ارشيف من :آراء وتحليلات

التفجير الأمني: حقيقة أم فزاعة؟

التفجير الأمني: حقيقة أم فزاعة؟
ليلى نقولا الرحباني
كثر الحديث في الآونة الخيرة عن خشية من تفجير أمني في لبنان بسبب المأزق الحكومي والسياسي الذي يستفحل يومًا بعد يوم، والذي ينتظر حلولاً اقليمية لانفراجه، تبدو متأخرة بعض الشيء.
بعد المأزق الحكومي الذي استفحل فجأة بعد تأزم العلاقات الاقليمية، وبعد ما تعرضت له السعودية من ضغوط لوقف اندفاعتها نحو التفاهم العربي العربي، أضاف الموالون الى خطابهم التحريضي ضد العماد عون تنبؤات وتخوف من تفجير امني في الداخل ومن فتنة مذهبية تطيح بالبلاد. أما الأبرز فكان ما لفتت اليه بعض الصحف اللبنانية نقلاً عن مراجع أمنية من تفاقم التوتر المذهبي السنّي الشيعي ووصوله الى النقطة البرتقالية، الامر الذي ينذر بخطر توترات وحوادث أمنية خطيرة فيما لو بقيت حال المراوحة كما هي عليه الآن.
قد يكون ما ذُكر واقعياً خاصة إذا ما قورن بما كانت قد أعلنته مصادر أمنية من قلق أمني ساد خلال عيد الفطر وما حكي عن مؤامرة تستهدف مسجد محمد الامين، ولكن الايحاء والغمز الذي يقوم به بعض قوى الموالاة والتهويل بهذه الاخطار مع إلقاء المسؤولية على المعارضة فيما قد يحصل من توترات... أمر يثير الشكوك والتساؤلات، خاصة عندما يذهب هؤلاء المتخوفون على الوضع الامني الى تحميل الطرف الشيعي في المعارضة المسؤولية، وذلك من خلال الاشارة الى "عدم تسمية الرئيس نبيه بري لسعد الحريري في جولة الاستشارات الثانية"، مضافاً اليها "وجود سلاح حزب الله وحوادث 7 أيار". وفي ذلك تحريض مباشر يهدف الى استثارة الطرفين السني والشيعي وتغذية خلافاتهما أكثر مما يبرز قلقًا من ازدياد ذلك المنسوب.
ولعل ما يزيد الشكوك هو ما تبرزه هذه القوى الموالية من امكانية حسم ميداني موالٍ في مناطق البقاع والشمال، يفرضه "تضعضع قوى المعارضة في هذه المناطق"، وما يُحكى عن "دعم هذه المناطق للرئيس المكلف"، خاصة بعد الانتخابات النيابية، و"تشكيل خطوط تماسٍ في بيروت، وحديث عن اعادة تسلح فرضتها احداث السابع من أيار"، يرافقها بث اشاعات عن محاولات "اختراق شيعي ثان لبيروت".
وفي تحليل لما يطلقه هؤلاء المتخوفون على الوضع الأمني من اسباب وما يوحون به من نتائج، يمكن وضع الملاحظات التالية:
- اولاً: من خلال ما يُحكى عن توتر سببه "عدم تسمية الرئيس بري وكتلته للحريري لرئاسة الحكومة"، تبرز هذه الاشارات إرهاباً فكرياً ومعنوياً يمارسه الموالون على القوى السياسية التي تخالف توجهات تيار المستقبل، وتهديدا مبطناً للقوى الشيعية بالتحديد من خلال الاشارة الى أن اي وقوف شيعي سياسي ضد تيار المستقبل سيؤدي الى فتنة سنية شيعية، يحاذر الطرف الشيعي الوقوع فيها منذ سنوات.
- ثانياً: ان الطرف الذي يدّعي الخوف على الوضع الامني في البلاد ويريد فعلاً حماية لبنان من هذا الخطر، لا يقوم ببث اخبار تشجيعية عن امكانية حسم ميداني سريع يحققه تيار المستقبل في مناطق البقاع والشمال، وفي ذلك حثّ على الفتنة أكثر مما هو تخوف منها.
-  ثالثاً: يبدو ان الطرف المدّعي الخوف على الوضع الامني في البلاد هو الذي يسهّل تفجّره، بل ان هناك معطيات توحي بأن هذا التوتر مطلوب منه خارجيا، وذلك للتعمية على ما يحصل في المنطقة من تسريع لتصفية القضية الفلسطينية، وما ينتج عنها في لبنان من شطب حق العودة نهائياً واقرار التوطين، وفرض التطبيع مع اسرائيل. يؤكد ذلك نتائج اللقاء الثلاثي الذي جمع اوباما وعباس ونتنياهو، وما سرّبه الاميركيون عنه، وفيه تأكيد لتوجه أميركي اسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
- رابعاً: إن السياق العام للأحداث يؤكد ان الطرف الذي يريد الفتنة في لبنان، والذي يحاول تسهيل شروط تفجّرها، يبدو عاجزاً عن ادراك نتيجتها وتحققها لمصلحته كما يدّعي، فلو تيقن ان النتيجة الميدانية لمصلحته لما تأخر في تنفيذ ما هو مطلوب منه. إنه ببساطة يريد التفجير ويخشاه في نفس الوقت، لكن، لحسن الحظ، ان الوضع الميداني يمسكه من لا يريد الفتنة ولا يخشاها... لذلك لن يكون هناك أي تفجير أمني في لبنان في الفترة القادمة.
بكل بساطة يمكن القول ان شكوكا تحوم حول بعض المحذّرين من تفجير أمني في لبنان، ليس بسبب التحذير وانما بسبب ما يسوقونه من مبررات للتفجير، والأهم، قد يكون تاريخ هؤلاء وما يمثلونه، وهو ما يجعل المراقبين يعتقدون أن هناك اموراً ما يتم التعمية عليها والتخطيط لها قد تكون بتداعياتها ونتائجها على الوطن أدهى وأشد من التوتير الامني والشغب المفترض أو المطلوب.
الانتقاد/ العدد 1365 ـ 25 أيلول/ سبتمبر 2009
2009-09-25