقَ الى تحقيق حلحلة في هذه القضية المعقدة والبسيطة في آن. وعلى الرغم من دبلوماسية جورج ميتشل النشطة في بريطانيا التي حققت انجازات مهمة في حل الصراع بين بريطانيا والجيش الايرلندي، وأثمرت حلولا لقضية عمرها عشرات السنين، إلا أن جهوده في الشرق الأوسط فشلت في تحقيق حد أدنى من مقومات السلام، إذ سمع ميتشل من زعماء الكيان الصهيوني رفضا قاطعا لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة تحتضن اللاجئين الفلسطينيين من دول الشتات.
ولم يستطع ميتشل أن يوقف الاستيطان اليهودي في فلسطين، فعاد إلى رئيسه يجر أذيال الخيبة خلفه، ما حدا بأوباما إلى عقد الاجتماعي الثلاثي على عجل لتغطية فشل مبعوثه الى الشرق الأوسط. فهذا الاجتماع خرج بنتيجة مفادها الاتفاق على ضرورة استئناف محادثات السلام بأسرع وقت ممكن، والإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما عبّر ميتشل في مؤتمره الصحافي، وهو بذاك لم يأتِ بجديد غير تأكيد المؤكد وإضفاء شرعية دولية على الكيان الصهيوني .
وفي ميزان الربح والخسارة، فإن العرب عموما والفلسطينيين خصوصا هم الخاسر الأكبر في هذا اللقاء الذي يشكل بداية لمعاودة إطلاق ما يسمى مؤتمر السلام. فالعرب لا يزال بعض زعمائهم متمسكا بمبادرة بيروت للسلام التي انقضى زمنها ولم تعد تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به، على حد تعبير احد المتابعين لملف الصراع في الشرق الأوسط. وهم كانوا غائبين شكلا ومضمونا في لقاءات اوباما مع الفلسطينيين والإسرائيليين. والفلسطينيون اليوم في هذه المفاوضات هم أضعف ما يكون، لأن عباس لا يمثل أطياف الشعب الفلسطيني المنقسم على ذاته، فهو لا يملك ان يقرر عن كل الشعب الفلسطيني، لأن حركة حماس لا ترى فيه ممثلا لجميع الفلسطينيين، بل يمثل حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح فحسب، كما قال المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري في مؤتمره الصحافي، مشيرا إلى أنه لم يحترم تعهده بعدم التفاوض مع إسرائيل قبل وقف الاستيطان.
إن اللقاء الثلاثي في واشنطن زاد الشرخ الفلسطيني، وكشف عورة العرب في تفرقهم وتشتتهم وعدم قدرتهم على التأثير ولعب دور في قضية فلسطين التي طالما اعتبروها قضيتهم المركزية، وباتت اليوم عرضة للمساومة بين طرف فلسطيني لا يملك إجماعا على قيادة شعب مشتت بين مقيم ولاجئ والمحتل المدعوم من اميركا.
وفيما يصر الرئيس محمود عباس على اعتبار اللقاء بداية لمؤتمر السلام الدولي الذي يشكل برأيه فرصة تاريخية لحل الصراع، فإن حماس ترفض وتدين هذه اللقاءات، إذ لا يجوز الخوض في مفاوضات تفقد الشعب حقوقه في استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، فضلا عن رفض "إسرائيل" بأي شكل من الأشكال عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين.
إن فشل الإدارة الأميركية في إجبار "إسرائيل" على وقف الاستيطان وخروقها الأخرى للحقوق الفلسطينية، يعكس انحيازها الكامل لها. فالإدارة الأميركية السابقة كما الحالية لم تفك حلفها الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني ودعمها السخي جدا، حتى أصبح بقاء هذا الكيان اللقيط رهنا باستمرار تدفق مليارات الدولارات الأميركية والمساعدات العسكرية الضخمة من واشنطن، ما ينفي صفة الراعي لعملية السلام عن الإدارة الأميركية الحالية الفاقدة لهذه الصفة بفعل انحيازها الواضح للكيان الغاصب.
وتبقى "إسرائيل" هي الرابح الأكبر، لأنها تحقق مصلحتها في تحقيق مزيد من الربح المعنوي والسياسي، وإظهار نفسها طرفا راغبا في السلام وداعما له، ما يكسبها شرعية وتميزاً في إدارة صراعاتها، دون استبعاد إمكانية استخدام المؤتمر "يافطة" للسلام كي تمرر تحتها اندفاعات هجومية وحروبا جديدة لن يكون العرب والفلسطينيون بمنأى عنها. ويكفي ان يصافح عباس رمز الإرهاب والتعصب نتنياهو حتى يمسح من ذاكرة بعض الفلسطينيين صور المشاهد الإرهابية الصهيونية التي ارتكبها نتنياهو وشركاؤه في غزة وقانا والضفة، فضلا عن إعطائه الصهاينة المتطرفين صك الاعتراف بـ"إسرائيل" دولة يهودية.
