ارشيف من :أخبار عالمية

الأمم المتحدة : بدعة أمريكية للسيطرة على القرار العالمي

الأمم المتحدة : بدعة أمريكية للسيطرة على القرار العالمي

ما يربو على المئة والتسعين دولة هم أعضاء الأمم المتحدة، جُلهم من الدول النامية والفقيرة والمتخلفة، ومعظمهم غارق في أزماته الداخلية الاقتصادية والسياسية، والأغلبية تدور في فلك الأقلية التي تهيمن باسم النظام الدولي الجديد على مقدرات واستقرار واقتصاد تلك الأمم التابعة، بل والفاقدة نسبيا وكليا لإرادتها واستقلالها بالمفهوم الكامل للاستقلال، معظم تلك الأمم عانت من شبح الاستقطاب سابقا ما بين نظام رأسمالي امبريالي ونظام اشتراكي ثوري، فجرفها التيار من جاذبية ثنائية القطبية الغربية الشرقية إلى هيمنة أحاديتها الغربية، لتصبح مصائرها ليس كما أدرج في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، السلم والعدل والاستقلال، بل اتضح في زمن الهيمنة أن تلك الشعارات لذر الرماد في العيون، وان النظام الدولي الجديد رسخ قواعد عدالة العدوان وأهمية الاستعباد، وأعاد صياغة الاستعمار بالمزج بين الأدوات العسكرية الدموية والأدوات الاقتصادية الأكثر عدوانية، وأثبتت التجارب المتراكمة أن حقوق الإنسان والعدالة آخر ما يمكن الأخذ به في ظل نظرية الهيمنة وعدالة الإجرام.

وفي نفس السياق يمكن القول بأنه مثلما كانت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى هي فكرة أمريكية وكذلك تم إسقاطها بإرادة أمريكية بسبب عمومية وشمولية الفيتو لجميع الأعضاء، فان فكرة الأمم المتحدة كذلك هي بدعة أمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، حرصت أمريكا وحلفاؤها المنتصرون على امتلاك قرارها وإرادتها واختزال فعالياتها في احدى مؤسساتها "مجلس الأمن" حيث حكم الأقلية "15 عضوا" للأغلبية الساحقة، بل وحكم أقلية الأقلية "5 أعضاء" دائمين، ليتم اختطاف إرادة الأسرة الدولية الأعضاء في الأمم المتحدة والتي يتم رصدها ورصد صوتها وإرادتها المنقوصة في مؤسسة "الجمعية العمومية" للأمم المتحدة حيث لاحول ولا قوة لها في تمرير اصغر القرارات العادلة والتي يتصدى لها سلاح الإرهاب السياسي"الفيتو" من احد دول الهيمنة القسرية، ولعلنا نستنطق التاريخ بكلمتين قالهما آنذاك المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة طور التكوين "لولا الفيتو ما كان هناك أمم متحدة"، ليصبح الفيتو سيفا مصلتا على رقاب الإرادة والعدالة الدولية، بل مهمة الفيتو باتت واضحة في إحقاق الباطل وإبطال الحق وتقنين العدوان باسم الأمن والسلم الدوليين زورا وبهتانا، فالجمعية العامة ذات الأغلبية المطلقة تقر بالإجماع حق الشعوب في استقلالها وتقرير مصيرها، لكن قرارات الإجماع هذه يتم وأدها في مهدها بمجرد تلويحة من يد الاعتراض"الفيتو

 النظام الدولي الجديد رسخ قواعد عدالة العدوان

 حقوق الإنسان والعدالة آخر ما يمكن الأخذ به في ظل نظرية الهيمنة وعدالة الإجرام
"، وغالبا ما تكون تلك اليد هي للولايات المتحدة الأمريكية، فكم من مجازر بشرية ارتكبت بسبب تلك الإشارة الظالمة، وكم من ثروات نُهبت وحقوق أهدرت تحت سيف تلك التلويحة النازية الحديثة، ليصبح"الفيتو" الإجرامي أسوأ أداة ابتزاز سياسية، ليعيد صياغة الجريمة من إطارها الهمجي الواضح قديما إلى إطارها الحضاري السرطاني حديثا، ليبقى العالم دولا وشعوبا محكوما بتلويحة يد من خمسة جلادين منهم من يساهم بالقتل والاستعباد، والجزء الآخر يساهم في نفس الهدف بالصمت وتوافق المصالح، وأي تمرد على هذا النظام الدولي الجديد الظالم من جماعات أو دول قد تكون صدقت لعبة الديمقراطية وحرية التعبير وعدالة الحقوق، فيتم قمعها بكل أدوات القمع المتاحة وغير المتاحة، إن لم يكن بواسطة الجلاد نفسه فبواسطة وكلاء الجلاد الأكثر عدوانية للعدل والقيم الإنسانية والحضارية.

