ارشيف من :أخبار عالمية

بعد 7 أشهر من الاعتقال... البرلمانية الفلسطينية مريم صالح تروي رحلة العذاب في زنازين سوداء

بعد 7 أشهر من الاعتقال... البرلمانية الفلسطينية مريم صالح تروي رحلة العذاب في زنازين سوداء
خاص الانتقاد.نت ـ رام الله ـ ميرفت عمر

في الثاني عشر من تشرين ثاني/ نوفمبر 2007، حاصر الجيش الإسرائيلي منزل البرلمانية الفلسطينية الدكتورة مريم صالح في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وقرر اعتقالها، في سابقة هي الأولى في اعتقال البرلمانيات في العالم...
عندئذ، لم يخطر أحد ببال 'أم أحمد' (كما يناديها الجميع هنا)، سوى ابنتها ـ بتول ـ التي بدأت استعدادها لعام شاق في الثانوية العامة... وولد 'معاق' لا يرتضي راعيا له سوى أمه، وقصص شتى عاشتها روايات على ألسنة نساء الأسرى اللواتي تواسيهن يوميا..
تقول الدكتورة مريم: 'عندما أخرجوني من البيت لم أذرف دمعة واحدة على عائلتي وأبنائي، قلت لهم: استودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع وحسبي الله لي ولكم.. لا تهنوا ولا تحزنوا..' وذهبت.
بعد سبعة أشهر تماما، وفيها كان 'أحمد' الابن الذي ولد معاقا، يجلس يوميا ليعُدّ الأشواق بالدقائق وبكلمات يرسمها على نافذة البيت المطلة على الطريق في انتظار أم طال غيابها.. دون أن يفهم معنى هذا الغياب'.. بعد سبعة أشهر عادت 'أم أحمد' بهيئة هزيلة، وبمرض انتابها حين أغلقت عليها الأنفاس لشهر كامل في زنزانة سوداء في ' مسلخ المسكوبية' كما يسمى ذلك المكان.

 بعد 7 أشهر من الاعتقال... البرلمانية الفلسطينية مريم صالح تروي رحلة العذاب في زنازين سوداء

اعتقلت النائبة الدكتورة مريم صالح (56 عاما)
 فجر الاثنين 12-11-2007، وتم اقتيادها مباشرة
إلى مركز تحقيق المسكوبيةفي مدينة القدس، حيث
خضعت لتحقيق استمر شهرا كاملا، واحتجزت في
' زنزانة سوداء' لا متنفس لها سوى'رائحة كريهة'
 تسببت لها بأمراض ومتاعب عدة.

