ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: عاصمة الوحي

نقطة حبر: عاصمة الوحي
كتب حسن نعيم
عمتِ مساءً... يا أرض الرسالات وعاصمة القلب. يا عاصمة القباب والمآذن والوحي والغيب. يا بيّارة البرتقال تطلين من بين غصن الزيتون وزغب الذرة وحقول البيلسان ورفة الهدب وخفقة القلب، وتساهرين الحرم القدسي وكنيسة القيامة, وباب الخليل وحارة النصارى وحارة المغاربة...
عمتِ مساءً.. تتلين في الزوايا والخوانق آية الهزيع الأخير من الليل: " ق. د. س" أحرف طهر ونور وقداسة, تشع من جنبات المكان وتحيل على طبيعة مقدسية توحد بين الانسان والأرض والغيب. وتبعد الحواس لتعيد الاعتبار لرؤية الأشياء عبر القلب, إن كان كل ما في هذا العالم يجرح القلب, لا سيما هذه الملحمة الفلسطينية التي طال ليلها, ولكن مهما طال ليل الظلم أليس له من انتهاء.
نحن الذين نتقن القراءة في كتاب الأرض , ندرك أنها كاللغة تورث من الألف الى الياء، وليست كرة يتخاطفها الفاتحون والغزاة, كرة ملتهبة تنأى باسم فاتحها وتدنو باسم محررها من اليبوسيين الكنعانيين الى الفراعنة الى العبرانيين الى الأشوريين الى البابليين الى الفرس الى اليونان والرومان والبيزنطيين الى الصليبيين الى البريطانيين والصهاينة اليهود.
كم فاتحٍ مرّ على أسوارك, وكم تداول الغزاة, وسراة الليل مفاتيحك, وتولوا كلهم بغصة منك وبقي وجهك القدسي يتلألأ في ليل المسافات.
هل بقي شبر منك لم تدسه قدم نبي أو وصي؟ هل ثمة حجر أو مدر لم يكن شاهداً على رفيف أجنحة ملائكة الوحي من خليل الله النبي إبراهيم عليه السلام إلى إسحاق ويعقوب ويوسف, إلى داوود وسليمان الملك, إلى موسى ويوشع بن نون, إلى زكريا ويحيى وعيسى وأمه مريم، إلى خاتم النبوة محمد وقصة الإسراء والمعراج، كنت عاصمة الوحي، أولى القبلتين وثالث الحرمين, والأرض التي بارك الله فيك وحولك.
بارك الله فيك.
الانتقاد/ العدد1301 ـ 23 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-23