ارشيف من :أخبار عالمية
حملاتهم بدأت منذ منتصف التسعينيات ببناء الحجر والبشر
القدس المحتلة ـ خاص "الانتقاد.نت"
فجر الأحد الماضي، السابع والعشرين من أيلول، عشرات الشبان والشيوخ قرروا إمضاء ليلهم وفجر يومهم مرابطين في المسجد الأقصى، بعضهم جاء من أحياء القدس، وثلة أخرى من مدينة الناصرة وبعض قرى الجليل المحتل... وكان لهم جميعا الدور الأهم في مقاومة محاولة احتلالية لفرض أمر واقع على المسجد الأقصى عند محاولة اقتحامه صباحا..
وبرغم اعتياد الحركات الإسرائيلية المتطرفة إعلان نيتها تنفيذ اقتحامات للمسجد الأقصى في الأعياد والمناسبات الدينية، قرر هؤلاء الشبان "النفير إلى الأقصى" والمرابطة فيه بغض النظر عن خطورة الإعلان والنوايا أو عدمها..
وقد سلطت أحداث اقتحام المسجد الأقصى المبارك صباح الأحد وتصدي المصلين المرابطين فيه لهذا الاقتحام وإجبار الشرطة الإسرائيلية على التراجع ومنع المستوطنين من الدخول إلى باحات المسجد وتأدية طقوسهم التلمودية فيه، سلطت الضوء على الدور الذي يضطلع به فلسطينيو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في الرباط والدفاع عن القدس والأقصى.
قدر رباني
وعن هذا الدور، يتحدث الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل، مبينا أن وجود نحو مليون و400 ألف فلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48 بعد أن كان عددهم حين النكبة لا يتجاوز 150 ألفا، يبدو اليوم قدرا ربانيا.
ويتضح هذا القدر، حسب الخطيب، في الدور الذي يقوم به فلسطينيو الداخل لنصرة القدس والأقصى في ظل عدم قدرة الأهل في الضفة الغربية أو قطاع غزة من الوصول إلى القدس بفعل عزل المدينة عن باقي امتدادها الجغرافي.
كما أن بعض أحياء القدس تم سلخها عن مركز المدينة بفعل جدار الفصل العنصري وبات صعبا على أهلها الوصول إلى القدس. ويؤكد الخطيب أن ذلك فرض على أهالي الداخل المحتل دورا هاما وحيويا ليسدوا مسد الأمة وباقي الفلسطينيين في نصرة القدس والرباط في الأقصى والدفاع عنه.
وعن بداية هذ الدور، يقول الشيخ الخطيب إنه بدأ منذ منتصف التسعينيات حينما أدركت الحركة الإسلامية في الداخل وبزعامة الشيخ رائد صلاح، وعبر معطيات كثيرة حصلت عليها، الخطر الداهم الذي يحيق بالمسجد الأقصى، حيث أطلقت حينها نداءً عالميا تحت عنوان الأقصى في خطر.
ولم يتوقف الأمر عند هذا النداء، فكان أن اتخذ هذا الدور فعل العمل والمشاريع على أرض الواقع، حيث تمكنت الحركة الإسلامية وبالتنسيق مع دائرة الأوقاف بالقدس من ترميم المصلى المرواني والمسجد الأقصى القديم عامي 96 و97 وكان هذا أول المشاريع التي استنهضت فلسطينيي الداخل وحفزتهم للعمل والتبرع والتواصل مع القدس.
من الحجر إلى البشر
واستمرت مشاريع إعادة إعمار الأقصى حتى عام 2000، عندما اقتحم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق أريئيل شارون ساحات الأقصى وجاءت الانتفاضة، وعندها منعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي أي عملية إعادة ترميم، وحظرت على الحركة الإسلامية أو أية مؤسسة من الداخل المحتل، إدخال أية كمية من الاسمنت الى داخل المسجد الأقصى.
"وهنا كان التحول الجذري"، كما يقول الشيخ كمال الخطيب، حيث تحولت إستراتيجية العمل لنصرة الأقصى "من بناء الحجر إلى بناء البشر" ورفد المسجد الأقصى بالجموع البشرية عبر مسيرة سميت "البيارق".