الانتقاد/ العدد 1365 ـ 25 أيلول/ سبتمبر 2009
يسعى الرئيس الأميركي باراك اوباما الى تحقيق انجاز على مستوى حل قضية الصراع في الشرق الأوسط، بيد أن مساعيه لم ترقَ الى تحقيق حلحلة في هذه القضية المعقدة والبسيطة في آن. وعلى الرغم من دبلوماسية جورج ميتشل النشطة في بريطانيا التي حققت انجازات مهمة في حل الصراع بين بريطانيا والجيش الايرلندي، وأثمرت حلولا لقضية عمرها عشرات السنين، إلا أن جهوده في الشرق الأوسط فشلت في تحقيق حد أدنى من مقومات السلام، إذ سمع ميتشل من زعماء الكيان الصهيوني رفضا قاطعا لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة تحتضن اللاجئين الفلسطينيين من دول الشتات.
ولم يستطع ميتشل أن يوقف الاستيطان اليهودي في فلسطين، فعاد إلى رئيسه يجر أذيال الخيبة خلفه، ما حدا بأوباما إلى عقد الاجتماعي الثلاثي على عجل لتغطية فشل مبعوثه الى الشرق الأوسط. فهذا الاجتماع خرج بنتيجة مفادها الاتفاق على ضرورة استئناف محادثات السلام بأسرع وقت ممكن، والإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما عبّر ميتشل في مؤتمره الصحافي، وهو بذاك لم يأتِ بجديد غير تأكيد المؤكد وإضفاء شرعية دولية على الكيان الصهيوني .
وفي ميزان الربح والخسارة، فإن العرب عموما والفلسطينيين خصوصا هم الخاسر الأكبر في هذا اللقاء الذي يشكل بداية لمعاودة إطلاق ما يسمى مؤتمر السلام. فالعرب لا يزال بعض زعمائهم متمسكا بمبادرة بيروت للسلام التي انقضى زمنها ولم تعد تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به، على حد تعبير احد المتابعين لملف الصراع في الشرق الأوسط. وهم كانوا غائبين شكلا ومضمونا في لقاءات اوباما مع الفلسطينيين والإسرائيليين. والفلسطينيون اليوم في هذه المفاوضات هم أضعف ما يكون، لأن عباس لا يمثل أطياف الشعب الفلسطيني المنقسم على ذاته، فهو لا يملك ان يقرر عن كل الشعب الفلسطيني، لأن حركة حماس لا ترى فيه ممثلا لجميع الفلسطينيين، بل يمثل حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح فحسب، كما قال المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري في مؤتمره الصحافي، مشيرا إلى أنه لم يحترم تعهده بعدم التفاوض مع إسرائيل قبل وقف الاستيطان.
إن اللقاء الثلاثي في واشنطن زاد الشرخ الفلسطيني، وكشف عورة العرب في تفرقهم وتشتتهم وعدم قدرتهم على التأثير ولعب دور في قضية فلسطين التي طالما اعتبروها قضيتهم المركزية، وباتت اليوم عرضة للمساومة بين طرف فلسطيني لا يملك إجماعا على قيادة شعب مشتت بين مقيم ولاجئ والمحتل المدعوم من اميركا.
وفيما يصر الرئيس محمود عباس على اعتبار اللقاء بداية لمؤتمر السلام الدولي الذي يشكل برأيه فرصة تاريخية لحل الصراع، فإن حماس ترفض وتدين هذه اللقاءات، إذ لا يجوز الخوض في مفاوضات تفقد الشعب حقوقه في استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، فضلا عن رفض "إسرائيل" بأي شكل من الأشكال عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين.
إن فشل الإدارة الأميركية في إجبار "إسرائيل" على وقف الاستيطان وخروقها الأخرى للحقوق الفلسطينية، يعكس انحيازها الكامل لها. فالإدارة الأميركية السابقة كما الحالية لم تفك حلفها الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني ودعمها السخي جدا، حتى أصبح بقاء هذا الكيان اللقيط رهنا باستمرار تدفق مليارات الدولارات الأميركية والمساعدات العسكرية الضخمة من واشنطن، ما ينفي صفة الراعي لعملية السلام عن الإدارة الأميركية الحالية الفاقدة لهذه الصفة بفعل انحيازها الواضح للكيان الغاصب.
وتبقى "إسرائيل" هي الرابح الأكبر، لأنها تحقق مصلحتها في تحقيق مزيد من الربح المعنوي والسياسي، وإظهار نفسها طرفا راغبا في السلام وداعما له، ما يكسبها شرعية وتميزاً في إدارة صراعاتها، دون استبعاد إمكانية استخدام المؤتمر "يافطة" للسلام كي تمرر تحتها اندفاعات هجومية وحروبا جديدة لن يكون العرب والفلسطينيون بمنأى عنها. ويكفي ان يصافح عباس رمز الإرهاب والتعصب نتنياهو حتى يمسح من ذاكرة بعض الفلسطينيين صور المشاهد الإرهابية الصهيونية التي ارتكبها نتنياهو وشركاؤه في غزة وقانا والضفة، فضلا عن إعطائه الصهاينة المتطرفين صك الاعتراف بـ"إسرائيل" دولة يهودية.
الانتقاد/ العدد 1365 ـ 25 أيلول/ سبتمبر 2009