اعتقلت النائبة الدكتورة مريم صالح (56 عاما) فجر الاثنين 12-11-2007، وتم اقتيادها مباشرة إلى مركز تحقيق المسكوبية في مدينة القدس، حيث خضعت لتحقيق استمر شهرا كاملا، واحتجزت في ' زنزانة سوداء' لا متنفس لها سوى 'رائحة كريهة' تسببت لها بأمراض ومتاعب عدة.
وتروي الدكتورة مريم وهي التي احتلت مرتبة متقدمة في قائمة حركة حماس الانتخابية إبان انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 وشغلت بعد فوزها منصب وزيرة شؤون المرأة في الحكومة الفلسطينية العاشرة... تروي قصة اعتقالها قائلة: منذ الساعة الأولى لاختطافي بدأ الجنود والمحققين بمعاملتي بطريقة وحشية، وبخلاف ما أبلغوا به زوجي ووسائل الإعلام بأنني أحتجز في غرفة نظيفة وبها تهوية مناسبة، رميت في زنزانة قذرة بجدران وأرضية سوداء وبلا متنفس إلا من هواء صناعي يتم إدخاله بواسطة آلة معلقة بالسقف وفي بعض الأحيان كان بارداً جدا وحينا آخر هواء ساخن جدا وكان يحمل رائحة كريهة.. كنت أفهم رسالتهم، هذا تعذيب جسدي للضغط من أجل الاعتراف..'.
وبسبب ظروف التحقيق السيئة، وطول السهر أياماً بلياليها والمنع من النوم، وبفعل جو الزنزانة الخانق أصيبت الدكتورة مريم بضغط الدم 'رغم أنني لم أعانِ من أية متاعب صحية من قبل، فقد عزلت بشكل كامل عن العالم بدون مذياع ولا ورقة ولا حتى ساعة لمعرفة الوقت.. ولم أكن أعلم ماذا يحدث في العالم الخارجي على مدار شهر كامل' تضيف.
وخلال التحقيق حاول المحققون ابتزازها:' قالوا لي يجب أن تعترفي سريعا كي تعودي لإنقاذ عائلتك، فأجبتهم أن ابني المريض وعائلتي لهم الله وسأعود إليهم قريبا بإذن الله'.. وعلى مدار سبعة أشهر لم تتمكن الدكتورة مريم من مشاهدة أي من أفراد عائلتها سوى بتول التي سمح لها بتصريح زيارة لمرة واحدة ولدقائق معدودة..
قيادية في حماس..!!
وفي هذه الأحيان التي كانت سلطات الاحتلال تحتجز فيها نجلها عبد الرحمن بزنزانة مجاورة لها في مركز تحقيق المسكوبية بالقدس، وجهت سلطات الاحتلال للدكتورة مريم صالح تهمة الاضطلاع بدور قيادي في حركة حماس والقيام بنشاطات تشكل خطراً على 'أمن إسرائيل'، إلى جانب الاتصال بمطلوبين ومساعدة عائلاتهم، وكذلك الاتهام بحيازتها مبالغ من الأموال التي تستخدم لدعم حماس..'. ودون أي دليل مادي واحد، كما تقول الدكتورة.
ولم تكن هذه التهم، هي الوسيلة الوحيدة مع أيام طويلة من التحقيق للضغط عليها، فقد بلغ الأمر بهم بعد اعتقالها بأن يحضروا لها ابنها عبد الرحمن الذي اعتقل قبل اختطافها بشهر في حالة يرثى لها من التعذيب والإعياء، وكانوا قد احتجزوه في زنزانة مجاورة لوالدته، دون أن تعلم هي بذلك..
'كان اللقاء صعباً علينا.. وكنت مشتاقا لامي' يقول عبد الرحمن 24 عاما، الذي جلس يطوق والدته بيديه..:' لكنها كانت متماسكة لأبعد الحدود، كما عهدناها دوما، وطمأنتني وشدت على يدي لأصبر واحتسب ذلك عند الله'...وهكذا فعلت اليوم أيضا لتؤكد له أنها هنا...
ورغم أن الدكتورة مريم صالح كانت البرلمانية الوحيدة المعتقلة في العالم، لم يكن هذا الوضع القانوني أو الإنساني ليشكل فرقا في المعاملة التي تلقتها أو التهم التي وجهت إليها، حيث تقول: إن سلطات الاحتلال لا تحترم أية قوانين أو أوضاع خاصة، "إسرائيل" تعتبر نفسها فوق القانون، ولا تعترف بالديمقراطية التي أوصلتنا إلى المجلس التشريعي'..
44 نائبا معتقلا
وجاء اعتقال الدكتورة مريم صالح، بعد أكثر من عام على اختطاف معظم نواب كتلة التغيير والإصلاح الممثلة لحماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث بلغ عددهم حتى اليوم 44 نائبا هم معظم من انتخبوا في محافظات الضفة الغربية، وبدأ ملف اختطافهم في التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو 2006 بعد أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، لكنه لم يغلق حتى اليوم.