وللعلم والحق المتتبع وقارئ التاريخ السياسي، يعلم أن ليبيا كان لها دور كبير في تنظيم حملة عالمية كادت أن تأتي أكلها في تبني مشروع لإلغاء "الفيتو"، لكن المشروع تم إجهاضه بفعل المؤامرة وانفراط عقد ذلك التحالف الدولي، وتبعتها مصر بالمطالبة بالحد من استخدام "الفيتو" وتوسيع ملكيته، وكل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع.

ربما يكون من المنطقي التفكير بان من قام بتمزيق الميثاق الأممي الظالم، إنما يعني الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة، ولكن الأكثر منطقية هو الاحتجاج الصارخ على هذا الميثاق العادل وترجمته الظالمة، ليصبح الميثاق مجرد مواد ونصوص بالية لا تتعدى كونها نصوصا لتجميل الجريمة بالشعار أكثر من كونها نصوصا يحتكم إليها العالم في مشاكله كي يفصل بين الحق والباطل ويحافظ على السلم والأمن الدوليين، فالاحتلال تم تشريعه لفلسطين باعتراف وإقرار الأمم المتحدة "الأقلية" ضاربين عرض الحائط بكل مواد ونصوص الميثاق التي تحرم وتُجرم الاحتلال، بل وباسم الأمم المتحدة بما يقزم ميثاقها تمت التسوية بين الضحية والجلاد ومؤخرا إنصاف الجلاد وتسميته بداعية السلام وظلم الضحية بنعتها بالإرهاب، وبهذا يكون قد تم سحق الميثاق تحت الأقدام، فما الغرابة بان يقوم أحدهم بتمزيق الميثاق الذي شبع موتا، والأغرب ألا يحذو حذوه مجموعة الأصنام من الأسرة الدولية ويمزقوا الميثاق ويلقوه حيث مكانه الذي يستحق في سلة القمامة الدولية.

فهل سنشهد حراكا عربياً يحيي المشروع القديم لإلغاء الفيتو أو إصلاح الأمم المتحدة؟ وخاصة أن روسيا والصين وهما من أقطاب الهيمنة الخمسة أصبحوا ينادون بإصلاح الأمم المتحدة كما صدر مؤخراً عن الرئيس الروسي "ميدفيديف"، أم ستعتبر خطوة القذافي مجرد نكتة سياسية لدى الدول التي استطاب لها تسليم رقابها وإرادتها لميثاق أمم ظالم؟

الحقيقة أن الغطرسة الأمريكية والصهيونية مع حلفائهما بلغت ذروتها ومن العار التسليم بشكلية الميثاق العقيم، حيث ان الدول التي اقترحت ووضعت نصوص الميثاق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تستخف بنصوصه وتستخف بمن صدق اكذوبة تلك النصوص، وعلى العالم العاجز الجالس متفرجا ومضطهدا في الجمعية العامة أن يرفع صوته، فمعاناة ساعات التحدي للظلم أهون بكثير من القبول والتسليم به كميثاق خفي لا يمت للميثاق الأساسي، فالشعوب المقهورة والمقموعة تؤيّد وتبارك وتتمنى تمزيق ميثاق الصمت الخفي الذي تختلف بالمطلق نصوصه ومواده عن هذا الميثاق الذي تم تمزيقه احتجاجا على ازدواجية المعايير، وعلى استخدام أكذوبة الإرهاب التي هي صناعة غربية صرفة لإعادة صياغة استجلاب الاستعمار في صورته الدموية القذرة الحديثة، والاستحواذ على إرادة ومقدرات الأمم بتوافق المصالح بين حكام العالم الخمسة بسيف "الفيتو" اللعين. أما آن الأوان لأن يقول حكامنا لأمريكا والكيان الصهيوني كفى، فالموت ولا المذلة؟!


نادر عز الدين

2009-09-29