وعبر هذه المسيرة تشرف الحركة الإسلامية ومؤسسة الأقصى للوقف والتراث والعديد من المؤسسات الفاعلة في أوساط فلسطينيي الداخل على تسيير حافلات يومية من المصلين والمرابطين والزائرين إلى المسجد الأقصى المبارك.
ويوضح الخطيب أن هذه المسيرات اليومية تتم حسب تقسيم جغرافي للمدن والبلدات الفلسطينية في الداخل، فكل مجموعة قرى ملزمة بالذهاب للصلاة والرباط في المسجد الأقصى في أيام محددة خلال الأسبوع. وحسب الخطيب، تهدف هذه المسيرات إلى وجود المسلمين بحشود بشرية كبيرة ودائمة في المسجد الأقصى، مضيفا أن البيارق مستمرة منذ تسع سنوات، وهي في حركة متجددة ومتزايدة ودائمة عبر عشرات الحافلات التي تصل يوميا إلى الأقصى.
ووصل الأمر في بعض القرى، أن اختار العشرات من شبابها الذهاب في حافلات البيارق لأداء صلاة الفجر في الأقصى الذي يبعد عنها مسافات بعيدة، حتى يكون التواصل ليلا ونهارا في القدس والأقصى المبارك.
كشف الأنفاق والمخاطر
ولم يقتصر دور الحركة الإسلامية والقيادات الفلسطينية في الداخل على رفد المسجد الأقصى بالمصلين والرباط فيه، حيث يؤكد الشيخ كمال الخطيب أن أهم الأنشطة التي نفذتها الحركة الإسلامية في السنوات الأخيرة هو أعمال البحث والكشف والمتابعة لحقيقة ما يجري في القدس وخاصة في المسجد الأقصى من قبل سلطات الاحتلال.
وقد كان للحركة الإسلامية ومؤسسة الأقصى ـ مؤخرا ـ دور بارز في الإعلان عن مخططات ومؤامرات الاحتلال عبر الكشف عن شبكات الأنفاق التي تحفر تحت المسجد الأقصى والمخططات التي تقوم بها بلدية الاحتلال في القدس.
وكان من نتيجة هذه الأنشطة الفاعلة في الدفاع عن الأقصى، اعتقال قيادات الحركة الإسلامية ومحاكمتهم، والذي كان آخره بالأمس محاكمة للشيخ رائد والدكتور سليمان اغبارية على خلفية كشفهم مخطط الاحتلال وتصديهم له فيما عرف بمخطط باب المغاربة في شباط عام 2007. لكن، وبرغم هذا الدفاع المنقطع النظير عن الأقصى، يؤكد الخطيب أن الحركة الإسلامية وفلسطينيي الداخل غير قادرين وحدهم على حماية القدس والأقصى.
"لن نحميه وحدنا"
ويضيف: من يظن أننا قادرون وحدنا على القيام بواجب الدفاع عن الأقصى وحماية القدس، فهو مخطئ ويحملنا طاقة أكبر مما نستطيع، لأن ما يحصل الآن في الأقصى والقدس يتطلب حشد كل الإمكانيات الرسمية والشعبية والدينية والوطنية والشبابية والإعلامية.
ويؤكد الخطيب أن التكاتف العربي والإسلامي المطلوب يأتي أمام محاولة تقرير مصير من الجانب الاسرائيلي للسيطرة على القدس بتكاتف حكومي ومؤسساتي وحزبي وقوى دينية إسرائيلية كلها الآن مجندة لتنفيذ هذه المخططات بعد التهويد الحاصل ببناء ما يسمونه (الهيكل الثالث) على أنقاض الأقصى.
ويشدد الخطيب على أن صورة المصلين من القدس والداخل وهم يدافعون بصدورهم وحجارتهم وأحذيتهم لصد القوات الإسرائيلية المقتحمة للأقصى، تبدو رائعة في التعبير عن الصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ولكنها غير كافية لأن الأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018