 وفي الذكرى الثانية لاختطافهم وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور عزيز دويك، تؤكد الدكتورة مريم إن البرلمانيين الفلسطينيين عاشوا خلال العامين الماضيين ظروفا مأساوية من السجن والعزل، وقد انتهت أكثر من نصف مدة المجلس التشريعي القانونية دون أن يتمكن هؤلاء من ممارسة مهامهم بسبب تعرضهم للاعتقال بعد أشهر قليلة على انتخابهم..
وتصف الدكتورة مريم استمرار اختطاف النواب والوزراء للعام الثاني على التوالي بأنه وصمة عار في جبين العالم كله وفي جبين من يدّعون الديمقراطية، مضيفة: لقد تأكد للعالم أن من يروج للديمقراطية في العالم هم أبعد ما يكون عن الديمقراطية، وهم يرون أن  رجال الشرعية المنتخبون ملقون بالسجون دون أن يحرك أحد ساكنا.
رسالة.. من هناك
وفي حين قضت الدكتورة مريم ستة أشهر من اعتقالها في سجن تلموند العسكري للنساء، حيث تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي معظم الأسيرات الفلسطينيات، دعت صالح إلى وضع قضية الأسيرات على رأس أولويات السياسة الفلسطينية لإنهاء ملفهن بسرعة قصوى.
وتعطي البرلمانية صالح صورة عن وضع الأسيرات اللواتي ناهز عددهن 105 أسيرات بينهن عدد كبير من الأمهات والقاصرات، حيث تقول: مهما تحدثت عن أوضاعهن فلا يمكن وصف معاناتهن أبدا، فمعظمهن يعانين حالات مرضية صعبة ومصابات بأمراض مستعصية جسدية مثل السرطان والكلى والمرارة والضغط والقلب ومشاكل في السمع وضعف النظر وتساقط الشعر والالتهابات الجلدية المزمنة بسبب ظروف الزنازين المظلمة والمعزولة وانتشار الحشرات فيها، بالإضافة إلى المعاناة النفسية التي يواجهنها نتيجة ضعف التفاعل مع قضيتهن وعدم الاهتمام الكافي بهن.
وتنقل الدكتورة مريم رسالة مؤلمة من الأسيرات، يناشدن فيها كافة الفصائل والحكومة والسلطة عامة بأن يولوا قضيتهن الاهتمام الكافي، وأن ينظروا إلى ملف الأسرى باعتباره أولوية يجب حلها وعدم الاكتفاء بتفعيل قضاياهم خلال المناسبات فقط، وإنما التحرك الجدي لإنهاء ملف أكثر من 12 ألف أسير وأسيرة ومن ورائهم معاناة آلاف الأبناء والزوجات والأمهات.
بين الخوف والخوف
وفي يوم الإفراج عنها بتاريخ 15-6-2008 الذي صادف الأحد الماضي، عاشت الدكتورة مريم وعائلتها مشاعر متناقضة غالبها الخوف من تمديد الاعتقال وعدم الالتزام بما أقرته المحكمة العسكرية الأخيرة التي خضعت لها الدكتورة مريم، والتي قررت الإفراج عنها بهذا التاريخ دون اللجوء إلى التمديد.
تقول الدكتورة مريم: حتى ظهر يوم الإفراج عني كنت أظن أنه سيجدد اعتقالي الإداري في آخر لحظة، وهذا كان أشد وسائل العذاب النفسي، حتى قرر الإفراج عني في ساعات بعد الظهر وأطلق سراحي فاتصلت بعائلتي وأبلغتهم بحمد الله'..
وعلى الطرف الآخر في بيت الدكتورة مريم، كانت بتول، الابنة المشتاقة والمتعبة وأشقائها تحاول ترتيب المكان بخوف خفي في أعينهم، وبارتجاف في يديها لم تتمكن من دراسة مادة' العلوم' التي ستتقدم لامتحان الثانوية لها في اليوم التالي..ومثلها أحمد، هذه المرة كأنه كان يفهم ما الذي يدور.. كان يعيش الانتظار أملا..
وبعد ساعات، ضج الفرح في البيت بانتظار الأم القادمة من مكان بعيد ومظلم في سجن تلموند، حيث تروي الدكتورة: كان الجميع فرحا، لكنني شاهدت الأمل يعود إلى بيتي في عيون بتول وبنظرات أحمد الذي منذ ذلك اليوم يرافقني أينما جلست في البيت ويعيد تقبيل يدي ورأسي مرارا وتكرارا.. فقلت: الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
2008-06-21